قراءة فى كتاب الإخلاص ثمرة الحب

قراءة فى كتاب الإخلاص ثمرة الحب
يبدو أن هذه الرسالة صاحبها غير معروف فعند البحث عن مؤلفها وجدتها موجودة فى منتديات شيعية تعرف باسم مجالس الحمامى ومنشورة على وجه الكتاب فى صفحة تسمى صفحة أدبية وفى موضع أخر وجدت حوالى صفحة منها بقلم محمد فياض من مصر ويعيش فى الولايات المتحدة ويبدو أن البعض ينقل عن بعضه
وفى مقدمة الرسالة نجد الحديث عن الحب المتولد من المعرفة يولد الإخلاص وهو قولها:
“إن الحب الذي تورثه المعرفة سوف يورث لنا أمرا آخر لابد منه وهو الإخلاص للمحبوب فنحن نرى بالوجدان أننا نخلص لمن نحبه, وتزداد درجة إخلاصنا بازدياد درجة حبنا له وهذا الترتب الطولي بين المعرفة والحب والإخلاص هو ترتب ذاتي، وسنة إلهية، ومسلك قرآني منسجم تمام الانسجام مع فطرة الإنسان”
وقطعا المتولد عن المعرفة لا يمكن أن يكون حبا فقط وإنما حبا وكراهية معا كما قال تعالى :
“ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه فى قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان”
ومن ثم معرفة دين الله تولد حب الإسلام وفى نفس الوقت كراهية الكفر وكل ما فى معناه
والكاتب يبدو أنه دارس للفلسفة ومن ثم يحدثنا عن العرض والجوهر والعلة والمعلول وهو كلام ليس مما جاء فى كتاب الله لفظيا ويتحدث عن أمراضنا النفسية فيقول:
“من خلال هذه المعارف الأولية الجليلة تتضح لنا جملة أمور ذات صلة بالسلوك الذي يجدر بالإنسان أن يكون عليه ـ وكما قيل: إن الأعراض تكشف عن جواهرها، والمعلولات تكشف عن عللها ـ نذكر شاهدا واحدا منها لعل فيه تذكرة للمؤمنين، وهو أن الأمراض المعنوية التي أحسبها أعراضا لا أمراضا ـ كما سيتضح ـ تحكي لنا بنفسها ما نحن عليه من إخلاص, ثم من حب, ثم من معرفة بالله تعالى، كما هو الحال في الرياء والتكبر وغيرهما فالرياء طلب المحبوبية في قلوب الناس، حيث يرائي المرائي الآخرين طلبا للمنزلة عندهم، فيكون الآخرون هم المقصودين بالعمل، وهذا هو الشرك الخفي لا الجلي، أو الأصغر لا الأكبر، كما جاء ذلك في جملة من الروايات، حتى أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قد رئي باكيا فسئل عن سر بكائه، فقال: (إني تخوفت على أمتي الشرك، أما إنهم لا يعبدون صنما ولا شمسا ولا قمرا ولكنهم يراءون في أعمالهم) وعنه صلى الله عليه وآله أيضا: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) قالوا: ما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء”
والروايات المذكورة لا تصح فلا يوجد شرك أكبر ولا شرك أصغر فالموجود فى كتاب الله هو الشرك عامة كما قال تعالى :
” إن الشرك لظلم عظيم”
ومن لم يذكر الله تقسيما للشرك فكل طاعة لغير الله فى أى مسألة هى شرك
وتحدث المؤلف عن الرياء فى الصلاة فقال:
“ففي الصلاة ـ مثلا التي يجب أن يكون المتوجه إليه هو الله وحده ـ إذا قصد بها وجه آخر طلبا للمنزلة والمحبوبية عنده فإن مثل هذه الصلاة تكشف عن عدم إخلاص صاحبها لله تعالى, وعدم إخلاصه هذا يكشف عن عدم حب لله تعالى، أو أنه يكشف عن حب لا قيمة له”
ويحدثنا الرجل عن كون الكراهية جهل والحب معرفة وهو كلامنا كما سبق القول كلام خارج الإسلام لأنه مخالف له ومن ثم يحدثنا حديث الفلسفة الصوفية فيقول:
“وعدم الحب كاشف بدوره عن عدم المعرفة بالله تعالى وهذا الترتب منطقي جدا، فالذي يقصد غير وجه الله تعالى في صلاته لا شك أنه سيجد في ذلك الغير ما لم يجده في الله تعالى؛ ما يعني الجهل المطبق وعدم المعرفة بالله تعالى وأكثر من ذلك أنه يكشف عن سفاهة؛ لأن الفاعل هنا يرى للغير من كمال ما لا يراه لله تعالى بعبارة أخرى: يرى للموهوب له ما لا يراه للواهب نفسه! مع أن الواهب الحقيقي واجد لكل جمال وكمال وبأعلى المراتب، ولذا عبرنا عن الأمراض المعنوية كالرياء والتكبر ونحوهما بالأعراض الكاشفة بنفسها عن أمراض فالرياء كاشف عن عدم الإخلاص ثم عدم الحب ثم عدم المعرفة بالله تعالى، وعدم المعرفة بالله هو المرض الحقيقي, وما الرياء والتكبر ونحوهما من الموبقات إلا أعراض تحكي عن عللها
وهكذا يمكن التدرج في جميع المقامات التي نحن عليها، صحيحها وسقيمها، سلبها وإيجابها، لنعرف بذلك أي شأن ومكانة وموقع تتبوؤه معرفة الله تعالى”
وهذا الكلام المنطقى حسب كلام المؤلف يدل على جهل المؤلف بدين الله حيث جعل عدم المعرفة بالله هى المرض الحقيقى بينما المرض هو إرادة النفس الكفر أو النفاق ” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”
فالناس يعرفون دين الله من خلال معرفة نصوص الوحى وهم لا يطيعون هذه النصوص رغم المعرفة ولذا وصفهم الله بأنهم كالحمار يحمل أسفارا فقال:
“مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ساء مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله”
وحدثنا كما فى السابق عن الحب المتولد من المعرفة وكما قلت سابقا المعرفة بالله لا تعنى حب الله دوما وإنما قد تعنى حبا من خلال الطاعات لله وقد تعنى كفرا من خلال العصيانات لله وكلامه المتكرر عن الحب المتولد من المعرفة هو :
“بقي أن نعرف كيف لهذا الحب المتولد من المعرفة الإلهية أن يكون مورثا للإخلاص، فذلك لأن محبة الله تعالى تطهر القلب من جميع التعلقات الأخرى أيا كانت تلك التعلقات ـ ما لم تكن متعلقة به وعائدة إليه ـ فيتوجه القلب بكليته نحو قبلته وكعبته ومحبوبه، وهذا هو كمال الحب وتمامه حيث لا يبقي الحب في قلب المحب شيئا أو متعلقا لغير المحبوب (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) “
وحدثنا عن الحب والغيرية فقال :
“فلا معنى للحب مع وجود الغيرية، ولا معنى للغيرية مع وجود الحب يقول العلامة الطباطبائي: (وأما محبة الله سبحانه فإنها تطهر القلب من التعلق بغيره تعالى من زخارف الدنيا وزينتها من ولد أو زوج أو مال أو جاه، حتى النفس وما لها من حظوظ وآمال، ويقتصر القلب في التعلق به تعالى وبما ينسب إليه من دين أو نبي أو ولي وسائر ما يرجع إليه تعالى بوجه، فإن حب الشيء حب لآثاره) “
والكلام هنا كلام عن التوحيد وعدم الشرك بالألفاظ المعرفة لنا كعامة الناس والمؤلف يبين أن الحب هو الجنة الدنيوية فيقول:
“فإذا وقع ذلك الحب الإلهي في قلب الإنسان فهو الجنة التي ينعم بها العبد في الدنيا قبل الآخرة، وهو الجنة التي تقيه من الوقوع في المعاصي والمهالك، لأن الحب الإلهي كفيل بتوحيد إرادة المحب مع إرادة محبوبه فتكون إرادته مرآة تحكي إرادة المحبوب وفي ذلك يقول الطباطبائي: (وإن المحبة الإلهية تبعثهم على أن لا يريدوا إلا ما يريده الله وينصرفوا عن المعاصي) “
وهذا كلام غير صحيح فلا جنة سوى جنة الآخرة فالدنيا هى الدنيا لا يمكن أن تتحول لجنة وحدثنا عن التوحيد بألفاظ الصوفية فقال :
“فإذا سكن الله تعالى قلب المؤمن أو أقصر المؤمن قلبه على الحق تعالى وحده ولم يسمح للأغيار من الولوج فيه، استغنى العبد عما سوى الله تعالى وأغناه الله تعالى بمعيته، وحق لذلك القلب أن يكون حرما وبيتا خالصا لله تعالى؛ (القلب حرم الله فلا تسكن في حرم الله غير الله سبحانه)
وعندئذ يكون النظر إلى الملكوت من خلال نافذة القلب، بل سيكون ذلك القلب الطاهر ملكوت صاحبه ما دام الله تعالى فيه ومستحوذا عليه، ولابد أن يكون قد اتضح لدينا أسباب عدم حصول هذا النظر القدسي للأعم الأغلب منا؛ فذلك لما للشياطين من سبح طويل وفضاء فسيح في قلوبنا؛ (لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى الملكوت) ، فصارت تلك القلوب كمحافل السوء اكتظت عندها الأخيار، (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض) ، مع أن هذه القلوب الإنسانية تفردت بأصل خلقتها وفطرتها عمن سواها من قلوب سائر المخلوقات الأخرى بصيرورتها عرشا أوحديا للرحمن جل وعلا؛ في الحديث القدسي: (قلب المؤمن عرش الرحمن) و (لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن) “
قطعا هذه الروايات لا تصح لمخالفتها كتاب الله فعرش الله ليس قلب المؤمن وعدم اتساع الكون لله مع وسع قلب المؤمن هو تشبيه لله بالخلق وأنه يحل فى الماكن وهى القلوب والسؤال كيف يكون العرش المحمول الذى تحف به الملائكة فى قلب المسلم مع قوله تعالى :
“الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم”؟
ويكرر المؤلف نفس الكلام عن العرش وقلب المؤمن فيقول:
“وإذا كان قلب المؤمن عرش الرحمن فلنا أن نفهم وجها آخر لقوله تعالى: (ثم استوى على العرش) فلا توجد فسحة أو مجال آخر ولو بقيد أنملة للأغيار، وذلك هو القلب السليم الذي أريد منا الإتيان به كما حكى عنه القرآن الكريم (إلا من أتى الله بقلب سليم) ، وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك فقال: (السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه) وقد سئل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: ما القلب السليم؟ فقال صلى الله عليه وآله: (دين بلا شك وهوى، وعمل بلا سمعة ورياء) فتلك هي آفات القلوب ومدسسات البصيرة في التراب
وعن الإمام الصادق وهو يصف لنا القلب السليم بأوجز وصف: (هو القلب الذي سلم من حب الدنيا) ، ولذلك فإن (شر العمى عمى القلوب) ، بل (إنما الأعمى أعمى القلب) وذلك تصديقا لقوله تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)”
والكلام عن كون القلب السليم الذي سلم من حب الدنيا خطأ يتعارض مع وجوب حب المسلم بمتاع الدنيا الحلال كما قال تعالى :
” قل من حرم زينة الله والطيبات من الرزق”
وهو ما فهمه العقلاء فقال:
” ولا تنس نصيبك من الدنيا”
وحدثنا الرجل بلغة الصوفية أو لغة الخصوص كما يزعمون فقال :
” فالقلب نافذة مشرعة إما تطل بصاحبها على الملكوت والساحة المقدسة الأسمائية والصفاتية إن تفرد القلب بحب الله تعالى وصفا له وتوحد به، فيبصر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإما تطل بصاحبها على تلك الصحاري المجدبة والظلمات الموحشة إن تصفحت عينا القلب وتنصتت أذناه إلى الأغيار فتكسر بذلك مصابيح القلب وتوقر أذناه روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قوله: (ما من قلب إلا وله عينان وأذنان، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين للقلب ليشاهد بهما الملكوت)
فإذا ما خلي القلب من الأغيار واختلى بمحبوبه الأوحد، سقي شرابا طهورا (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) من كأس الحب والتطهير التام عما سوى المحبوب، ويا له من شراب عذب سائغ ومن سقي لا ظمأ بعده أبدا، ومن ساق أزال كل الوسائط عن محبيه (وسقاهم ربهم) فلا واسطة ولا مسافات تحجبهم عنه، وعندئذ يتميز من كان يعبد ربه حبا وشكرا عمن كان يعبده طمعا في جنته أو خوفا من ناره، فلا يكون بينه وبين محبوبه حاجب ولا ساتر، وهذا هو معنى القرب والفوز العظيم؛ يقول الطباطبائي: (وهؤلاء هم المقربون الفائزون بقربه تعالى، إذ لا يحول بينهم وبين ربهم مما يقع عليه الحس أو يتعلق به الوهم أو تهواه النفس أو يلبسه الشيطان، فإن كل ما يتراءى لهم ليس إلا آية كاشفة عن الحق تعالى، لا حاجبا ساترا، فيفيض عليهم ربهم علم اليقين، ويكشف لهم عما عنده من الحقائق المستورة عن هذه الأعين المادية العميقة، بعدما يرفع الستر فيما بينه وبينهم )
وبذلك نكون قد عرفنا أن المعرفة الإلهية هي الأصل الأصيل المورث للحب، وأن الحب بدوره يورث الإخلاص في قلب المحب لمحبوبه فعدم الإخلاص عدم للحب، وعدم الحب عدم للمعرفة الإلهية، (بل الإنسان على نفسه بصيرة) “
والخطأ هنا كون المعرفة الإلهية هي الأصل الأصيل المورث للحب فالأصل هو المشيئة التى تريد الإيمان وأما المعرفة فقد تضر صاحبها وتولد كفرا كما فى حالة عدم العمل بالمعرفة كما فى تشبيه العارفين بالحمار الحامل للكتب دون طاعة لها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *