الكتاب منسوب لعلى بن أبى طالب وهى محادثة طويلة بين الإمام وبين رجل شك فى كتاب الله رواها محمد بن إسحاق الكوفي الأنصاري من طريقين:
إحداهما: عن أبي معشر السعدي وقد كان أدرك عليا .
والأخرى: عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي “
وبالقطع محادثة بهذا القدر من الشكوك لا يمكن أن تكون حدثت فى عهد الإمام ككثير من الكتب التى تنسب إليه لأن ما أورده الشاك يحتاج إلى رجل من الفلاسفة أو رجال الكتب الذين عكفوا على دراسة المصحف طويلا ثم جمع كل هذه الشكوك وأتى بها الإمام وهو أمر مستبعد جدا فى تلك الفترة فلو كان الأمر يتعلق بشكين أو ثلاثة أو حتى خمسة لقلنا أن هذا امر ممكن وسهل وإنما أن تتوالى الشكوك وتتوالى الإجابات عليها فهذا امر مستبعد أو محال لأن هذه المحادثة تستغرق نحو من أربع أو خمس ساعات ووقت الإمام على مر التاريخ المروى عنه لا يمكن أن يتسع لسائل اكثر من ساعة ثم أين هى الذاكرة الحديدية التى تحفظ كلام يلقى أمامها أول مرة ولا تنسى منها حرفا لمدى ساعات ؟
والأغرب والأعجب أن يسوق الرجل الشكوك كلها مرة على مدار أربع صفحات من الكتاب وبعد ذلك يجيب الإمام بالترتيب على كل شك واحد وراء الأخر ولا ينسى واحد منها وهو كلام غير ممكن
قطعا كل هذا غير عن نطاق المعقول من ناحية إعداد وأعداد الشكوك ومن ناحية حفظ الرواية لكل هذا دون أن يسقط حرفا
إذا الكتاب منحول على الإمام ويبدو أن أحدهم ألفه فى عصر متقدم فيما بعد ونسبه إلى الإمام والآن لقراءة الكتاب :
“قال: أتى رجل عليا فقال: يا أمير المؤمنين إني شككت في كتاب الله المنزل!!
فقال له علي : ويحك هات ما شككت فيه! )
فقال: وأجد الله يقول: { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا }
ويقول عن مقالتهم: { قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } أفصواب ذلك؟ ويقول: { يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا } ويقول: { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } ويقول: { لا تختصموا لدي } ويقول: { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } ( فمرة يتكلمون ومرة لا يتكلمون ، ومرة تنطق الجلود والأيدي والأرجل ، ومرة لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا!! ومرة يقول عن مقالتهم: { والله ربنا ما كنا مشركين} فمرة يختصمون ، ومرة لا يختصمون ، فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!
فقال له علي : هات ويحك ما شككت فيه )
قال: وأجد الله يقول: { وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة } ، ويقول: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } ويقول: { ولقد رآه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى ، عندها جنة المأوى } ويقول: { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما } ، ( ومن أدركته الأبصار أحاطت به علما ، فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!
قال: وأجد الله يقول: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم } وقال: { وكلم الله موسى تكليما } وقال: { وإذ نادى ربك موسى } وقال: { وناداهما ربهما } ، وقال: { يا أيها النبي } ، { يا أيها الرسول } { ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } و{ يا إبليس ما منعك أن تسجد } فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!
فقال له علي: هات ويحك ما شككت فيه!
قال: وأجد الله يقول: { هل تعلم له سميا } وسمى الإنسان سميعا بصيرا ، وملكا وربا ، فمرة يقول: ليس له سمي ، ومرة يقول: أسماء كثيرة غير واحدة ، فأي ذلك يا أمير المؤمنين تقول؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!
فقال له علي : هات ويحك ما شككت فيه!
قال: وأجد الله يقول: { لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض } ويقول: { ولا ينظر إليهم } ويقول { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون }، ( فمرة ينظر ، ومرة لا ينظر إليهم ، ومن لا ينظر الله إليه عزب عنه ، ومن حجب عنه عزب عنه ، فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!
فقال له علي: هات ويحك ما شككت فيه!
قال: وأجد الله يقول: { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض } وقال: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن ?} وقال: { وهو معكم أين ما كنتم } وقال: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } وقال: { ونحن أقرب إليه منكم } ، وقال: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا } وقال: { إن ربك لبالمرصاد } وقال: { إن ربي على صراط مستقيم فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!
فقال له: سبوحا قدوسا تبارك وتعالى ، هات ويحك ما شككت فيه!
قال: وأجد الله يقول: { وجاء ربك والملك صفا صفا } ، وقال: { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } وقال: { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربكيوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل } ، يقول مرة: { وجاء ربك } ومرة يقول: { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } ، ومرة { يأتي ربك } ومرة { يأتي بعض آيات ربك } فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!
فقال له علي : سبوحا قدوسا ربنا تبارك وتعالى وتقدس! هات ويحك ما شككت فيه!قال: وأجد الله يقول: { بل هم بلقاء ربهم كافرون } وذكر أمر المؤمنين فقال: { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون } ويقول: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } ويقول: { ولا يحيطون به علما } وقال في المنافقين: ) { فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه } وقال: و { من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت } ( فيقول مرة: { يلقونه } ومرة { يلقونه }، { لا تدركه الأبصار } ، ومرة { ولا يحيطون به علما } فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!فقال له علي : سبوحا قدوسا ربنا تبارك وتعالى وتقدس!! هات ويحك أيضا ما شككت فيه قال: وأجد الله يقول: { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها }) وقال: { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين } وقال: { وتظنون بالله الظنونا }فمرة يظنون ومرة يعلمون ، والظن الشك ، فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!
فقال له علي: هات ويحك ما شكت فيه.
قال: وأجد الله يقول: ) { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } ويقول: { وأما من خفت موازينه } ( وقال: { فأما من ثقلت موازينه } وقال: { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } وقال: { فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب }فمرة تقام الموازين ، ومرة لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا ، ومرة يحاسبون ومرة لا يحاسبون ، فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!
فقال له علي: هات ويحك أيضا ما شككت فيه.
قال: وأجد الله يقول: { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } ، وقال: { الله يتوفى الأنفس حين موتها }، وقال: { الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } وقال: { توفته رسلنا وهم لا يفرطون } وقال: { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } فمرة يقول: { يتوفاكم ملك الموت } ومرة يقول: { الله يتوفى الأنفس حين موتها } ومرة يقول: { توفته رسلنا وهم لا يفرطون } وقال: { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } ، ومرة يقول: { الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } ، فأي ذلك يا أمير المؤمنين.؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟ فقد هلكت إن لم يرحمني ربي!! ويشرح لي في صدري بما عسى أن يجريه على يديك ، فإن لم يكن ذلك وكان الرب حقا والكتاب والرسل حقا ، لقد خبت وخسرت ، وإن يكن الكتاب باطلا! والرسل باطلا ، وما وعدوا وأوعدوا فما علي من بأس فقد نجوت!!فقال علي: هات ويحك ما شككت فيه.قال: حسبي ما ذكرت لك فإن يكن عندك علم فهاته ، لعل الله يرزقني علي يديك خيرا ، وإن يكن سوى ذلك فما من رب ولا رسول ولا ثواب ولا عقاب!!
[جوابات أمير المؤمنين ]
فقال له علي : سبوحا قدوسا ربنا تبارك وتقدس!! ونشهد أنه الحق الدائم الذي لا شريك له ، ولا شيء مثله ، وأن الكتاب والرسل حق ، والثواب والعقاب حق ، ولكنا سنعلمك ما شككت فيه ، ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله على محمد وعلى النبيئين ورحمة الله )
أما قوله عز وجل: { نسوا الله فنسيهم } فإنما يعني بالنسيان: أنهم نسوا الله في دار الدنيا ، فلم يعملوا له بالطاعة ، ولم يؤمنوا به وبرسوله ، فنسيهم في الآخرة ، فلم يجعل لهم في ثوابه نصيبا ، فصاروا منسيين من الخير ، فكذلك تفسير قوله: { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } يعني: لا يثيبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا ذاكرين ، حين آمنوا به وبرسوله ، وخافوه بالغيب ، وآثروه ورسوله.
وأما قوله تعالى: { وما كان ربك نسيا } فليس بالذي ينسى ، ولا يغفل تبارك وتعالى وتقدس!! وهو الحفيظ العليم ، { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } وقد تقول العرب في بعض النسيان للملك والسيد: نسيتنا فلا تذكرنا ، يعنون أنه لا يأتينا منك خير.
( أفهمت ما ذكرت لك؟!قال: نعم فرجت عني غما ، وكشفت عني بعض ما بي ، وحللت بي عقدة ، فكشف الله همك ، وأعظم أجرك يا أمير المؤمنين ) “
هذا الشك لم يسأل عنه الشاك ولم يرد فى أى سؤال من أسئلته والشك الأول كان هو التالى:
قال: وأما قوله تعالى: { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } ، وقوله حيث استنطقوا: { والله ربنا ما كنا مشركين } وقوله: و { يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا } وقوله: { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } وقوله: { لا تختصموا لدي } ، وقوله: { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } فإن ذلك ليس في موطن واحد ، بل في مواطن في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة مما يعدون ، ( فيجمع الله الخلائق في ذلك اليوم في موطن فيتعارفون فيه ، ويكلم بعضهم بعضا ، ويستغفر بعضهم لبعض ، أولئك الذين بدت منهم الطاعة من الرسل والأتباع ، وتعاونوا على البر والتقوى في دار الدنيا ، ويلعن أهل المعاصي بعضهم بعضا ، الذين بدت منهم المعاصي ، وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا ، المستكبرين والمستضعفين يلعن بعضهم بعضا ، ويكفر بعضهم ببعض ) والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول: تبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها قول إبراهيم (ص) ، حيث قال لأبيه وقومه: { كفرنا بكم } يقول: تبرأنا منكم ، ونظيرها قول الشيطان حين قال لما قضي الأمر: { إني كفرت بما أشركتمون من قبل } يقول: برئت مما أشركتموني من قبل ثم يجمعون في مواطن أخرى يفر بعضهم من بعض ، ( لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر وعظيم البلاء ) فذلك قوله عز وجل: { يوم يفر المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ?} ، ( أن تعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا ، { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } ثم يجمعون في موطن يبكون فيه ، فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معاشهم ، ولتصدعت الجبال إلا ما شاء الله ، ولا يزالون كذلك حتى يبكون الدم )
ثم يجمعون في موطن يستنطقون فيه فيقولون: { والله ربنا ما كنا مشركين} ولا يقرون بما عملوا ، فيختم الله على أفواههم ، وتستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية بدت منهم ، ثم يرفع الخاتم عن ألسنتهم فينطقون ، فيقولون لجلودهم وأيديهم وأرجلهم: لم شهدتم علينا؟! فتنطق فتقول: { أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء }
ثم يجمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلائق ، فلا يتكلم أحد { إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } ، فيقام الرسل (ص) فتسأل ، فذلك قوله لمحمد (ص){ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }، والشهداء هم الرسل على محمد وآله وعلى الرسل السلام ثم يجمعون في موطن يكون فيه مقام محمد المحمود ، فيقوم فيثني على ربه جل ثناؤه ، وتباركت أسماؤه ، وحسن بلاؤه ، ما لم يثن أحد قبله ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا غير مرسل ، ولا يثني أحد مثله بعده بمثله ثم يثني على ملائكة الله ، ولا يبقى ملك مقرب إلا أثنى عليه محمد ما لم يثن عليه أحد قبله ولا يثني عليه أحد بعده بمثله ثم يبدأ بالصديقين والشهداء ، ثم الصالحين ، فيحمده أهل السماء والأرض ، فذلك قوله عز وجل لمحمد (ص): { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } فطوبى لمن كان له في ذلك اليوم حظ ونصيب!! وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم حظ ولا نصيب!!ثم يجمعون في موطن يجتمعون فيه ، ويدان لبعض الخلق من بعض وهو القصاص ، وذلك قبل الحساب ، فإذا أخذوا للحساب شغل كل بما لديه ، فنسأل الله بركة ذلك اليوم.
أفهمت ما ذكرت لك؟!قال: نعم ، فرجت عني غما ، فرج الله عنك كل هم وغم ، وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.”
الإجابة هنا فيها أخطاء
الأول أن الشهداء هم الرسل(ص) فقط وهو ما يناقض كون المسلمين شهداء كما قال تعالى “
“وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” فمسمو كل أمة شهداء على كفارها
الثانى وجود نبى ونبى غير مرسل وهو ما يخالف كون النبيين0ص) كلهم مرسلون أى مبعوثون كما قال تعالى :
“كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه”
الثالث أن المقام المحمود هو خطابة النبى(ص) يوم القيامة بالثناؤ على الله والملائكة وهو ما يناقض أن المقام المحمود هو الجنة التى وعدها الله إياه
ثم حدثنا عن الشبهة الثانية فقال :
( قال: وأما قوله: { وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة } ، وقوله: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } ، وقوله: { ولقد رآه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى ، عندها جنة المأوى } ، وقوله: { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } ، وقوله: { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما}.
أما قوله: { وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة }، فإن ذلك في موطن ينتهى بأولياء الله إلى نهر يقال له: الحيوان ، بعد ما يفرغ من الحساب ، فيغتسلون فيه ويشربون منه ، فتنضر وجوههم وهو الإشراق ، ويذهب عنهم كل قذى ، فينظرون إلى ربهم متى يأذن لهم في دخول الجنة ، ومنه يدخلون الجنة ، وذلك قول الله حين أخبر عن تسليم الملائكة حيث يستقبلونهم في ذلك الموطن: { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } ، حيث يذهب عنهم كل قذى ، وأيقنوا بالجنة ، ( ولا يعني بالنظر الرؤية ، لأن الأبصار لا تدركه وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ، وذلك مدحة امتدح بها ربنا تبارك وتعالى وتقدس ، فأحق من لا تنقطع مدحته في الدنيا ولا في الآخرة الله رب العالمين.
وقد قال موسى نبي الله (ص): { رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني } فأبدى ربنا تبارك وتعالى وتقدس بعض آياته فتقطع الجبل وصار رميما ، وخر موسى صعقا ، يعني: ميتا ، فتاب وأحياه الله ، ومنه: { سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين } بأنك لا ترى ، وإنما يعني بقوله: { أول المؤمنين } من أمته وقد سأل قوم موسى فقالوا: { أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة } ، ومن سأله أو ظنه ظنا فخرج من الدنيا على ذلك فقد برئ من دين الله ، إن الله تبارك وتعالى وتقدس لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ولا ينبغي أن تنقطع مدحته وكذلك لا تأخذه سنة ولا نوم ، وكذلك قال: { يطعم ولا يطعم } ، وكذلك قال: { ما اتخذ صاحبة ولا ولدا } ، وقال: { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل } مع ما ذكر من مدحته ، ولا يسع أحدا أن يشك في مدحته في الدنيا والآخرة )
وأما قوله: { ولقد رآه نزلة أخرى } ، فإنما يعني محمدا (ص) أنه رأى جبريل عند سدرة المنتهى ، التي لا يجاوزها خلق من خلق الله ، فرأى محمد (ص) جبريل(ص) في صورته هذه المرة وقبلها مرة أخرى ، فذلك قوله سبحانه: { ولقد رآه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى } ، وقد أعلم في آخر الآية أنه رأى غير ربه حيث يقول: { ما زاغ البصر وما طغى ، لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ، وذلك أن خلق جبريل آية عظيمة ، هو من الروحانيين الذين لا يعلم خلقهم وصورهم إلا الله رب العالمين.
” والإجابة فيها عدة أخطاء :
الأول وجود نهر الحيوان الذى ينضر وجود المسلمين وهو ما يخالف أن الحيوان هو الدار الأخرى أى الجنة كما قال سبحانه” وإن الدار الاخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون” كما أن فى كل جنة من الجنان عينان كما أخبرنا الله فى قوله ” فيهما عينان تجريان” ومن لا يوجد نهر واحد وإنما أنهار كثيرة العدد
الثانى القول ” إن الله تبارك وتعالى وتقدس لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ولا ينبغي أن تنقطع مدحته وكذلك لا تأخذه سنة ولا نوم ، وكذلك قال: { يطعم ولا يطعم } ، وكذلك قال: { ما اتخذ صاحبة ولا ولدا } ، وقال: { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل } مع ما ذكر من مدحته ، ولا يسع أحدا أن يشك في مدحته في الدنيا والآخرة )” ليس فيه إجابة على ما قاله الشاك لأن الرد كان عن بعض ما يسمونه صفات الله ولم يتحدث عن تفسير الإدراك ولا الأبصار
الثالث القول أن خلق جبريل آية عظيمة ، هو من الروحانيين الذين لا يعلم خلقهم وصورهم إلا الله وهو ما يخالف أن الله حدد خلقة الملائكة تحديدا فقال ” جاعل الملائكة أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع” ثم كيف يقول أنه لا يحيط بجسك وهو خلقة جبريل (ص) إلا الله وحده وقد رآه النبى(ص) مرتين كما قال الكتاب” فإنما يعني محمدا (ص) أنه رأى جبريل عند سدرة المنتهى ، التي لا يجاوزها خلق من خلق الله ، فرأى محمد (ص) جبريل(ص) في صورته هذه المرة وقبلها مرة أخرى”
ثم تناول شكا أخر فقال :
( وأما قوله: { لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } ، وقوله: { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما } فأما ما بين أيديهم فأمر الآخرة ، وأما ما خلفهم فأمر الدنيا ، { ولا يحيطون به ? فلا تحيط الخلائق بالله علما ، هيهات هيهات!! جعل على أبصار القلوب عن ذلك الغطاء ، فلا وهم يناله ، ولا قلب ينعته ، ولا يخطر على بال ، ولا يعرف إلا بالآيات والسلطان ، والقدرة والجلال والعظمة ، كما وصف نفسه في القرآن { ليس كمثله شيء } و { لا تدركه الأبصار } { الأول والآخر والظاهر والباطن } { الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى }خلق الأشياء كلها ، فليس شيء من الأشياء إلا له تبارك وتعالى وتقدس ، أفهمت ما ذكرت لك؟قال: نعم ، فرجت عني فرج الله عنك كل غم ، وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين”
والخطأ فى الكلام هو تفسير ما بين أيديهم وما خلفهم فهو كما فسره قوله تعالى للملائكة:
“والله يعلم ما تبدون وما تكتمون”
وحدثنا عن الشك التالى فقال:
“قال: وأما قوله: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء }
، وقوله: { وكلم الله موسى تكليما } ، وقوله: { وناداهما ربهما } ، وقوله: { وإذ نادى ربك موسى وقوله: { يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } ، وقوله: { يا أيها النبي } { يا أيها الرسول } و { يا إبليس ما منعك أن تسجد }
أما قوله: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } فهو كما قال الله ، وليس بكائن وراء حجاب ، وقد يرسل الرسول بوحي منه إلى رسل السماء ، فتبلغ رسل السماء رسل الأرض ، فيتفهمه رسل الأرض من دون مشافهة رسل السماء ، وقد يخلق الكلام بينه وبين رسل السماء من غير مشافهة رسل السماء لأحد من خلقه ، وقد قال نبي الله (ص) لجبريل : (( كيف تأخذ الوحي من رب العالمين؟قال: آخذه من إسرافيل قال النبي (ص): من أين يأخذ إسرافيل؟قال: يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين فقال له النبي (ص): من أين يأخذه ذلك الملك؟فقال: يقذف في قلبه قذفا )) فهو كلام الله فكيف ما وصفت لك من كلام الله فإن كلام الله ليس بنحو واحد ، ( ولا يجري على نحو واحد منه ما يجيء في المنام ، وذلك قول إبراهيم حيث قال: { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى }
ومنه ما قال الله تبارك وتعالى: { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون } ومنه ما قاله الله لمحمد أيضا: { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة “ومنه ما يبلغ رسل السماء رسل الأرض ومنه ما يقذف في قلب الملك قذفا ، وذلك ما قال جبريل لنبي الله (ص) ، وما قذف الله في قلب الملك الذي فوق اسرافيل ، أفهمت ما ذكرت لك؟
قال: نعم ، فرجت عني غما!! فرج الله عنك كل غم يا أمير المؤمنين.”
والإجابة مخالفة لكلام الله فليس فى القرآن ملك اسمه إسرافيل ولا يوجد ملك للوحى سوى جبريل(ص) كما قال تعالى :
“وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربى مبين وإنه لفى زبر الأولين”
وقد بين الله أن كلام رسول واحد فقال” إنه لقول رسول كريم ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم أمين”
ثم قال فى الشك التالى:
“وأما قوله: { هل تعلم له سميا } فلا سمي له يعني لا مثل له ، فإياك أن تقيس شيئا من كتاب الله برأيك حتى تسأل عنه المحقين من العلماء ، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر وفعل البشر ، وتأويله لا يشبه كلام البشر ولا فعل البشر ، كما أنه ليس كمثله شيء من خلقه ، كذلك لا شيء يشبه من فعله ولا كلامه ، أفاعيل البشر ولا كلامه أفهمت ما ذكرت؟قال: نعم.”
ثم قال فى الشك بعده:
وأما قوله: { لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض } وقوله لأهل النار: { ولا ينظر إليهم }فكذلك ، وكيف يعزب عن من خلق … { وهو اللطيف الخبير } وهو الشاهد لكل شيء تبارك وتعالى وتقدس وأما قوله: { ولا ينظر إليهم } فإنما يعني بذلك: لا يرحمهم ولا ينظر إليهم بخير ، تقول العرب للرجل البر أو الملك: والله ما تنظر إلينا ، يعنون: أنك لا تصيبنا بخير ، فكذلك النظر من الله إلى خلقه في هاتين الآيتين ثواب أو عقاب ، أفهمت ما ذكرت لك؟قال: نعم وأما قوله: { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } ، فإنما يعني: أنهم عن ثواب ربهم وكرامته محرومون.”
ثم قال :
“( وأما قوله: { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض } ، وقوله: { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } وقوله: { وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم }وقوله: { والظاهر والباطن } ، وقوله: { الرحمن على العرش استوى } ، وقوله: { وهو معكم أين ما كنتم } وقوله: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة } وقوله: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } وقوله: { إن ربك لبالمرصاد }
وقوله: { إن ربي على صراط مستقيم }، فكذلك الله تبارك وتعالى وتقدس!! من غير أن يكون ما سمى من كينونيته في خلقه ومع خلقه وعلى خلقه ، يجري ذلك منه على نحو ما يجري من المخلوقين ، وهو اللطيف وأعظم وأجل وأكبر من أن ينزل به شيء مما ينزل بخلقه ، هو الشاهد لكل شيء ، والوكيل على كل شيء ، والمنشئ لكل شيء ، والمدبر للأشياء كلها بلا علاج ولا تفكر ، ولا حدث عليه ولا مؤنة تعينه سبحانه وبحمده ، تبارك وتعالى وتقدس فإذا جال شيء في صدرك من عظمة الله مما في القرآن من كينونته في الخلق ومع الخلق وفوق الخلق وعلى الخلق ، وتفكر في ديمومة الله وعظمته ، ووسوست نفسك بشيء ، فقل: لا إله إلا الله ، فإن ذلك من وساوس الشيطان ، وتفكر في ديمومة الله قبل أن يخلق خلقا سماء ولا أرضا ، ولا عرشا ولا هواء ، ولا شيئا من السماء والأرض ، فتبصر أنه الدائم الذي لا إحصاء لديمومته وليس مع شيء ، وذلك أنه الأول ، ابتدأ الأشياء لا من شيء ، فكذلك الله فعند ما خلق من الخلق كذا كان قبل أن يخلق الخلق ، ولم يتحول ولا يتحول ولا يأفل مع الآفلين ، فلا تجري عليه زيادة ولا نقصان ، ولا يدرك ولا يعرف إلا بالديمومة ، والآيات والسلطان والقدرة دائما سرمدا أبدا ، لا إحصاء لديمومته تبارك وتعالى وتقدس ولا يزال ابتدأ خلقه على غير مثال ، وذلك أنه الأول فلا شيء معه ، وخلق الأشياء لا من شيء وأما قوله: { إن ربك لبالمرصاد } ، فإنما يعني: أن ربك قادر أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم ، وهو فاعل ذلك ، وقد تقول العرب للعبد أولمن يأمرونه فيستعصي: إنا لك بالمرصاد ، يعنون: أنا قادرون على جزائك ، ونحن فاعلون ذلك.وأما قوله: { إن ربي على صراط مستقيم } ، فإنما يعني: أنه حق ، يجزي بالإحسان إحسانا وبالسيء سيئا ، ويغفر لمن يشاء سبحانه وتعالى وتقدس ، أفهمت ما ذكرت لك؟
قال: نعم.”
الإجابة هنا لم تفلح فى الرد والرد هو معنى “أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض } هو أمنتم رب من فى السماء وقوله: { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } معناه وهو إله من فى السماء وإله من فى الأرض وقوله: { وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم }فمعنا وهو الله رب من فى السموات ومن فى الأ{ض وقوله: { والظاهر والباطن } ومعناه المظهر للأشياء والمخفى لها وقوله: { الرحمن على العرش استوى } يعنى الله للكون ملك وقوله: { وهو معكم أين ما كنتم }فمعناه وهو علمه شامل لآين مكان تكونون فيه وقوله: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة } فالمعنى أن من يسجلون أعمال الناس موجودون وقد نسبهم لنفسه باعتباره خالقهم فيهم وقوله: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد }يعنى رسله يسجلون ما تقوله كل نفسه ونيبهم لنفسه باعتباره خالقهم
ثم انتقل للشك التالى فقال:
“وأما قوله: { وجاء ربك والملك صفا صفا } ، وقوله: { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } ، وقوله: { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } ، وقوله: { إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك } ، فذلك حق كما قال الله سبحانه ، وليس جيئته كجيئة الخلق ، وقد أعلمتك أنه رب شيء من كتاب الله تأويله غير تنزيله ، ولا يشبه تأويله كلام البشر ، ولا فعل البشر ، وسأنبئك بطرف منه تكتفي به إن شاء الله تعالى ، من قول إبراهيم حين قال: { إني ذاهب إلى ربي سيهدين } ، فذهابه إلى ربه: توجهه وعبادته واجتهاده وفراره إلى ربه ، إلا أن تأويله غير تنزيله ، وقال: { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } وقال: { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } ، فسماه إنزالا ، وإنزاله الأنعام خلقه إياها ، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله.
وقال موسى (ص)حين سقى لابنتي شعيب ، قال الله: { فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } لما رزقتني من خير فقير )
وأما قوله: { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك } ، فإنما يخبر محمدا (ص) عن المنافقين والمشركين الذين لم يستجيبوا لله وللرسول ، فقال: { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } حين لم يستجيبوا لي ولرسولي ، { أو يأتي ربك } معنى إتيانه: العذاب في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى ، فهذا خبر يخبر نبيه ، ثم قال: { أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل } أن تجيء هذه الآيات ، وذلك قبل طلوع الشمس من المغرب ، ( وإنما يكتفي ذووا الألباب والحجج ، أو أولوا النهى أن يعلموا من قول الله: {وجاء ربك } ، { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } أنه يكشف الغطاء ، فترى ما وعدوا وأوعدوا )
وقال في آية أخرى: { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } ، يعني بذلك: أنه أرسل عليهم عذابا ، فذلك إتيانه إياهم ، وقال: { فأتى الله بنيانهم من القواعد } فإتيانه البنيان من القواعد: إرساله العذاب عليهم.
( وقد قال فيما أنزل: { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } ، يعني بذلك ما يهلك من القرون ، وكذلك ما وصف من أمر الآخرة ، تبارك وتعالى وتقدس ، وتجري أموره في ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ، كما تجري أموره في الدنيا ، لا يتعب ولا ينصب ولا يأفل مع الآفلين ، فاكتف بما وصفت لك من ذلك ، مما تجيل في صدرك مما أنزل الله في كتابه ، وتسمى به من أفاعليه.
واعلم أن تأويل أفاعيله غير ما وجه لفعل البشر ، لأنه لا ينزل به ما ينزل بالبشر ، أفهمت جميع ما ذكرت لك من جميع ما في كتاب الله ، مما تنزيله على نحو من كلام البشر؟ هو أعظم وأجل وأعز وأكبر ، جل ثناؤه من أن يكون كذلك وتعالى وتقدس.
وقال: { قاتلهم الله أنى يؤفكون } يقول: لعنهم الله ، فسمى اللعنة: قتالا ، وقال: { قتل الإنسان ما أكفره } يقول: لعن الإنسان ما أقل شكره!! وقال لنبيئه (ص): { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }، فسمى فعل النبي وفعل المؤمنين: فعلا منه ، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله ) “
والخطأ فى الفقرة السابقة هو القول ( وقد قال فيما أنزل: { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } يعني بذلك ما يهلك من القرون والله لم يقصد الناس وإنما قصد أن الأرض مستديرة كروية منقوصة ألأطراف كالكرة
ثم قال:
“وقال: { بل هم بلقاء ربهم كافرون } ، وذكر المؤمنين فقال: { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون } ، وقال للمنافقين: { فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه } وقال: { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }
أما قوله: { بل هم بلقاء ربهم كافرون } يقول: هم بالبعث كافرون ، فسماه: لقاءا ، وكذلك ذكر المؤمنين فقال: { يظنون أنهم ملاقو ربهم } ، يقول: يوقنون أنهم مبعوثون ، والظن منهم يقين ، وكذلك { فمن كان يرجو لقاء ربه } ، يقول: من كان يوقن أنه مبعوث ، ومحاسب ومجزي ، فليعمل عملا صالحا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ، وقال: { من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم }، يقول: من كان يوقن أنه مبعوث وإنما وعد وأوعد جاء عن الثواب والعقاب ، فسمى اللقاء: أجلا ، ولو كان إلى ما ذهب وهمك من لقاء ربه ، فكان يكون { فمن كان يرجو لقاء ربه } ، والذين { هم بلقاء ربهم كافرون } ، بلفظ الرؤية ، وليس كذلك ، فاللقاء: الرؤية ، واللقاء: البعث ، ولا يعني به الرؤية ، لأن الأبصار لا تدركه ، وكذلك { إلى يوم يلقونه } يعني: المنافقين ، يقول: لا يزال النفاق في قلوبهم إلى يوم يبعثون ، ( أفهمت ما ذكرت لك؟!
قال: نعم.”
والإجابة هنا صحيحة ثم قال :
“قال: وأما قوله: { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها } وقوله عمن أوتي كتابه بيمينه: { إني ظننت أني ملاق حسابيه } وقوله: { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين } وقوله للمنافقين: { وتظنون بالله الظنونا }
أما قوله: { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها } ، فإنما يعني بالظن: اليقين ، يقول: إنهم أدخلوها.
وأما قوله عمن أوتي كتابه بيمينه: { إني ظننت أني ملاق حسابيه } ، يقول: إني أيقنت.
وأما قوله: { وتظنون بالله الظنونا } ، فليس ذلك الظن باليقين ، ولكنه شك ، والظن ظنان:ظن يقين وظن شك فما كان في كتاب الله من ذكر الظن في أمر المعاد فهو يقين ، وما ذكر في أمر الدنيا فهو شك ، ( وذلك لو كان إلى ما ذهب إليه وهمك لا يكون مؤمنا ، وذلك لأن ما ذكر الله من الظن الذي سماه من المؤمنين في باب الآخرة لا يكون شكا ، لأن من شك في شيء من الأشياء في كتاب الله المنزل كان مشركا ، أفهمت ما ذكرت لك من أمر الظن في الدنيا والآخرة؟قال: نعم )
ثم قال ك
“قال: وأما قوله: { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } ، فهو العدل تؤخذ به الخلائق ، ويدين الله الخلق بعضهم من بعض ، ويجزيهم بأعمالهم ، والدين هاهنا: قصاص.
وأما قوله لأهل الجنة: { فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب } ، فإن نبي الله (ص) قال: (( حقت مودتي لمن تزاور في الله ، وتحآب في الله ، وتباذل في الله ، المتحابون في الله وجوههم من نور ، على منابر من نور ، عليهم ثياب من نور ، قيل: من هؤلاء؟قال: ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، ولكنهم قوم تحآبوا بجلال الله في الله على طاعة الله ، في دار الدنيا إذا عصي الله في دار الدنيا ، لا يزالون جلوسا على تل حتى يفرغ من الحساب ، ويدخلون الجنة لا يحاسبون )).”
الخطأ كون المتحابون هم من يدخلون الجنة بغير حساب وهو ما يناقض أن الكارهين الغالين يدخلون الجنة من المسلمين دون حساب لقوله تعالى “ونزعنا ما فى صدورهم من غل أخوانا على سرر متقابلين”كما أن كل المسلمين مبعدجين النار لا يدخلونها كما قال تعالى :
“إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذى كنتم توعدون”
وقد سماهم الصابرين فقال “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”
ثم قال :
“قال: وأما قوله: { وأما من خفت موازينه } و { فأما من ثقلت موازينه } ، فإنما يعني بذلك: قلة الحساب في الموازين وكثرتها ، أفهمت ما ذكرت لك؟قال: نعم قال: وقوله: { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } وقوله: { الله يتوفى الأنفس حين موتها } وقوله: { توفته رسلنا وهم لا يفرطون } وقوله: { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } وقوله: { تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } ، فإن الله تبارك وتعالى وتقدس يدبر الأمور كيف يشاء ، ويوكل من خلقه ما يشاء بمن يشاء.
وأما قوله: { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } ، فإن الله وكله بخاصة من خلقه وملائكة معه.
وأما قوله: { ثم إلى ربكم ترجعون } فإنما يعني به: أنهم ينشرون من بعد الموت ، فسمى النشور: رجعة ، وكذلك قال: { إلى ربهم يحشرون } يقول: ينشرون من بعد الموت ، فسمى النشور: رجعة.
وأما قوله: { الله يتوفى الأنفس حين موتها } ، فكذلك الله يتوفى الأنفس كيف يشاء ، على يدي من يشاء من خلقه.
وأما قوله: { توفته رسلنا وهم لا يفرطون } فإن الله وكلهم بخاصة من خلقه ، والملائكة الذين ذكر الله: تتوفاهم طيبين ، والملائكة الذين ذكرهم الله تتوفهم ظالمي أنفسهم ، وكلهم بخاصة من خلقه تبارك وتعالى وتقدس ، وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفشيه إلى كل الناس ، منه ما يطاق حمله ، ومنه ما لا يطاق حمله ، إلا من رزقه الله تعالى إطاقته من خاصة أوليائه ، وإنما يكفيك وجميع المؤمنين أن تعلموا أن الله تبارك وتعالى وتقدس ، المميت المحيي ، فإنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه وملائكته أو غيرهم ، بغير علاج منه تبارك وتعالى وتقدس ، أفهمت ما ذكرت لك؟
قال: نعم ، فرجت عني كل غم ، فرج الله عنك كل غم ، وكشف عنك كل هم ، كما كشفت عني ما كان بي من الغم ، وذلك من الله وحده”
والإجابة فيما سبق غير مقنعة فالله يفعل الفعل وينسبه لمن أوكله إليه عمله كملم الموت وهو نفس ملائكة الموت وينسبه لنفسه باعتباره خالق الموت وخالق من يعمله كما قال إبراهيم(ص)”والله خلقكم وما تعملون”