الانتساب لا يصنع الهداية

إنّ التأمل في قوله تعالى:

> ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 26]

يُظهر بوضوح أن الانتساب إلى الأنبياء أو الانحدار من سلالة مقدّسة لا يكفي سببًا للهداية. فالله سبحانه يبيّن أن النبوة والكتاب جُعلا في ذرية نوح وإبراهيم، أي أن تلك السلالة كانت ميدان الوحي ومهبط الرسالات، لكن مع ذلك فإن كثيرًا من أبنائها فسقوا وخرجوا عن طاعة

وهذا التعبير الإلهي يحمل دلالة دقيقة:
إنّ الاصطفاء الإلهي لا يورِّث العصمة، ولا يضمن الإيمان إلا لمن استجاب له عن وعيٍ وإخلاص. فكما قال العلّامة الطباطبائي في الميزان: إن جعل النبوة في الذرية لا يعني توريث الهداية، بل يدل على أن الله اختار من بينهم من يصلح لحمل الرسالة، أما الآخرون فحسابهم على أعمالهم.

فالقرآن ينسف بهذا المفهوم كلّ احتكارٍ دينيٍّ قائمٍ على النسب، سواء عند بني إسرائيل الذين قالوا: «نحن أبناء الله وأحباؤه»، أو عند من توهّم أن القرب من أولياء الله يمنحه النجاة بلا عمل.

إذ الهداية — في منطق القرآن — ليست في الدم ولا في الاسم، بل في الصدق العملي والاتباع الواعي. ومن هنا، فإن من ذريّة إبراهيم من اهتدى فكان كإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى ومحمدٍ صلىالله عليه وآله، ومنهم من فسق كمن حرف الكلم عن مواضعه أو كفر بعد أن رأى البينات.

فالقرآن يقرر هنا أن الكرامة الحقيقية في الاتباع لا في الانتساب، وأن الفسق ممكن حتى في بيت النبوة إذا غاب الإيمان.
الآية تدعو الإنسان إلى أن ينظر إلى الإيمان لا إلى الأصل، وإلى العمل لا إلى النسب، فكم من منتمٍ إلى بيت النبوة ضلّ، وكم من غريبٍ عنهم آمن واهتدى.
وفي ذلك درسٌ للمسلمين جميعًا:
أن القرب من الأنبياء أو الأولياء لا ينفع إلا إذا تُرجم إلى سلوكٍ يوازي هديهم.
الكاتب /مخلص ال شبيب

One thought on “الانتساب لا يصنع الهداية

  1. Janet1548 1 نوفمبر، 2025 at 8:51 صباحًا

    https://shorturl.fm/6MK5S

    رد

اترك رداً على Janet1548 إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *