فى مجموعته القصصية حائر بين الحلال والحرام يقدم إحسان عبد القدوس مجموعة من الحكايات التى هدف من خلفها لمناقشة مجموعة خطيرة من المسائل التى تؤرق بعض الناس
فى حكايته الأولى الطريق سهل نحو السماء لم يتناول إحسان أى مسألة تدل على الحيرة بين الحلال والحرام فالحكاية تحدثنا عن فتاة مستهترة تربت على يد اليهود وهى تريد العمل كممثلة رغم معارضة أسرتها ويبدو أن هدف إحسان من الحكاية هو توجيه النقد لصناعة السينما المصرية ونجماتها ففى رأيه أن نجمات السينما المصرية لسن فنانات بل جميلات من خلال قوله “إن الفن هو أخر مؤهلات السينما فى مصر ويكفى الجمال والجمال فقط ” ص5 وأن المنتجين يستغلون الحكاية للحصول على المنافع المادية فى قوله “أما المنتج السينمائى فقد رأى فيها جمالا ورأى فيها شبابا ورأى فيها وجها جديدا يستطيع أن يستغله دون أن يكلفه غاليا “ص7
ورأيه أن الإنسانة لا تكون فنانة إلا بالدراسة والقراءة ومشاهدة المسرحيات كثيرا والتتلمذ على يد معلم يبد أ بها من أول السلم وهو قوله :
“إنك ستكونين نجمة نجوم السينما ولكنك لن تكونى فنانة إلا إذا درست الفن وتعبت فى دراسته اقرئى ألف كتاب وشاهدى ألف مسرحية وتتلمذى على يد فنان كبير يبد بك السلم من أوله “ص8
بالقطع هذه أراء إحسان فى السينما المصرية وقد خانه قلمه فلم يتحدث عن حلال وحرام السينما فى الحكاية
طرح فى حكايته الثانية الله محبة مسألة زواج المسلمة من النصرانى الذى دعاه قبطيا فى الحكاية ” حاولت ان تهرب من الحقيقة التى تجاهلتها منذ أن رأته ومنذ أن أحبته إنه قبطى وهى مسلمة “ص11
الرجل فى مقدمة الحكاية لم يعط رأيا محددا وإنما تحدث عن قصص الحب بين مسلمين ونصرانيات وبين مسلمات ونصارى وطالب بعدم تجاهل المسألة فقال ” مشكلة لن يحلها تجاهلها “ص9
فى الحكاية بين أن الحبيبين بحثا عن حل للمشكلة فوجدت الفتاة الحل فى الإسلام الصورى للفتى “إنه يستطيع أن يشهر إسلامه ويستطيع أن بعد ذلك أن يتزوجها”ص 12ووافقها الفتى لكن بعد أن طالبها بالتنصر فقبلت “هل لو طلبت منك أن تخرجى من دينك تخرجين وأجابت على الفور وكأنها لم تفكر ولا تريد أن تفكر نعم “ص13 وعندما ذهب الفتى سأله أخو الفتاة هل أشهر إسلامه بإخلاص أم أنه مجرد أمر شكلى فأجابه أنه مجرد أمر شكلى ومن ثم رفض الأخ تزويج أخته لأنه سيضيع الأولاد الناتجين من هذه الزيجة وكانت النتيجة فى النهاية انتحار الحبيبين فماتت الفتاة ولكن الفتى تم إنقاذه.
طرح إحسان فى هذه الحكاية حيرة المحبين من الأديان المختلفة عندما تقف الأديان حائلا بينهم وبين الزواج والأمر لا يوجد فيه حيرة فى الأديان فزواج المسلمة من غير المسلم محرم لقوله تعالى “لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن” وقوله “ولا تمسكوا بعصم الكوافر “والمسألة ليست مجرد ارتباط واحدة بواحد وإنما المسألة كما قال تعالى بسورة البقرة “ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ” إذا الحلال والحرام بين فى الإسلام فالمسلمة التى تعجب بكافر عليها أن تعرف أن إعجابها وهو حبها سيؤدى بها لو تزوجته إلى النار لأنها فى تلك الحال ستترك الإسلام بتركها طاعة حكم الله الذى حرم هذا الزواج لخطورته على دينها ودين الأولاد
ويبدو أن المقولة التى استشهدت بها الفتاة وهى “إن الله محبة الله الحب إذن فهى مع الله لأنها تحب ولأنها هنا من أجل الحب “ص17 فالله فى النصرانية ليس محبة فقط وإنما إله منتقم جبار أيضا كما قال ينتقم ممن يخالفه ويعصاه
الله يحب من يحبه بطاعته ويكره من يكرهه بمعصيته
وأما المسألة فى النصرانية فواضحة فقد أباحت النصوص زواج النصرانية من غير النصرانى والنصرانى من غير النصرانية وهو قول بولس فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس “فأقول لهم أنا لا الرب إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة وهى ترتضى أن تسكن معه فلا يتركها والمرأة التى لها رجل غير مؤمن وهو يرتضى أن يسكن معها فلا تتركه “(7-13:12)
ويبدو أن بولس قدم الحل الذى تحدث عنه إحسان بقوله عن عدم تجاهل القضية ولكن المشكلة أيضا أن بولس يعلن أن هذا هو رأيه الشخصى وليس حكم الرب لأن حكم الرب هو كما فى الإسلام لا يتغير .
إذا الحائر هو الإنسان ولكن الأديان واضحة فى حكمها وكنا نتمنى أن يقول الرجل أن الإنسان التافه أو الإنسانة التافهة الذين يريدون بيع أخرتهم بدنياهم أسهل عليهم أن ينسوا هذا المخالف فى الدين ويتجهوا لحب أخر من نفس الدين فكثير من البشر أحبوا ولم يتزوجوا من يحبون ومع هذا لم تقف حياتهم لهذا السبب والإنسان الذكى هو الذى لا يقف عند مشكلة تافهة وينساها إذا لم يكن هناك حل غير النسيان وعلى رأي واحد من عامة الشعب الخرم كله واحد عند الكل والظلام يساوى بين جميع الوجوه .
فى الحكاية الثالثة القرآن يبين لنا مشكلة البسطاء من الناس الذين يظنون أن القرآن مجرد كلام يزينه صوت المقرىء وأن مشكلة القرويين ليست فى تعلم القرآن وأحكامه ولكنها فى استئجار الشيخ عبد الباسط لسماع القرآن للتباهى بأنه قرأ فى القرية وهى مشكلة تبين لنا أن عامة الشعب فى القرى لا يهمها تعلم أحكام القرآن وإنما الذى يهمها هو التباهى بالمقرئين وفى أى البلاد قرئوا وليس فى هذه الحكاية حيرة بين الحلال والحرام وإنما هى حيرة فى الحرام المتمثل فى التباهى بقراءة عبد الباسط فى البلد وكيفية تحقيقه .
وفى الحكاية الرابعة الإنسان فى السماء وهى حكاية تذكرنا برسالة الغفران للمعرى يبين لنا معركة خيالية بين الملائكة فى عبد المتجلى المتعذب فى حياته والذى هو ليس بمؤمن ولا كافر وهى معركة قضائية
بالقطع هذه الحكاية هى افتراء على الملائكة وعلى الله فمثلا يقول إحسان “وتجمع فريق من الملائكة ينثرون فوق رأسه أكاليل من النور وينشدون من حوله أنغاما أعذب من كل ما تذيعه محطة الإذاعة ويعدون له عرشا من الذهب “ص34 وبالقطع الملائكة لا تغنى ولا تنثر أكاليل نور فى الوحى الإلهى وإنما تقول للميت إن كان مسلما سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون كما قال تعالى بسورة النحل “الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلامك عليكم لدخلوا الجنة بما كنتم تعملون “وتقول للكافر كما جاء فى سورة النحل أيضا ” الذين تتوفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ” وأما الإفتراء على الله فقوله “وقد أرادت مشيئة الله أن تشكل محكمة يقدم أمامها عبد المتجلى وسيدافع عنه ملاك ويتولى الإتهام ملاك أخر ألا تأتى إن المحاكمة علنية والحضور مباح لأهل الجنة ”
فالله لم يرد تشكيل محكمة لعبد المتجلى هذا لأنه ليس سوى شخصية خيالية ومن ثم فهذا افتراء على الله كما أن المحاكمة فى الجنة وهى تبين تجادل الملائكة مع بعضهم فى أمر عبد المتجلى والجنة لا يسمع فيها كما قال تعالى بسورة الواقعة ” لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ” فكلام الجدال فى المحكمة أيا كان لابد أن يكون فيه باطل وإثم لوجود مدافع ومهاجم أى نافى للتهمة ومثبت للتهمة فأحدهما على باطل .
ويبدو أن إحسان هنا يقدم مشكلة ليس لها وجود إلا فى خيال بعض المؤلفين وهى وجود ناس لا يرتكبون خيرا أو شرا وهى مقولة خيالية فكل الناس علمنا كبشر أم لم نعلم يرتكبون خيرا أو شرا والوحيد الذى يعلم بهم هو الله وهو يحاسبهم على نياتهم أى على تعمد قلوبهم إذا كانوا لا يعلمون بأحكام الحلال والحرام كما قال تعالى بسورة الأحزاب “وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ”
فى الحكاية الخامسة التى سميت باسمها القصة وهى حائر بين الحلال والحرام يقدم لنا إحسان رسام تربى فى بيئة دينية كما يقول صلى وصام وعمل ما يرضى الله دون تفكير غير سماعه كلام والديه عن الحلال والحرام ولكنه لما بدأ يشب ظهر له كما يظهر للناس السؤال لماذا نفعل ولماذا لا نفعل وكان أن أدى به انشغاله بلماذا بالصلاة عارى الساقين ثم لترك الصلاة وبالتفكير فى الكذب وهل هو حلال أم حرام وما مقياس حله من حرمته وبالتفكير فى حبه هل هو حلال أم حرام وأخيرا أصيب الرجل بداء السل وذهب الراوى لزيارته وبين له طريق التفرقة بين الحلال والحرام وهو :
“وهذا الضمير هو الذى يفرق بين الحلال والحرام الحلال هو ما لا يؤذى نفسك أو غيرك والحرام هو ما يؤذيك أو يؤذى غيرك والضمير هو مقياس حساس لما تسببه تصرفاتك من أذى “ص51
بالطبع الرجل لم يتربى فى بيئة دينية وإنما فى بيئة علمته الأخطاء التى تعلمتها من الجهلة عن الدين فغالبية معارف العامة عن الإسلام لا يستمدونها من النصوص وإنما يستمدونها من أقوال الشيوخ وتفسيرات المفسرين وهى مليئة بالأخطاء كما أنها مليئة بعدم الفهم فتحريم السؤال بلماذا هو ما يدفع لوجود مثل هذه الشخصيات التى تعيش وتموت حائرة لأنها لم تلجأ للنصوص الإلهية وإنما ظلت واقفة عند أقوال المفسرين والسماعيات وهى أقوال كثير منها مخطىء ومتناقض
ونأتى لما قاله إحسان عن المفرق بين الحلال والحرام فالرجل جعل المفرق ليس الله الذى شرع الأحكام ولكن المفرق بين الحلال والحرام هو الضمير وهو خطأ ظاهر فالضمير النفسى لو شرع حلالا وحراما لأشرك بالله ولكنه يخضع لقول الله فى الحلال والحرام
وأما جعل مقياس الحرام هو إيذاء النفس أو الغير فمقياس باطل لأن العقوبات على الغير فى الجرائم هى إيذاء للغير كقتل القاتل وقطع يد السارق ولكنها حلال وأيضا قتال وقتل وجرح الأعداء هو إيذاء للغير ولكنه مباح لقوله تعالى بسورة البقرة:”كتب عليكم القتال وهو كره لكم ”
ومن ثم فالإيذاء ليس مقياس للحرمة لأن الله أحل بعض الأذى فقال مثلا فى سورة النساء فى عقاب مرتكبى الفاحشة المسماة خطأ اللواط “واللذان يأتيناها منكم فأذوهما ”
ويبدو أن إحسان يريد من العلماء ألا يكتفوا بمجرد قول هذا حلال وهذا حرام وإنما عليهم أن يوضحوا لماذا هذا حلال وهذا حرام وهى وجهة نظر صحيحة لأنها تجنب المجتمع فيما بعد ظهور الشخصيات المريضة نفسيا كصاحبنا فى الحكاية وأيضا الشخصيات المرتدة عن الإسلام لجهلها .
الحكاية الخامسة رجل أعلن إسلامه يحكى إحسان فيها عن جندى دنمركى نزل القاهرة فى إجازة فالتقى بفتاة قاهرية أعجب بها وأحبها رغم كونها مسلمة وصارحها فى إجازة ثانية بكل ظروفه ونتيجة ظروف ما عاد لبلده وحكم عليه بالسجن سنة باعتباره جنديا هاربا فطلق زوجته وفى السجن درس الإسلام واعتنقه وأرسل للفتاة يطلب زواجها فيما بعد فرفضت زواجه حتى يربى أولاده الأربعة أولا وقنع الرجل بإسلامه وهاجر من الدنمرك
وفى حكايته السادسة الحب فى رحاب الله يحكى لنا قصة امرأة تزوجت من رجل يعمل فى الخليج وهو خمورجى ونتيجة انشغاله بالعمل وكسب المال خرجت لقضاء وقت فراغها فى المسجد للصلاة والتعلم وفى المسجد ولدت قصة حب بينها وبين أحد المصلين فما كان من إمام المسجد بعد أن علم بقصتها مع زوجها إلا أن سعى فى تطليقها من الخمورجى وتزويجها ممن تحب وقد عاقبته السلطات الحاكمة على هذه الفعلة .
إحسان فى هذه الحكاية يريد أن يقول لنا أن حب المرأة المتزوجة التى يهملها زوجها لأخر هو حب شريف جائز إذا كان الأخر يريد زواجها بعد طلاقها .
وينبغى أن نبين الحق فى المسألة وهو أن الحب مسألة قلبية لا يمكن منعها خاصة فى حالة المشاكل بين الزوجين ولا ينبغى لهذه المسألة أن تعلن من قبل الزوجة لزوجها أو لغيره لأن إعلانها كما حدث فى هذه الحكاية سبب المشاكل للزوجين وللعالم الذى عمل على تزويجهم بعد الطلاق الذى سعى فيه .
والحل الطبيعى هو كما قال الله “فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ” فالزوج أو الزوجة إن خافوا أن يرتكبوا معصية هى ارتكاب جريمة ما كقتل أو جرح أو زنى بسبب بقاء الزوجية فعلى الزوجة أن تطلب من زوجها الفداء وهو الخلع أى أن يطلقها مقابل أن يستعيد المهر وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة “فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ”
وفى حكايته السابعة الحلال أرخص من الحرام يروى لنا قصة رجل يحسبها بالكمبيوتر فى كل أمر من أمور حياته فحتى قضاء الشهوة الجنسية حسبها فوجد أن الحرام فى النساء يكلف كثيرا لأنه فى كل مرة يريد فيها الجماع سيدفع بينما فى الزواج يدفع مرة واحدة المهر ويجامع مجانا حتى الموت والرجل كما روى لنا إحسان تزوج كثيرا ويطلق بمجرد أن يشعر بالملل وعدم المتعة
وفى الحكاية الأخيرة أستغفر الله يقص علينا قصة رجل فلسف قضية التدخين فى أنها مشكلة ادخلها الاحتلال البريطانى لمصر ليضعف الشعب المصرى ويسيطر عليه ومع هذا لم يفلسف هذا الفيلسوف اصراره على شرب كأس من الخمر يوميا مع زوجته فلما تاب الله عليه منها رفضته زوجته ثم عاد لزوجته وشرب الخمر معها يوميا وهو يصلى ويبالغ فى الصلاة ويقول أستغفر الله .
ويبدو أن الحكاية تطرح سؤال هل معصية صغيرة كشرب كأس من الخمر يوميا يزيلها عمل الخير والصلاة ؟
والإجابة كلا الإصرار على ارتكاب المعصية باستمرار هو الذى يزيل الخير لقوله تعالى “ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون”