نقد كتاب الزم رجلها فثم الجنة

المؤلف صالح بن راشد الهويمل وهو يدور الإحسان للوالدين وعقوقهما وفى هذا قال فى المقدمة:
“وبعد فيا بني: إن حق الوالدين عظيم عند الله، ولذلك قرن الله عز وجل عبادته ببر الوالدين، يقول الله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} وقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} وقال تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} ولعظم مكانتهما أمرنا الله بالإحسان إليهما ومصاحبتهما بالمعروف حتى مع كفرهما، بل وهما يجاهدانك على أن تشرك بالله ما ليس لك به علم، قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}
ولعظم شأنهما قدم الرسول (ص)برهما على الجهاد في سبيل الله، فعن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله (ص)أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة في وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» [متفق عليه].”
الحديث لا يتفق مع القرآن فى جعل الصلاة وبر الوالدين أفضل من الجهاد فالجهاد هو أفضل العمل كما قال تعالى :
” فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة”
وتحدث الهويمل عن فوائد بر الوالدين فقال:
“بعض ثمرات بر الوالدين:
يا بني: إن من ثمرات بر الوالدين في الدنيا تفريج الكرب، وذهاب الهموم والأحزان، فقد جاء في قصة الثلاثة الذين آواهم الغار عن المطر، ثم انغلق عليهم بصخرة فدعوا الله بصالح أعمالهم، فكان أحدهم قد بر بوالديه، فدعا الله عز وجل بهذا العمل الصالح، فكان سببا في تفريج كربتهم، ففي هذه الحادث يوقن المؤمن أن إرضاء والديه سبب في حلول الفرج”
الحكاية المروية فى الحديث وربطها بتفريج الكرب ليست فى كل الأحوال فهى حسبما شاء فى القدر ثم تحدث عن فائدة الآخرة فقال :
أما ثمرة الآخرة فهي جنة عرضها السماوات والأرض بعد رحمة الله، فعن معاوية بن جاهمة كنت مع النبي (ص)أستشيره في الجهاد، فقال النبي (ص)«ألك والدان؟» قلت: نعم، قال: «الزمهما فإن الجنة تحت رجلهما» [صحيح الترغيب والترهيب].”
الهويمل يقول أن الجنة عرضهما السموات وألأرض بينما الرواية تقول أن الجنة فى الأرض تحت أقدام الوالدين والرواية لا تصح لأن الجنة الموعودة حاليا فى السماء كما قال تعالى :
“وفى السماء رزقكم وما توعدون”
وقال فى رحلة المعراج السماوية :
“عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى”
وتحدث عن أعظم البر فقال :
“أعظم البر:
ثم اعلم أن من البر دعوة الوالدين إلى الإسلام، أو دعوتهم إلى طاعة الله وترك المعصية، بل إنه من أعظم البر؛ لأن فيه النجاة من عذاب الله، ولكن يجب أن تكون الدعوة لهم برفق ولين كما ذكر الله عن إبراهيم – عليه السلام -.
قال تعالى: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم ياتك فاتبعني أهدك صراطا سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا}
فتفكر يا بني في أسلوب النداء المصدر بالاحترام مع أن الأب مشرك بالله.
يا بني: اعلم أنه يندرج تحت هذا الأسلوب أن تحاول جاهدا إقناع والديك بإخراج جهاز التقاط القنوات الفضائية، فإن في إخراجه برا بوالديك بل لجميع أسرتك، فلا تيأس أو تحتقر نفسك فلربما يكون صلاح الأسرة بيدك، ولكن بأسلوب حسن محبب إلى النفوس؛ لتلقى بذلك استجابة من الوالدين، بل من جميع أسرتك.”
وقطعا كما سبق القول الجهاد هو أفضل البر وهو العمل وأما هداية الوالدين للإسلام فهذا عمل صالح وهو من ضمن قوله تعالى:
” وصاحبهما فى الدنيا معروفا”
وتحدث عن استمرارية الإحسان فقال :
“مواصلة البر:
ثم اعلم يا بني أن البر لا ينقطع عن الوالدين حتى بعد موتهما، فعن مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما أنا جالس عند رسول الله (ص)إذ جاءه رجل من الأنصار، قال: يا رسول الله، هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: «نعم، خصال أربع: الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما».”
الرواية ناقصة لم يقلها النبى(ص) لأنها تناست اكرام جيرانهما وسداد ديونهم وأمور أخرى ثم قال :
“ولذلك يرفع الله الدرجات للوالدين في الجنة بسبب استغفار الولد لهما، فعن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال: «إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك».”
الرواية تناقض كتاب الله فالجنة درجتين العليا للمجاهدين والأخرى للقاعدين عن الجهاد كما قال تعالى :
” فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة”
وقال :
” ومن دونهما جنتان”
وتحدث محذرا من عقوق الوالدين فقال :
“التحذير من عقوق الوالدين:
يا بني: وكما أن المولى عز وجل قرن الإحسان إلى الوالدين وشكرهما بشكره، فقد قرن رسول الله (ص)عقوق الوالدين بالشرك بالله، فعن بكرة قال: قال رسول الله (ص)«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال (ص)«الإشراك بالله، وعقوق الوالدين». وكان متكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور، وشهادة الزور»، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.”
الرواية خاطئة فكل ذنب هو كبيرة والإشراك يشمل كل ذنوب وليس هو واحد منها كما أن الحديث يخالف القرآن فى كون إخراج الناس من المسجد الحرام والمراد طردهم من مكة هى أكبر حتى من القتل وغيره فقال :
“والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله”
ثم قال :
ولقد لعن الله العاق لوالديه، فقد قال (ص)«لعن الله من عق والديه» واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.”
ومعنى رواية اللعن صحيح ثم قال :
“وعن رسول الله (ص)قال: «لو علم الله أدنى من الأف لنهى عنه، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة، وليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار».
وقال كذلك: «لعن الله من سب أباه، لعن الله من سب أمه». وقال كذلك: «كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجل لصاحبه» [رواه البخاري] يعني يعجل له العقوبة قبل يوم القيامة.”
روايات اللعن صحيحة المعنى إلا الأخيرة هنا فالعذاب فى القرآن موجود على كل الذنوب كما قال تعالى:
” ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر”
ثم تحدث الهويمل عن فضل الوالدين فقال :
“ثم اعلم يا بني أن إحسان والديك عليك شيء عظيم، وفضلهما سابق، فتأمل معي حال صغرك وتذكر ضعف طفولتك؛ فقد حملتك أمك في بطنها تسعة أشهر وهنا على وهن، حملتك كرها ووضعتك كرها، تزيدها بنموك ضعفا، وتحملها فوق طاقتها عناء، وهي ضعيفة الجسم، واهنة القوة. فعند الوضع رأت الموت بعينيها، ولكن عندما أبصرتك إلى جنبها نسيت آلامها، فلما رأتك علقت فيك آمالها،ورأت فيك بهجة الحياة وزينتها، ثم انصرفت إلى خدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها، وتنميك بهزالها، وتقويك بضعفها، فطعامك درها، وبيتك حجرها، ومركبك يداها، تحيطك وترعاك، تجوع لتشبع، وتسهر لتنام، فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة، إذا غابت عنك دعوتها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثت بها، تحسب كل الخير عندها، وتظن الشر لا يصل إليك إذا ضمتك إلى صدرها أو لاحظتك بعينها.
تخاف عليك رقة النسيم وطنين الذباب، وتؤثرك على نفسها بالغذاء والراحة، فلما تم فصالك في عامين وبدأت بالمشي، أخذت تحيطك بعنايتها، وتتبعك نظراتها، وتسعى وراءك خوفا عليك، وبقيت ترعاك وتحنو عليك حتى آخر لحظاتها من الدنيا.
أما أبوك فأنت له مجبنة مبخلة، يكد ويسعى ويدفع عنك صنوف الأذى، ينتقل في الأسفار، ويجوب الفيافي والقفار، ويتحمل الأخطار، بحثا عن لقمة العيش؛ لينفق عليك، إذا دخلت عليه هش، وإذا أقبلت إليه بش، وإذا خرج تعلقت به، وإذا حضر احتضنت حجره وصدره، تخوف الناس بأبيك، وتتوعدهم بفعل أبيك، فهذان هما والداك، وتلك هي طفولتك، فلم تنكر الجميل؟!”
وبعد ذلك أورد رسالة من أم يعقها ابنها كتبتها وهى :
“رسالة من أم مكلومة:
يا بني: هذه رسالة مكلومة من أم مسكينة كتبتها على استحياء بعد تردد وطول انتظار، أمسكت بالقلم مرات فحجزته الدمعة، وأوقفت الدمعة مرات فجرى أنين القلب، فاقرأ ما كتبت:
يا بني: بعد هذا العمر أراك رجلا سويا مكتمل العقل ومتزن العاطفة، من حقي عليك أن تقرأ هذه الورقة، وإن شئت بعد فمزقها، كمما مزقت أطراف قلبي من قبل.
يا بني: منذ خمسة وعشرين عاما كان يوما مشرقا في حياتي عندما أخبرتني الطبيبة أنني حامل، والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيدا، فهي مزيج من الفرح والسرور، وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسمية، وبعد هذه البشرى حملتك تسعة أشهر في بطني فرحة، جذلة أقوم متثاقلة، وأنام بصعوبة، وآكل مرغمة، وأتنفس بألم، ولكن كل ذلك لم ينقص من محبتي لك وفرحي بك، بل نمت محبتك مع الأيام وترعرع الشوق إليك، حملتك – يا بني – وهنا على وهن، وألما على ألم، أفرح بحركتك، وأسر بزيادة وزنك، وهو حمل علي ثقيل، إنها معاناة طويلة، أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها، ولم يغمض لي فيها جفن، ونالني من الألم والشدة والرهبة والخوف ما لا يصفه القلم ولا يتحدث عنه اللسان، ورأيت بأم عيني الموت مرات عدة، حتى خرجت إلى الدنيا فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي وأزالت كل آلامي وجراحي.
يا بني: مرت سنوات من عمرك وأنا أحملك في قلبي وأغسلك بيدي، جعلت حجري لك فراشا، وصدري لك غذاء، أسهرت ليلي لتنام، وأتعبت نهاري لتسعد.
أمنيتي أن أري ابتسامتك، وسروري كل لحظة أن تطلب مني شيئا أصنعه لك، فتلك هي منتهي سعادتي ومرت تلك الليالي والأيام وأنا على تلك الحال خادمة لم تقصر، ومرضعة لم تتوقف، وعاملة لم تفتر، حتى اشتد عودك، واستقام شبابك، وبدأت تظهر عليك معالم الرجولة، فإذا بي أجري يمينا وشمالا لأبحث لك عن المرأة التي طلبت، وأتى موعد زفافك فتقطع قلبي وجرت مدامعي فرحة بحياتك الجديدة وحزنا على فراقك.
ومرت الساعات ثقيلة، فإذا بك لست ابني الذي أعرفك، لقد أنكرتني وتناسيت حقي، تمر الأيام لا أراك ولا أسمع صوتك، وتجاهلت من قامت بك خير قيام – يا بني – لا أطلب إلا القليل، اجعلني من أطرف أصدقائك عندك، وأبعدهم حظوة لديك، اجعلني – يا بني – إحدى محطات حياتك الشهرية؛ لأراك فيها ولو لدقائق – يا بني – احدودب ظهري، وارتعشت أطرافي، وأنهكتني الأمراض، وزارتني الأسقام، لا أقوم إلا بصعوبة، ولا أجلس إلا بمشقة، ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك، لو أكرمك شخص يوما لأثنيت على حسن صنيعه وجميل إحسانه، وأمك أحسنت إليك إحسانا لا تراه ومعروفا لا تجازيه، لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات، فأين الجزاء والوفاء؟
إلى هذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام – يا بني – كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسروري، ولكني أتعجب وأنت صنيع يدي، وأتساءل أي ذنب جنيته حتى أصبحت عدوة لك لا تطيق رؤيتي وتتثاقل عن زيارتي؟ هل أخطأت يوما في معاملتك أو قصرت لحظة في خدمتك؟ اجعلني من سائر خدمك الذين تعطيهم أجورهم، امنحني جزءا من رحمتك، ومن علي ببعض أجري وأحسن،فإن الله يحب المحسنين.
يا بني – أتمنى رؤيتك لا أريد سوى ذلك، دعني أرى عبوس وجهك وتقاطيع غضبك – يا بني – تفطر قلبي وسالت مدامعي وأنت حي ترزق، ولا يزال الناس يتحدثون عن حسن خلقك وجودك وكرمك – يا بني – أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة أضناها الشوق، وألجمها الحزن، جعلت الكمد شعارها، والغم دثارها، أجريت لها دمعا، وأحزنت منها قلبا، وقطعت لها رحما، لن أرفع الشكوى، ولن أبث الحزن؛ لأنها إن ارتفعت فوق الغمام واعتلت إلى باب السماء أصابك شؤم العقوق، ونزلت بك العقوبة وحلت بدارك المصيبة، لا لن أفعل، لا تزال – يا بني – فلذة كبدي، وريحانة حياتي، وبهجة دنياي.
أفق – يا بني – بدأ الشيب يعلو مفرقك، وتمر سنوات ثم تصبح أبا شيخا، والجزاء من جنس العمل، وستكتب رسائل لابنك بدموع مثلما كتبتها إليك، وعند الله تجتمع الخصوم – يا بني – اتق الله في أمك، كفكف دمعها، وخفف حزنها، وإن شئت بعد ذلك فمزق رسالتها، واعلم أن {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها}.
ذكرى:
يا بني: بعد قراءتك للرسالة تذكر زمن حمل أمك بك وأنت في بطنها، علة من أكبر العلل، وتذكر وقت أن كانت تلدك وهي مما بها لا من الأحياء ولا من الأموات، وتذكر ما خرج عقب ولادتك من نزيف الدم الذي هو نفسها، وتذكر أنك كنت تمص دمها مدة الرضاعة وسرورها بك تقصر عن شرحه العبارات، وتذكر تنظيفها لبدنك وملابسك من الأقذار، وتذكر فزعها عندما يعتريك خوف أو مرض أو نحو ذلك، وتذكر دفاعها عنك إذا اعتدى عليك معتد، وتذكر حرصها الشديد على أن تعيش لها ولو حرمت لذة الطعام والشراب، وتذكر سهرها عليك عندما يؤلمك شيء من جسدك، وتذكر كد والدك مدى الليالي والأيام، وكلما خشي أن تجوع تقحم الشدائد، وهام على وجهه في الدنيا لا يرده إلا أن يراك في سرور، وتذكر عنايته بك في تعليمك وتوجيهك إلى ما فيه صلاح دينك ودنياك، وتذكر حياطته ونصحه لك ومقاساة الشدائد لراحتك، وتذكر فرحه واستبشاره بمجيئك ونجاحك، وتذكر دفاعه عنك بيده ولسانه، وتذكر دعاءه لك في مظنة أوقات الإجابة أن يصلحك الله ويوفقك، وتذكر قلقهما والبحث عنك إذا تأخرت عن وقت المجيء، وتذكر وتأمل بشاشتهما فيمن يعز عليك لسرورهما فيما يسرك، من أجل ذلك أكد الله وشدد عليك بالوصية بهما {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
وقفة:
يا بني: كم ساعات قضى فيها المسلم للوالدين حاجات غفر الله عز وجل بها الذنوب والخطيئات، وفرج بها الهموم والكربات، كم ولد بار أو فتاة بارة قاما من عند والديهما بعد سلام أو طيب كلام أو هدية متواضعة، وقد فتحت أبواب السماء لدعوات مستجابة لهما من والديهما الضعيفين الكبيرين، فاتق الله – يا بني – في شأن الوالدين، سيما إذا بلغا من الكبر والسن ما بلغا، سيما إذا وهن العظم منهما واشتعل الرأس شيبا، سيما إذا بلغت لهما الحال ما بلغت وأصبحا ينظران إليك نظر الذي ينتظر منك لقمة أو أعطية أو لباسا أو طعاما، اتق الله في الوالدين، فوالله ما جزيتهما بما فعلا.”
صور من البر مشرقة:
يا بني: يقول الله عز وجل: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}
يا بني: لعلي أرجع بك إلى العهد الزاهر، عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم -، لترى صورا من البر والمتمثلة في قصة إسلام أم أبي هريرة، ولندع أبا هريرة يرويها لنا، وهو بذلك يطبق صور البر لوالديه، فقال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة؛ فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله (ص)ما أكره، فأتيت رسول الله وأنا أبكي؛ قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله (ص)«اللهم اهد أم أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة رسول الله، فلما جئت وصرت بالباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي صوت قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها، وفتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال: فرجعت إلى رسول الله وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله، أبشر، قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة وكان أبو هريرة إذا دخل على أمه قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فترد عليه: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، رحمك الله كما بررتني كبيرة.
ولقد رأى ابن عمر رجلا يطوف بالبيت وقد حمل أمه وراء ظهره، فقال: هل ترى أني جازيتها يا ابن عمر؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.
وعن بعض آل سيرين قالوا: ما رأينا محمد بن سيرين يكلم أمه إلا وهو يتضرع وكان زين العابدين – من سادات التابعين – وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، قال: إني أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها.
وهذا عبد الله بن عون، نادته أمه، فعلى صوته صوتها، فاعتق رقبتين.
صور من العقوق مؤلمة:
وعلى النقيض من تلك الصور المشرقة، صور مؤلمة.
في الأثر أنه جاء رجل إلى رسول الله (ص)وقال: إن أبي يريد أن يجتاح مالي!! فقال (ص)«اذهب وادع لي أباك»، فلما جاء الأب الشيخ الكهل الكبير العجوز ووقف بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال (ص): «ما بالك تريد أن تجتاح مال ولدك؟» قال الشيخ العجوز: يا رسول الله، سله وهل أنفقته إلا على أمه وأخواته؟!
قال (ص): «هيه أسمعني أبياتا قلتها ما تحركت بها شفتاك» فقال الرجل: أشهد إنك لرسول الله وأني قلت في شأنه:
غذوتك مولودا وعلتك يافعا … تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت … بسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي … طرقت به دوني وعيني تهمل
فلما بلغت السن والغاية التي … إليك مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة … كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذا لم ترع حق أبوتي … فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن … علي بمال دون مالك تبخل
فالتفت النبي (ص)وقال: «أتسمع، أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك».
وقد ذكر أن عاقا كان يجر أباه برجله إلى الباب ليخرجه من الدار، فكان له ولد أعق منه، فكان يجر أباه إلى الشارع، فإذا بلغ به الباب، قال له الأب: حسبك، ما كنت أجر أبي إلا إلى هذا المكان، فيقول له ولده: هذا جزاؤك، والزائد صدقة مني عليك.
وذكر أيضا أن رجلا كان مكبا على اللهو واللعب، وكان له والد صاحب دين، كثيرا ما كان يعظ هذا الابن، فيقول له: يا بني، احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألح عليه زاد في العقوق وجار على أبيه، وفي يوم من الأيام ألح على ابنه في النصح، فمد الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله ليأتين بيت الله الحرام ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى بيت الله الحرام، فتعلق بأستار الكعبة، ودعا على ولده بأن يشل منه جانبه، حتى قيل أنه ما استتم كلامه حتى يبس شق ولده الأيمن.
وهذه أم مسكينة تروي قصتها فتقول: ذات يوم طلبت الزوجة من ابني أن يضعني في غرفة منفصلة خارج المنزل، ولم يتردد بل وافقها، وعندما خيم الشتاء وجاء البرد القارص، حاولت ذات ليلة دخول المنزل فإذا الأبواب مقفلة في وجهي فلسعني البرد وساءت حالتي وحملني ابني زيادة على هذا، وكنت أظن أنه سيذهب بي إلى أحد المستشفيات، وإذا به يلقي بي في دار الرعاية الاجتماعية، ولم يسأل عني بعد ذلك .. ولسان حالها يقول: يا فلذة كبدي، لقد كان بطني لك وعاء، وثديي لك سقاء، يا ولدي حملتك تسعة أشهر، وأرضعتك حولين كاملين، يا ولدي غسلت نجاستك بيدي، وأسهرتني الليالي والأيام.
يا بني:
فلا تطع زوجة في قطع والدة … عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرا
فكيف تنكر أما ثقلك احتملت … وقد تمرغت في أحشاءها شهرا
وعالجت بك أوضاع النفاس وكم … سرت لما ولدت مولودها ذكرا
وأرضعتك حولين مكملة … في حجرها تستقي من ثديها الدررا
ومنك ينجسها ما أنت راضعه … منها ولا تشتكي نتنا ولا قذرا
وقل هو الله بالآلاف تقرؤها … خوفا عليك وترخي دونك السترا
وعامتلك بإحسان وتربية … حتى استويت وحتى صرت كيف ترى
فلا تفضل عليها زوجة أبدا … ولا تدع قلبها بالقهر منكسرا
يا بني: بعدمنا قرأنا عن فضل البر، والصور المشرقة في بر الوالدين، وجزاء العقوق والتحذير من الله ورسوله، فإياك يا بني وعقوق والديك فإن الإثم كبير وجزاؤه عند الله عظيم.
يا بني أنت اليوم ابن، وغدا بإذن الله تكون أبا، وستري صدق رسالتي”
والرسالة تتبع مقولة خاطئة وهى أن من عق والده أو والدته أو هما معا أو عقت أمها أو أباهما أو هما معا لابد أن يعقه أولاده أو يعقها أولادها وهو كلام غير صحيح حيث ينطبق على بعض الحالات ولا ينطبق على حالات أخرى فقد ينجب العاق بارا وقد ينجب البار عاقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *