نقد كتاب الحكم الشرعي لاستقطاع الأعضاء وزرعها تبرعا أو بيعا

المؤلف أمين محمد سلام البطوش وهو يدور حول قطع أعضاء الأحياء لعلاج المرضى بها بيعا أو تبرعا وفى مقدمته تحدث عن الاختلاف فى حكم ذلك فقال :
“إن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان وكرمه على خلقه ورباه على عينه ..فلما تقدم الإنسان في العلوم ومن بينها علم الطب والجراحة اختلف الناس في استقطاع الأعضاء وزرعها بين مبيح ومانع وما كان لشيء أن يجد أو يستجد إلا وله حكم في كتاب الله تعالى لقوله عز وجل: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} نتيجة لذلك فإن هذا البحث يقدم محاولة لبيان ما في هذا الأمر من حكم شرعي”
وقد استهل الكتاب بأدلة حرمة جسم الإنسان فقال :
“المبحث الأول: أدلة حرمة جسم الإنسان:
إن الله تعالى لما خلق الإنسان خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وطرد إبليس من أجله لعصيانه أن يسجد لآدم وأسكن آدم الجنة وعلمه الأسماء كلها وجعله خليفته في الأرض فإن كان الإنسان لربه مطيعا مخبتا كان أفضل من الملائكة وإن عصاه كان أدنى من البهائم كل هذا دليل على التكريم فهل تراه يسلمه ويذله ويخزيه ما دام يسير طبقا لخط السير الذي رسمه له ربه كلا وحاشا أن يكون ذلك فها هو سبحانه يقول في حقه: {ولقد كرمنا بني آدم} ويخلقه في أحسن صورة: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} وتتجلى فيه عظمته سبحانه فيقول: {فتبارك الله أحسن الخالقين} “
والخطأ هو تفضيل الإنسان على الملائكة فلا يوجد نص من الوحى يقول بذلك لكونهما من النوعين المخيرين الإنس والجن فالملائكة هو الفصيل المصطفى من الجن كرسل البشر كما قال تعالى :
“الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس”
وتحدث عن أدلة حرمة الإنسان فقال :
“من أجل ذلك فقد تولاه ربه وأوصى باحترامه في شرائعه وحرم قتله بغير حق قال تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} وهذه قاعدة تحرم مساسه بغير حق ورسول الله (ص)قد بين في سنته أن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء كما توعد الله قاتله بالعذاب يوم القيامة “
والخطأ هو أن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء وهو ما يخالف أن القضاء يكون فوريا وليس ذنب ذنب والقضاء هو تسليم كل واحد كتابه بيمينه أو شماله كما قال تعالى :
“فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إنى ظننت أنى ملاق حسابيه فهو فى عيشة راضية فى جنة عالية”
وقال :
“وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه”
وقال :
“قال تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} هذا في الآخرة بالإضافة إلى عقوبة القصاص في الدنيا والحرمان من الميراث إن كان القاتل من ورثة المقتول فإذا كان قتل المسلم بغير حق لا يحتمل الإباحة فكذلك فإن قطع عضو من أعضائه لا يحل ولو كان بإذن المجني عليه كما يرى ابن قدامة في المغني ((بينما يرى الحنفية أن أعضاء الإنسان كالمال بالنسبة لصاحبها)) وليس للإنسان أن يقتل نفسه قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} أو يتلف أعضاء جسمه قال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} لأن الحق في سلامة البدن حق مشترك بين العبد وبين ربه وقد بلغت حرمة جسد الإنسان في نظر فقهاء الإسلام حدا جعلهم يرون دفن ما يسقط منه كشعر أو ظفر
قال القرافي في الفروق ما نصه: ..”حرم الله القتل والجرح صونا لمهجة العبد وأعضائه ومنافعها عليه “
والإنسان منذ بداية تكوينه وهو جنين في بطن أمه أدركته حماية الشرع …الشرع الإسلامي من جنى على امرأة حامل فأسقطت جنينها بغرة عبد كغرامة دنيوية هذا إن سقط ميتا أما إن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة حتى أن الأم لو تسببت بإسقاط جنينها بواسطة غيرها لزمتها دية الجنين كذلك ولم يسلم من أعان على هذا الأمر من تبعة مغبته”
ونسبة الحكم السابق للشرع باطلة فأى قتل له حكم إما حكم العمد وإما حكم الخطأ وفى كل أحوال القتل الخطأ لا توجد عقوبة عتق عبد فقط إلا إذا كان القتيل من قوم عدو للمسلمين كما قال تعالى :
“وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله “
ثم قال :
“أضف إلى ذلك أن المرأة الحامل لو كان عليها القصاص أو الحد فإنه لا يجوز التنفيذ حتى تتم حملها وتضعه وترضع وليدها وتربيه إلى الوقت الذي يستغني بنفسه عنها سواء كان الحد بالنفس أو الأطراف ويجوز في الشرع الإسلامي شق بطن الأم الميتة لاستخراج ولدها من رحمها لأن مصلحة حفظ حياته أعظم من مفسدة انتهاك حرمة بدنها الميت
وقد أجمعت المذاهب الإسلامية على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح إلا لعذر أما قبل نفخ الروح فإن العلماء قد اختلفت أقوالهم بين الإباحة والكراهة والتحريم ولكن إن ثبت بطريق موثوق أن الجنين يؤدي إلى وفاة أمه فيجب إسقاطه تطبيقا لقاعدة ارتكاب أخف الضررين وهذا يعتبر تضحية بالجزء (الفرع) في سبيل إنقاذ الكل (الأصل)
وأما بعد الموت فقد تولى الشرع الإسلامي حفظ الإنسان وحمى جثته من عبث العابثين فالرسول (ص)يقول: ((كسر عظم الميت ككسره حيا)) وفي رواية: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم)) “
من هذا المبحث يتبين أن ضرورة الحفاظ على جسم الإنسان سليما وتحدث فى الثانى عن وجوب العلاج فقال:
“المبحث الثاني: إباحة التطبيب والجراحة
بالرغم مما تقدم بيانه من تعظيم الشرع لحرمة جسم الإنسان فإن ضرورة العلاج أو الحاجة إليه تفسح المجال وتبرر المحظور الشرعي فالتداوي أمر مأمور به شرعا حفظا لهذا الإنسان فإن رسول الله (ص)يقول: ((تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم))
وتعلم الطب في الإسلام فرض من فروض الكفاية التي يتعين على طائفة من الأمة القيام به وإلا أثمت الأمة جميعا وهذا العمل وإن كان من فروض الكفاية فإنه يحتاج إلى شروط إليك بعضها:
– أن يباشر العمل الطبي مختص فيه مع كون الحاجة ملحة لنتجنب من لا يحذق هذا الفن فلابد من كونه حاذقا بصيرا عارفا فإن كان غير ذلك فما يحصل من أضرار على يديه كان فيها ضامنا لقوله (ص)((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن))
– أن يكون القصد العلاج والرعاية للمصالح المشروعة
– أن يمارس عمله الطبي وفقا لأصول صنعة الطب وإلا كان ضامنا خشية أن يتولد ما هو أعظم
– إن كان المريض قاصرا يشترط الإذن من وليه”
وتحدث فى المبحث الثالث عن فوائد علم التشريح فقال :
“المبحث الثالث: أهمية علم التشريح:
إن للتشريح أهمية كبيرة إذ بدونه لا يعرف الطبيب مكان العضو ولا كيفية اتصاله بالبدن كما أن للتشريح أهمية أخرى وذلك في الكشف عن السبب الحقيقي للموت في قضايا الجنايات هذه الأهميات تقف أمام نظرة الناس إلى الجثة الآدمية نظرة ملؤها التقديس والحرمة ولقد قام علماء من المسلمين القدامى بتشريح الجسم الإنساني وإن كانوا لم يقولوا صراحة بجواز التشريح كابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى وابن الهيثم الذي قام بتشريح العين
ولقد استشهد الفقهاء في مواقف عديدة على تصحيح آرائهم على نتائج علم التشريح في زمانهم أما قبله فكأنها إباحة غير صريحة لهذا العلم
….فمن أقوال الأئمة المتقدمة يتبين لنا جواز شق بطن الميت من أجل إنقاذ الحي فمصلحة إنقاذ الحي مقدمة على مفسدة هتك حرمة الميت ولكن مما تقدم رأينا أن بين الحي والميت تعلقا وارتباطا لا يسهل انفكاكه فهل بالإمكان أن نعدي هذا الجواز إلى ما هو أبعد من ذلك ؟ هذا ما سنصل إليه إن شاء الله ولكن بشروط منها: موافقة ذوي الشأن ووجود ضرورة تتطلب التشريح وعدم التمثيل في الجثة”
وتحدث عن حكم التشريح فقال :
“المبحث الرابع: مدى شرعية التشريح
لما كانت شريعة الإسلام تنزيلا من حكيم حميد عليم بما كان وما سيكون أنزلها على خير الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين فقد جعلها سبحانه قواعد كلية ومقاصد سامية شاملة فكانت تشريعا عاما خالدا صالحا لجميع طبقات الخلق في كل زمان ومكان
…ومسألة التشريح لجثث موتى بني آدم لا تعدو أن تكون جزئية من هذه الجزئيات التي لم ينص عليها في نص خاص فشأنها شأن الوقائع التي جدت لابد أن تكون مشمولة بقاعدة كلية من قواعد الشريعة وشمولها وصلاحيتها لجميع الخلق قال تعالى: {وما كان ربك نسيا} وقال تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما} وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}
إن من قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها العامة أنه إذا تعارضت مصلحتان قدم أقواهما وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفاديا لأشدهما ومسألة التشريح داخلة في هذه القاعدة على كل حال فإن مصلحة حرمة الميت – مسلما كان أو ذميا – تعارضت مع مصلحة أولياء الميت والأمة فالمتهم عند الاشتباه مثلا يطلب تشريح جثة المجني عليه لإثبات الجناية أو نفيها وفي هذا حفظ للحق وإعانة لولي الأمر على ضبط الأمن والتحقق من المجرمين لردع من تسول له نفسه ارتكاب جريمة يظن أنها تخفى على الناس كما أن الشخص قد يموت موتا طبيعيا وفي التشريح تبرئة للمتهم أضف أنه يمكن الكشف على الأمراض السارية بواسطة التشريح وبذلك تحفظ الأمة من الأوبئة والأمراض السارية الخطيرة من هذا تبرز أهمية علم التشريح وما دام أنه جزء من علم الطب فالعلم به إذن من فروض الكفاية التي لابد لجماعة من المسلمين معرفته والتدرب عليه ولذلك فإن التدرب على الجثث الحقيقية يعرف الطبيب بمكان العضو المصاب وأوصافه خلافا لمن رأى التدرب على الجثث غير الآدمية لاختلاف الأوصاف وعدم التمكن من الوصول إلى الحق في هذا الموضوع”
مما سبق انتهى الباحث إلى إباحة التشريح للضرورة وهى تعلم الطب وحفظ حقوق الناس والقاعدة التى بنى عليها الشرعية للتشريح ليست صحيحة فأحكام الله ليست مبنية على المصلحة والمفسدة التى يعرفها البشر وإنما على ما يعرفه الله فالحرب فى كل أحوالها مفسدة ومع هذا مباحة عند الاعتداء على المسلمين ومثلا الطلاق مفسدة ومع هذا مباح
فالأحكام لا تقاس بالمنفعة ولا المفسدة وإنما هى إرادة الله وهو أعلم بما يصلح عبادة
وتحدث عن قواعد الطب فقال :
“المبحث الخامس: قواعد الطب الإسلامي
قواعد الطب الإسلامي تؤخذ من القواعد الكلية في الفقه الإسلامي
أولا – قواعد التصرف في الحق لسلامة الحياة والجسد:
أ – حق الله تعالى وحق العبد في نفس هذا الأخير يوكلان لمن ينسبان إليه ثبوتا وإسقاطا
ب – لا يجوز لإنسان أن يتصرف في حق الغير إلا بإذنه
ج – قتل الإنسان أو فصل عضو من أعضائه لا يحتمل الإباحة بغير حق
د – لا يملك الإنسان إسقاط حقه فيما اجتمع فيه حق الله تعالى لعدم جواز تصرفه في حق الله تعالى
هـ – يقدم ما كان فيه حق الله وحق العبد على ما كان فيه حق العبد وحده
و- حق الله مبني على التسهيل بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على التشديد إلا عند الضرورة
ثانيا: قواعد المفاضلة بين المصالح والمفاسد:
– جواز ارتكاب أخف الضررين دفعا لأعظمهما فالواجب تحصيل أعلى المصلحتين فإن تعذر رخص في التقديم والتأخير بينهما ومثاله من صال على نفسين مسلمتين فلم نتمكن من دفعه عنهما فإننا ندفع عن أي واحدة منهما
أ – إذا اجتمعت المفاسد في عمل واحد فإنه لا تفاضل بينها لأن الواجب درء الجميع فإن تعذر ذلك درأنا الأفسد فالأفسد
ب – إذا اجتمعت المصالح والمفاسد فالمطلوب تحصيل المصالح ودرء المفاسد جميعا إن أمكن فإن تعذر ذلك وكانت المفسدة أعظم من المصلحة أو مساوية لها درأنا المفسدة وفوتنا المصلحة لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح أما إن كانت المفسدة أعظم من المصلحة التي تقابلها فتقدم المصلحة من ذلك مثلا أن مصلحة إنقاذ الحي أولى بالرعاية من مفسدة انتهاك حرمة الموتى بشرط أن تكون المصلحة راجحة على المفسدة وأعظم منها
ج – يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام
– الضرورات تبيح المحظورات:
أ – تقدر الضرورة بقدرها
ب – يجب أن تكون المصلحة التي تقتضيها الضرورة أعظم من مفسدة المحظور
ج – الضرر لا يزال بمثله فلا يجوز مثلا لشخص قتل غيره ليدفع الضرر عن نفسه وذلك بأخذ علاجه أو غذائه الذي هو بحاجة إليه بمثل حاجته هو
د – الحاجة تنزل منزلة الضرورة سواء كانت الحاجة عامة أو خاصة
هـ – الاضطرار لا يبطل حق الغير
ثالثا: قواعد مزاولة العمل الطبي والجراحي:
– حق التطبيب والجراحة لأن الشرع أجاز التداوي فهذا يتضمن جواز ممارسة الطب
– جواز ممارسة الطبيب للجراحة لا تعطيه حق تشريح أجساد الآخرين إلا بالرضا من المريض باستثناء حالات الاستعجال والضرورة
– مراعاة أصول العلاج في حفظ الصحة الموجودة للمريض ورد المفقودة بقدر الإمكان وإزالة العلة أو تقليلها بقدر الإمكان
– استعمال طرق العلاج الأسهل فالأسهل
– لا مسئولية على الطبيب فيما يجوز له فعله
– لا يتقيد عمل الطبيب بشرط السلامة لأن المطلوب منه القيام بالمعتاد ما دام رضي المريض أو وليه بذلك”
وكل ما سبق من القواعد قائم على علاج الحى بأى وسيلة ممكنة مباحة وتحدث عن حكم الشرع فيما سماه الأعمال المستحدثة فقال :
“المبحث السادس: حكم الشرع في بعض الأعمال المستحدثة في الطب والجراحة
الإسلام بطبيعته يشجع البحث العلمي ويدعو إليه ..إلا أن للبحث العلمي في بعض الأحيان هفواته التي لا تغتفر وشطحاته التي لا تصيب الهدف وعلى ذلك لابد من تمحيص النتائج على ضوء القواعد التي وضعها صاحب الشرع سبحانه وتعالى العليم بأحوال عباده فإنه كما قال: {وفوق كل ذي علم عليم}
قطع الأعضاء البشرية لغرض الزرع:
لما كان مما يجوز للطبيب أن يعمل مبضعه في جسم المريض من أجل علاجه وإبعاد الأذى عنه فهل له مثل ذلك ولكن في جسم سليم ليخلص جسما آخر هو بحاجة إلى العلاج ؟ أي هل يجوز أن يكون علاج المريض جزءا أو قطعة أو عضوا من جسم سليم ؟ فيكون الأول معطيا والآخر آخذا أو متلقيا
بالنسبة لزرع عضو في جسم المريض من أجل إنقاذه لا إشكال عليه في الشريعة الإسلامية فإنه علاج مباح ما دام حصل إذن الشرع بالعلاج وإذن المريض بالتداوي وتقبله ولكن الصعوبة كل الصعوبة في قطع العضو من الحي أو الميت
فلنتكلم أولا على استقطاع عضو حي لإنقاذ حي بحاجة إلى ذلك العضو:
أول ما نلجأ إليه في مثل هذا الأمر هو البحث في الشريعة الإسلامية قبل غيرها فإن أجازت هذا العمل ترتب عليه الجواز من الناحية الطبية وإلا فلا والحقيقة أنه لا نص على هذه القضية بصراحة في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة بل هي قضية تندرج تحت غيرها من القواعد الكلية كما أسلفت فيما سبق والقواعد الفقهية تراعي ثلاثة أمور في الغالب هي:
دينية: تتصل بمدى حرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي حيا أو ميتا
فقهية أو قانونية: تتعلق بالوسيلة الفنية التي يمكن بواسطتها بلورة هذا الانتفاع
تزاحم المصالح: أي المفاضلة بين المصالح المتزاحمة
نجد أن الفقهاء أجازوا الانتفاع بلبن الظئر وذلك بتأجيرها أو استئجارها فقد اختلفوا في الناحيتين الأولى والثانية ولكن هذا الاختلاف دل على سعة الأفق والتوقعات المستقبلية لما يجد ويستحدث مما يحفز المختص في أن يبحث مدى شرعية استقطاع الأعضاء من جسم حي أو ميت لغرض الزرع وعليه فلابد من الموازنة والترجيح بين أدلة الإباحة وأدلة الحظر:
هل جسم الإنسان من الأموال وهل هو ملك لصاحبه ؟
والصحيح أن جسم الإنسان ليس مالا له ولا يجوز بيعه
فلا الشرع ولا الطبع ولا العقل يجيز بيع الأجزاء الآدمية لأن الله كرمه وميزه عن غيره والأصل في المبيعات أن تكون أشياء خارجة عن الإنسان وأعضاؤه ليست خارجة عنه وإذا أراد الناس أن يقولوا: ولكن الإنسان تضمن قيمته إذا قتل قلنا: إن هذا استدلال فاسد لأن الأصل في الضمان في الفقه الإسلامي يتمثل في القضاء الكامل للمضمون صورة ومعنى وإن جاز في بعض الحالات فإنه على سبيل الاستثناء وهو قول الجماهير من أهل العلم
هل أجزاء الإنسان المنفصلة عنه طاهرة ؟
إن من شروط صحة العقد أن يكون محل العقد طاهرا منتفعا به طبعا وشرعا فلا يصح العقد على نجس أو محرم
لم يتفق الفقهاء على طهارة الجزء المنفصل فعند الحنفية أن ما انفصل عن جسم حي وكان فيه دم فهو نجس لا يجوز الانتفاع به ونص أيضا على أنه لا يجوز التداوي بعظم الآدمي أو أي جزء منه لعدم الطهارة أو الكرامة الإنسانية
أما المذاهب الأخرى فالراجح فيها أن أجزاء الآدمي المنفصلة طاهرة كجملته كما ذهب نفر إلى جواز بيع أجزاء الإنسان إذا كان يستفاد منها
أما بالنسبة لجثة الإنسان فالراجح في المذاهب الفقهية أنها طاهرة خلافا لبقية الميتات لقوله (ص)((لا تنجسوا أمواتكم فإن المؤمن لا ينجس حيا أو ميتا)) ولكن منع النووي من الانتفاع بأي جزء من أجزائه بعد الموت لحرمته وكرامته ويتعين دفنه
ويحسن بنا أن نفهم أن حرمة استعمال الدواء النجس إنما تكون عند عدم وجود الطاهر فإن لم يوجد الطاهر جاز استعمال النجس للضرورة وليس في هذا مخالفة لقول النبي (ص)((إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)) أو ((لا شفاء في نجس)) ويجوز للإنسان أن ينتفع بجزء من أجزائه للتداوي بشرط أن تكون المصلحة في ذلك أعظم من ترك الجزء وتطبيقا لذلك يجوز لصق ما انفصل من الجسد في موضعه كما ويجوز ترقيع الجلد المحروق من مكان آخر سليم
ومعلوم في الفقه الإسلامي أنه لا يجوز بيع الأجزاء الآدمية لأنها ليست ملكا للشخص بل هي بمجموعها مسخرة للإنسان ليقوم بطاعة ربه وقضاء حوائجه ولكن إذا كان بالهبة وبدون مقابل فما الذي يمنع ذلك بشرط أن تكون القضية بوسيلة جائزة ومشروعة
وقد أجاز الفقهاء إجارة الظئر كما قدمنا فهو بيع لأجزاء آدمية بشرط الرضاء الصحيح المحل المبين والسبب المشروع فلبنها مال متقوم يجوز بيعه عند الشافعية والحنابلة في رواية وعند المالكية والله تعالى يقول: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}”
تحدث الباحث عن المسألة من جهات متعددة لا تدل على حرمة ولا على إباحة
أولها القياس على مسألة الظئر واعتبرها بيع لعضو آدمى بينما ليست بيع للعضو لأن الاستفادة من منتج العضو ولم يسمه الله بيع وإنما استئجار والمراد أجر فى مقابل عمل والأجر هو ثمن الطعام الذى ينتج هذا المنتج كما قال تعالى :
” فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن”
فالأم المطلقة بالقطع لا تبيع لبنها لولدها ولا لزوجها وإنما عملية عدل فى التبادل
ثانيها اعتبار أعضاء الإنسان المقطوعة نجسة واعتبار الميت نجس وهو كلام ليس عليه نص من الوحى وإنما النجاسة عملية تتعلق بالنفس من حيث الكفر والإسلام فقال :
“إنما المشركون نجس”
ثالثها بيع الأعضاء ومثله التبرع من حى وهو حى محرم لقوله تعالى :
“وما جعل عليكم فى الدين من حرج”
فالبيع والتبرع أذى للحى ولا يمكن لطبيب أن يضمن أن البيع أو التبرع لن يؤذى المتبرع أو البائع فى المستقبل القريب أو البعيد
وإنما المباح فى المسألة هو :
وجوب البحث عن بدائل علاجية كالأعضاء الصناعية وعند تعذر اختراعها أو وجودها يتم الذهاب إلى تبرع الحى ببعض أعضائه بعد موته وعند تعذر وجود متبرع يباح أخذ أعضاء ممن يموتون وحكاية حرمة جسد الميت كحرمة جسد الحى لا تصح فجسم الميت لا يتم علاجه وجسم الميت لا يتوضأ ولا يحمم ولا ينظف مرات متعددة فليس أخذ عضو من ميت اعتداء عليه لأنه لا يشعر ولا يحس بشىء كما أن العضو سيأكله الدود ويتحول لتراب غير مفيد فهل أخذه لحى مريض أفضل أم تركه للدود
وتحدث عن حكم الانتفاع بأجزاء الآدمي في حالات الاضطرار فقال:
“المبحث السابع: حكم الانتفاع بأجزاء الآدمي في حالات الاضطرار
لقد أباح الشرع الإسلامي أكل المحرمات وورد ذلك في القرآن الكريم كقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} ومن هذه الآية المباركة خرج الفقهاء بقاعدة كلية تقول: ((الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرورة تقدر بقدرها)) والذي يتضح لي في هذا الموضوع أن الله تعالى الذي أباح أكل الميتة لتبقى الحياة لا يمنع من إباحة الاستدواء بها فإن ضرورة الدواء كضرورة الغذاء تبيح المحظورات ويزيد هذا القول قوة أن إباحة الأكل جازت خوفا من الهلاك ومثله العلاج نستعمله خوفا من الهلاك
والفقهاء القدامى منعوا من الانتفاع بلحم الإنسان على بني جنسه في أبواب الضرورة لا أبواب الأطعمة والضرورة في رأي الفقهاء تبيح التداوي بالمحرم إذا لم يوجد غيره من المباحات يقوم مقامه وعليه فهل الضرورة تبيح استقطاع أجزاء من جسم الإنسان أو جثة كوسيلة لعلاج إنسان آخر ؟
…ومن تقدم يحرم هذا العمل حتى للضرورة ومن جانب آخر يجيز الشافعية للمضطر أن ينتفع بأجزاء الآدمي سواء كان معصوم الدم أو مهدور الدم ….
ونتيجة لما تقدم من الحظر والإباحة بشروط كل منهما فهل إذا توافرت شروط الضرورة ورضاء الإنسان بأن يعطي عضوا من جسده إذا كان الهدف من ذلك لا يتعارض مع الكرامة الإنسانية والمصلحة أعظم من المفسدة فهل تنقلب الضرورة إلى إباحة أم لا ؟
أمام هذا الجواب عقبتان:
الأولى: دينية تتجسد في حرمة الآدمي وكرامته من ناحية وفي الضرر الذي يعود عليه من ناحية أخرى
والثانية: تتجسد في الطابع الفقهي لأنها تتصل بالوسيلة (العقود) التي يمكن بها نقل الانتفاع بأجزاء الآدمي إلى آخر غيره
فالعقبة الثانية لا تستوقفنا كثيرا لأن قضايا العقود تختلف من وقت لآخر بينما في العقبة الدينية لابد لنا من وقفة فإنه لما كان جسم الإنسان يتعلق فيه حقان: الأول: حق الله تعالى والثاني: حق الآدمي ولابد من معرفة إذن الشرع وإذن الآدمي كي نرتب عليهما جوابا نهائيا لهذه المسألة
فالله تعالى يقول: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} ففي هذه الآية الكريمة الدليل الواضح لحفظ المصالح الاجتماعية
ويقول تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فالتضحية من أجل الغير لها حدود تتقيد بها بشرط أن لا تؤدي إلى الهلاك أو الضرر والسنة النبوية قد عبرت عن الوحدة الإنسانية ومدى ارتباط المؤمن بأخيه فقال (ص)((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) فمن هذا الحديث الشريف يمكن أن نقول بصراحة: إن أجزاء المسلمين إذا نقلت إلى بعضها البعض دون ضرر للمعطي فإنها مباحة وليست من تغيير خلق الله؛ لأن المسلمين جسد واحد والأحكام الشرعية إنما جعلت لمصالح العباد فقد ترى الشيء لا مصلحة فيه فيمنع منه الشرع فإذا وجدت المصلحة فيه جاز”
والاستدلال بالحديث السابق استدلال خاطىء لو صح الحديث فالرجل اعتبر الجواز من إنسان لإنسان بينما الحديث يتحدث عن أن أعضاء الجسد تقاوم المرض الذى يصيب أحدها فهو تشبيه خاطىء
وأيضا لأن الحديث يتحدث عن التواد والرحمة والتعاطف وليس عن أخذ شىء من جسد لجسد أخر وإنما يتحدث عن عمليات نفسية
وتحدث عن شروط إباحة الاستقطاع من الجثة فقال:
“شروط إباحة الاستقطاع من الجثة:
– أن تكون حالة الضرورة واضحة بينة
– التحقق من موت الشخص المستقطع منه
– أن يكون قد أذن بذلك بدون مقابل في أثناء حياته أو رضي وليه بعد مماته
– أن تكون من مسلم إلى مسلم بناء على الحديث المتقدم
– أن يكون المعطي إنسانا بالغا عاقلا راشدا وله حق الرجوع متى شاء
– أن لا يتجاوز حالة الضرورة للقواعد الشرعية”
وبالقطع عند الضرورة وهى كون المصاب فى حادث محتاج على الفور لا يوجد إذن من أحد وأما المرضى المعروفين فليس ضرورة آنية
وتحدث عن الفتاوى فى الموضوع فقال :
“المبحث الثامن: فتاوى العلماء في هذه المسألة
انعقدت الدورة التاسعة لمجلس هيئة كبار العلماء في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية وكانت قد تقدمت سفارة ماليزيا بجدة بمذكرة تستفسر فيها عن حكم إجراء عملية جراحية على ميت مسلم لأغراض مصالح الخدمات الطبية كما جرى استعراض البحث المقدم في ذلك من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وتبين أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية
الثاني: التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة للوقاية منها
الثالث: التشريح للغرض العلمي تعلما وتعليما
وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليه أعلاه قرر المجلس ما يلي:
بالنسبة للقسمين – الأول والثاني – فإن المجلس يرى أن في إجازتهما تحقيقا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية ومفسدة انتهاك حرمة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك وأن المجلس لهذا يقرر بالإجماع إجازة التشريح لهذين الغرضين سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا
وأما بالنسبة للقسم الثالث وهو التشريح للغرض التعليمي فنظرا إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة فإن المجلس يرى جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة إلا أنه نظر إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتا كعنايتها بكرامته حيا وذلك لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص)قال: ((كسر عظم الميت ككسره حيا)) ونظرا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسير الحصول على جثث أموات غير معصومة فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر”
والخطأ فى هذا الكلام هو وجود جثث معصومين وغير معصومين وهو كلام يخالف الشرع فكل الجثث معصومة لا يجوز تشويهها أو التمثيل بها والمطلوب دفنها كلها سواء من كافر أو من مسلم
وفى نهاية البحث تحدث البطوش عن رأيه فقال :
“وبناء على ما تقدم فإنني أرى أنه لا مانع من إعطاء الأعضاء والتبرع بها وزرعها بشرط الضرورة الملحة والتحقق من الموت للمعطي بإذنه المسبق أو إذن وليه من مسلم إلى مسلم ومن غير المسلم لغير المسلم وبقدر الضرورة وليس من المسلم لغير المسلم أو لمهدور الدم كقاتل عمد أو مرتد أو زان محصن مستوجب للقصاص؛ لأن في هذا الأخير إعانة على الظلم والباطل …كما أنني لا أرى فتح الباب على مصراعيه أمام الناس في التبرع بالأعضاء بل بحسب الحاجة وعلى قدر الضرورة خشية أن ينقلب الأمر إلى امتهان كل جثة وهذا ليس من باب الضرورة في شيء لما فيه من تشويه الأموات وإن كان بإذن مسبق منهم ولكن يطلب العضو عند الحاجة إليه ولا بأس أن يكون عندنا الشيء اليسير من الأعضاء المحفوظة للحاجة الذي لا نضطر معه لطلب غيره فإنه لا ضرر ولا ضرار وإنه ليس من شك أن إفادة الناس بعضهم بعضا دليل على الكرامة الإنسانية وليس عكسها والله أعلم وأحكم”
ومما سبق نجد الرجل يبيح التبرع من الميت دون الحى وهو كلام صحيح ولكن حديثه عن دين المريض ودين المتبرع لا يصح فالعلاج هو للإنسان بغض النظر عن دينه ودولة المسلمين مسئولة عن علاج المعاهدين المقيمين فيها من باب القسط وهو العدل كما قال تعالى :
” لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *