نظرات فى كتاب وقفة مع مقلدي الموتي

المؤلف بشير حسين النجفي والكتاب هو اجابة على تساؤل عن حكم جواز تقليد الفقيه الميت والمراد العمل بفتاويه بعد أن مات وفى مقدمة الكتاب جاء الآتى:
“وبعد فقد کثر السؤال والقيل والقال، حول ما وصلت إليه قناعتي من عدم جواز تقليد الميت استدامة، کما لا يجوز ابتداء اتفاقا و لعل المنشأ في الحيص والبيص أن معظم أجلاء العصر، والذين ارتحلوا من الدار الفانية، والتحقوا بالذين سبقوهم إلي جنات الخلود واختار لهم الله سبحانه مرافقة الأبرار في دار أصفيائه، قد جوزوا البقاء علي تقليد الميت بشکل أو بآخر، بطريقة أو بأخري، و من ثم ألح علي بعض الأحبة أن ألخص له وجه عدم تمامية الوجوه التي دعت أولئک الأفاضل إلي اعتقاد جواز البقاء، فلبيت طلبه، متوکلا عليه سبحانه و منه التوفيق والتسديد”
واستهل النجفى الكتاب بأدلة المجوزين لتقليد المفتى الميت فقال :
“أدلة المجوزين:
اشارة
لا ينبغي الريب في أن مقتضي الأصل عدم اعتبار فتوي من لم يتم الدليل عليه کما هو شأن کل مشکوک الحجية؛ فإن مجهولها يلازم أو يستلزم الجزم بعدمها، أو بعدم تنجزها، أوان الشک فيها يساوق عدمها، فالمهم هنا الإيماء إلي مواضع الخلل في أدلة المجوزين واوجهها أمران:
الأول: استصحاب جوازه
المتقرر في حياة المفتي والإشکال عليه بزوال الاعتقاد الذي هو مصب التقليد و موضوع الجواز بالموت، بل عن الوحيد البهبهاني انمحاؤه لدي النزع متشبثا بأن الزوال بالموت أولي منه بالغفلة يشبه المصادرة؛ فإن الغفلة عبارة عن زوال الصورة عن العاقلة، والنسيان انمحاؤها عنها وعن الحافظة، علما بأن الموت عبارة عن انفصال النفس عن البدن أو عن تفرق الأجزاء- کما قيل- أو عن تفکک البنية، کما تشير إليه قصة إبراهيم (ص) و مشاهدة عزير (ص) أو عن فنائها مع أحد المذکورات، فأين هذا من الغفلة والنسيان؟ کما أن الإشکال بالغفلة لا يخلو عنها فإن العلم لا يزول معها، فلا تغفل
واما ما أفاده بعض العباقرة، من أن الجسم بما هو جسم، کل جزء منه يغيب عن الجزء الآخر، فضلا عن غيره، فلا معني لأن ينال شيئا ويدرکه، فتوهم کون النفس جسما سخيف جدا، أولا وأما کونها جسمانية، فنقول:
قد برهن عليه في محله أن العاقلة، بما هي مدرکة للکليات وبما هي عقل بالفعل، لا تحتاج إلي مادة جسمانية، لا في ذاتها و لا في فعلها، فالنفس في أول حدوثها، حيث إنها إنسان طبيعي بشري تحتاج إلي مادة جسمانية، لکنها عقل هيولاني، فإذا خرجت من القوة إلي الفعل و من المادية إلي الصورية، فلا محالة هي غير مرهونة بمادة، فهي بهذه المرتبة خارجة عن عالم المواد و دار الفساد؛ فلذا لا خراب لها بخراب البدن الخ
ففيه أن النزاع ليس في کونها مجردة أو جسمانية، وانما هو في بقاء الصورة القائمة بها أو حاصلة لديها بعد الموت، مع الالتزام بزوالها بالنسيان، بل بالغفلة علي قول، کما عرفت
وامکان تجردها بعد الرقي إلي عقل بالفعل لا يستلزم ضرورة البقاء، و لا سيما بعد اعتراف من جاوز تلک المرتبة وبلغ درجة المستفاد، بل فوقها خصوصا مع شهادة علام الغيوب لحصول النسيان لأولئک الأنفس القدسية
واما تصويب إمکان زوال الصور عن العاقلة، مع کون القضايا التي يدرکها المجتهد کلية، و قابلة للتجريد التام، بحيث تدخل في الکليات المجردة القائمة بالعاقلة، تارة بأن الأذهان المتعارفة تنتقل من الإحساس بالجزئيات إلي صورها الجزئية في الوهم والخيال، فهي مجردة عن المادة فقط، لا عن الخصوصيات والهيئات الحافة بالجزئيات المحسوسة، و مجرد قبول المدرکات للتجريد التام لا يجعلها مجردة داخلة في المعقولات الکلية الباقية ببقاء العاقلة، بل لا بد من إثبات تجرد قوتي الوهم والخيال الخ “
وكل ما سبق من الكلام كلام لا لزوم له فالنفس والجسم وها هما مادة أم لا وغير ذلك أمور لا علاقة لها بالمسألة موضوع الكتاب فالموضوع مفتى ميت وفتواه
ومع هذا استمر النجفى فى مناقشات فلسفية فارغة فقال :
“فغريب أولا: أن کلية القضية إنما هي لکلية الموضوع و عمومه لا من جهة النسبة الحکمية أو الحکم اللذين لا يتصور فيهما العموم أو الکلية و هما محل الکلام و ليس الموضوع أو المحمول وان کانا طرفيها، و من هنا التفرقة بين الأذهان المتعارفة و غيرها في غير محله
و ثانيا: کون المدرک جزئيا لا يلازم زوالها وفناءها فمعلومات المبادئ سرمدية، بلا فرق بين کليها وجزئيها وتارة أخري بأن آراء المجتهد، وان فرضت کلية قابلة للقيام بالعاقلة إلا أنها غالبا منبعثة عن مدارک جزئية من آية خاصة أو رواية مخصوصة لا قيام لهما إلا بغير العاقلة وتلک الآراء لا تکون حجة إلا إذا کانت مستندة إلي المدارک بقاء کما کانت حدوثا فکما أن قيامها بالمجتهد مع زوال مدارکها بالمرة يخرجها عن الحجية في حال حياته، کذلک إذا زالت مدارکها بزوال القوة المدرکة لها؛ لأن المفروض عدم تجرد ما عدا العاقلة المدرکة للکليات، فلا مناص من الالتزام بتجرد قوتي الوهم والخيال المدرکين للصورة الجزئية تجردا برزخيا الخ
و فيه أن الکلية في الأطراف لا تعني کلية الحکم والنسبة، کما عرفت مضافا إلي أن المدارک إنما تکون مناشئ للاعتقاد والحکم الحاصل لدي الفقيه
و يکفي في استمراره في نفسه العلم، أو ما يقوم مقامه بعدم رفع الشارع يده عن المنشأ، بل يکفي عدم العلم بالرفع
والي أن الآية أو الرواية إنما تشکل معدا للاعتقاد، والسبب فيه هو النظر والفکر بالتحليل والتقسيم والتنسيق والتحديد والبرهان
و من الواضح زوال تفصيل تلک الأمور، بل زوال أعيانها مع استمرار الاعتقاد، و لا جرم فيه، حيث التحقيق أن العلة المحدثة عالم الإمکان غير المبقية”
وكما سبق القول كل هذا الكلام هو تقعر يؤدى بالقارىء إلى الغموض لأنه ليس فيه كلمة من نصوص الوحى وإنما استنتاجات وبناء على قصور على الهواء
المسألة أساسا لا أساس لها فى الإسلام لأن الفتاوى المفترض أنها مبنية على المفتى وهو الله وهو قوله تعالى :
” يستفتونك قل الله يفتيكم”
والله حى لا يموت ومن ثم أى مفتى بناها مفتى بشرى على غير كلام الله فهة باطلة ميتة وأما كل ما بنى على كلام الله فهو حى يتم العمل به حتى لو مات قائله
ثم قال النجفى :
والتحقيق في تشخيص الموضوع و مصب الحجة علي المقلد فيه احتمالات:
منها: أنه ظنون المجتهد وادراکاته للحکم الواقعي، و عليه يحتمل بقاؤه، فيستصحب، و يترتب عليه جواز التقليد وانکشاف الواقع بالشهود؛ لأجل الورود علي الرب الودود، لا يضر؛ لأن انقلاب ظنه إلي القطع خروج من النقص إلي الکمال و من الضعف إلي القوة، أو من القوة إلي الفعل و في مثله لا يري البعض بأسا في التمسک بالاستصحاب، وان کان الحق خلافه مضافا إلي عدم شمول أدلة جواز التقليد للاعتقادات الحاصلة من طرق غير طبيعية
و منها: الاعتقاد من انکشاف الواقع بالمثول أمام الشارع والاطلاع علي حقيقة المجعول مع أن الموضوع في لسان الأدلة ذات الفقيه؛ فأن مفاد جميعها رجوع الجاهل إلي العالم، کما ستأتي الإشارة إليه
و منها: أن يکون مصب الحجة قطع المجتهد بالحکم الظاهري المماثل للواقعي، و عليه لا يبقي المجال، لتوهم الاستصحاب نظرا لانتفائه حتما، حتي مع الجزم ببقاء القوة المدرکة لانکشاف الحقائق، کما هي عليها المستلزم لارتفاع الحکم الظاهري من اندثار الشک في الواقع الذي هو موضوع الحکم الظاهري، والحکم المستفاد في الظاهر المطابق للواقع يزول القطع به أيضا؛ فإن الناشئ من الأدلة والنظر فيها غير الحاصل بالشهود، فافهم مضافا إلي بطلان المبني، فإن جعل الحکم المماثل في مورد الاستصحاب قد أوضحنا في محله فساده، بل لا وجه معقول لفرض الحکم الظاهري مقابل الواقعي المؤدي إلي نوع من التصويب
و منها: أن الموضوع نفس المجتهد، باعتبار الوصف العنواني حيثية تعليلة أو تقييدية و يبطل الثاني الجزم بدخالة الأوصاف النفسانية، کالملکة الاستنباطية والعدالة، سواء اعتبرناها ملکة، کما عليه المعظم أو فسرناها بنفس الاعتدال في السلوک والالتزام بجادة الصواب، کما استصوبه البعض، أوانها عبارة عن رسوخ العقيدة السليمة التي تبعث علي الالتزام بالطاعة والاجتناب عن المعصية و کذلک معظم الشرائط الملتزمة لدي المعظم في حجية الفتوي، کطهارة المولد، والذکورة، والإسلام، والإيمان، والحياة في التقليد البدائي المستدام”
هذا الكلام الفلسفى كله لايفهم القراء منه شىء ولا حتى العلماء لأنه كله خارج عن كلام الله مع أن المسألة تختص بكلام الله أساسا وهو الفتوى
ولخص النجفى كلامه فقال :
“ومجمل القول: مورد الاعتبار الشرعي، إما ذات الفقيه في زمان حصول إذعاناته المستحصلة من الأدلة الشرعية، أي وجوب تقليده في جميع أوقات حصول تلک الاعتقادات لديه، بحيث يکون الحکم مستندا إلي الذات، و تکون تلک الاذعانات مجرد طرف اجمالا، و لا يکون لها دخل أو تأثير في ثبوت الحکم، و هو واضح الفساد
واما أن تکون تلک الإذعانات شرطا من دون أن يکون لها مدخل في الحکم، بحيث يکون مصبه مجموع الذات، و تلک الاعتقادات فتکون جزء الموضوع و من المعلوم أن الموضوع بجميع أجزائه بالنسبة إلي محموله لا بشرط، و هو المعبر عنه لديهم بشرط الوصف، و لا يمانع من التعبير بالحيثية التقييدية بهذا المعني
واما أن يکون الموضوع نفس المجتهد؛ لأجل تلک الاعتقادات، فتکون منشأ للنسبة و علة لها و تدور مدارها و هو وان أمکن تصويره في الأحکام العرفية والعقلانية والعقلية، إلا أن تصويرها في الشرعيات لا يخلو من خفاء، نظرا إلي امتناع إسناد العلية في الأحکام الشرعية والمجعولات الإلهية إلي غيره سبحانه، والصدور ممن خول الأمر إليه منه سبحانه حقيقة مستند إليه تعالي؛ فإن فعل الوکيل أوالنائب في لبه مستند إلي الموکل والمنوب عنه، و ما يصدر من العبد المأمول المطيع بإرشاد المولي واستعباده منه؛ لمصلحته، و تحقيق غرضه مسند إليه
والعلة المادية الفاعلة والصورية لا معني لها؛ اذ ليس وجوب التقليد- بمعني النسبة الحکمية- مؤلفا من تلک الاعتقادات و ذات الفقيه، و لا يشکل شي ء منهما هيئته أو فعليته، و کونها غاية واضح المنع؛ إذ المعتبر فيها التقدم علي ذيها في التصور علي أن تکون متممة لفاعلية الفاعل، والتأخر عليه في الوجود الخارجي أو في النفس الأمري و من الضروري فقدان کلا الشقين في المقام، و علي هذا الأساس و غيره لم استشنعنا من بعض الأجلة التعبير بالعلة عن الموضوع مضافا إلي أنه ليس في لسان الأدلة ما يشير إلي العلية بنحو من الأنحاء “
للأسف الشديد أنا لم أفهم شىء ولا أظن القراء فهموا شىء لأن الكلام فى موضوع دين ومع ذلك فكل ألفاظ النجفى فلسفية محضة
ويقرر النجفى أن الاذعانات موضوع ثم يعود فيناقض نفسه قائلا أنها ليست موضوع فيقول:
“نعم لا بأس في الالتزام بأن وجود هذه الإذعانات تخلق في الفقيه قابلية واهلية، لأن يکون موضوعا
ثم النظرة الشمولية في أکناف الأدلة تبعثک علي الجزم بأنه ليس الموضوع نفس تلکم الإذعانات بوحدها”
ثم قال:
” فمثل قوله تعالي: «فسئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون» وقوله
«فلو لا نفر من کل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم»
وقوله :
«انظروا إلي رجل منکم يعلم شيئا من قضايانا و عرف أحکامنا الخ»
وقوله :
«أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليکم وانا حجة الله عليهم»
وقوله :
«فأما من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه»
وهو القدر المستفاد من الأوامر بإرجاع العوام إلي أحاد الأصحاب، مثل:
«لا أکاد أصل إليک أسألک عن کل ما أحتاج إليه من معالم ديني فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ منه ما أحتاج من معالم ديني فقال: نعم»
و قال علي بن المسيب الهمداني قلت للرضا شقتي بعيدة و لست أصل إليک في کل وقت فممن آخذ معالم ديني؟ قال من زکريا بن آدم القمي، المأمون علي الدين والدنيا
و قوله لأبان بن تغلب: اجلس في مجلس المدينة وافت الناس فإني أحب أن يري في شيعتي مثلک
و هذه النصوص کما تري تنادي بما لا يبقي معه مجال للامتراء بأن الموضوع ليس نفس المعتقدات، وان ذات الفقيه بوصفه العنواني مصب الحکم”
فى الفقرة السابقة يبدو الأمر مفهوما لأنه بنى أدلته على كلام هو من الدين وكلام أخر يعتبره الشيعة من الدين وهو الأخذ عن المفتين
ومع ذلك أنهى كلامه بعبارة فلسفية تثير الشكوك والأقاويل فاعتبر الموضوع ليس المعتقد واعتبر ذات الفقيه هى مصب الحكم وهذا الكلام لإذا ناقشنا مثلا جزئه الأخير لوجدناه غير الحقيقة فمثلا الفتوى تكون موجودة بعد موت الفقيه فكيف تكون جزء من ذاته وهو فنى وهى لم تفنى
وعاد للكلام الفلسفى مرة أخرى فقال :
“ودعوي أن الاعتقادات المستندة إلي الفقيه موضوع، لا ينبغي أن يصغي إليها؛ فإن تجريد العنوان عن المعنون بالنظر إلي ما هو المستفاد من الاستدلال بمثل التوقيع الرفيع، و مقبولة عمر بن الحنظلة، و رواية الاحتجاج (مع ملاحظة أن نظر المعنون بما له من الصلاحية الفکرية في شئون المرجعية الملازمة لاعتبار فتواه في حقه حق غيره) مما لا يرجع إلي محصل
کما أن اعتبار الصفات النفسانية، کالصون و مخالفة الهوي و غيرها عليه يصبح بمعزل عن مصب الحکم
واما السيرة العقلانية الارتکازية، حيث إن الملموس منه الالتزام برجوع الجاهل إلي العالم في کل صنعة و حرفة، و في کل ما يتعلق بالمعاش والمعاد والدين والدنيا، مع الإمضاء من المولي المکتشف من عدم الردع، مع تمکنه منه سادات المجتمعات علي اختلاف صنوفها وعاداتها ومشاربها وطبائعها، مما يدفع الناظر إلي الجزم بالإمضاء، فهي أيضا لا تفيد الخصم؛ فإن المسلم والقدر المعترف من مواردها، إنما هو الرجوع إلي نظر أهل الخبرة والاطلاع في کل مورد، و ما يتراءي من الاستمرار في استعمال الدواء الذي وصفه الطبيب، مع فقدانه الحياة إنما هو مثل تنفيذ الحکم الصادر من القاضي بعد موته، والالتزام بالعيد، و نحوه مع موت الحاکم بعيد الحکم، فتأمل تعرف مدي الخلط في الکلمات؛ فإن النظر الذي هو اساس الوصفة، و نحوها الموضوع فيه قد افتقد وهو عبارة عن النقوش الحاکية عن الحاکي المرتکز في ذهن الطبيب المتعلق بموضوع شخصي خارجي، وهو لدي العقلاء، کالخبر الحاکي عن الموضوعات التي يجب الالتزام بمفاده، ما لم يردع عنه ساطع البرهان، بخلاف نقوش الفتوي الحاکية عن الحاکي عن النظريات الناشئة عن النظر والفکر، هذا مضافا إلي ان المسلم لدي الخاصة عدم جواز تقليد الميت ابتداء، بحيث أصبح من سماتهم فإن کان الموضوع نفس الإذعانات، فلا وجه للعدول عن اعتقادات أعلم الموتي إلي غيره من الموتي والأحياء والتثبت بالإجماع بمثابة اعتراف الخصم بالهزيمة؛ فإن المسألة لم تعنون في کلمات القدماء، و دعواه في مثله يشبه استعانة الغريق بالحشيش
ثم ان دعوي بقاء الإذعان الذي هو فعل من أفعال النفس لا ترجع إلي معني محصل؛ فإنه آني فاني والتخلص بأن الموضوع إدراک الاعتقاد، أو الإذعان لا يتم؛ لأنه لا يختص بالمعتقد والالتزام بالتقيد بالمعتقد يعيد الإشکال کما أنه مع فنائه يصبح جهلا مرکبا کما أنه عدول عما هو معني الاجتهاد”
وأما رأى النجفى فهو عدم العمل بفتاوى الموتى من العلماء وهو قوله:
“ومع التنزل عن الکل و دعوي شمول السيرة لصورة الخلاف بين الحي والميت الذي هو مورد البحث والابتلاء ما لا دليل عليه، بل الدليل علي العدم ودليل الانسداد لو تم، فالمتيقن منه لزوم العمل باعتقادات الحي، کما أنه لا وجه للعمل بالظن بمطابقة الإذعانات المستصحبة مع توفر الظن بمصادفة الاعتقادات الفعلية فإنه يفتقر إلي حجة أخري غير دليل الانسداد، مضافا إلي أن دليل الانسداد لا يتم في حق المقلد؛ لعجزه عن إحراز انسداد الباب العلمي لتوقفه علي الفحص عن الدليل الخاص علي اعتبار طريق غير الظن يمکنه من إحراز الأمان من العقاب علي مخالفة الواقع المجهول وکفاية فحص الفقيه نيابة عنه لا دليل عليها علي أن القدر المتيقن هو ما إذا قام الحي بالفحص، والاکتفاء بفحص الميت دوري، ومضافا إلي أن مسألة التقليد ليست تقليدية والا لزم الدور أيضا وايضا کيف يحصل للمکلف الظن بمطابقة ظن الميت للواقع مع مخالفته لظن الحي و لا سيما إذا کان أعلم من الميت”
وهنا يثير النجفى شكوكا لا أصل لها فالفتوى التى سبق أن قالها الميت هى فى موضوع محدد فإن كان للحى شىء مخالف فهو موضوع أخر لأن الفتوى لا تتغير أساسا فى أى مكان أو زمان طالما كانت صورتها واحدة
وعاد للحديث الغامض مرة أخرى مؤكدا على فتوى الحى فقال :
“الأمر الثاني: التشبث بالإطلاقات،
مثل الآيات والروايات المتقدمة، بتوجيه أنها وان کانت ظاهرة بل صريحة في أن المسئول منه هو الحي، غير أنها مطلقة من جهة أنه لا ظهور لها في توقف وجوب الحذر ووجوب القبول بعد الجواب والاعتماد بعد إظهار الرأي علي حياة المنذر والمجيب، حال التحذر والقبول
و فيه مع قبول ما ذکر ان المنصرف إليه في تلک النصوص وجوب القبول والتحذر، والاعتماد والتقليد لمن يتمکن من الجواب والتحذير والإنذار ويصلح للاعتماد عليه والتقليد والميت لا يصلح لشي ء منه، ودعوي الجزم مصادرة، مضافا إلي توقف شمول الإطلاقات علي ثبوت الرأي لدي العمل أو الالتزام، و قد عرفت ما فيه
و لا يخفي أيضا أن إمکان تقيد النصوص بمثل قوله: اعمل علي طبق الاعتقاد السابق الزائل، لا يغني شيئا؛ فإن الحکم بجواز التقليد يتطلب فعلية الرأي، بل بناء علي التقليد، بالعمل و لو بنحو اتخاذه رکنا أو قيدا منه تفسير کان کل فعل و کل عمل حين حصوله تقليدا مستقلا و رجوعا مستأنفا من العامي إلي الفقيه، فلا بد من تقدير وجود الرأي والاعتقاد حين العمل دائما، فاقض عجبا ممن يفسره بنفس العمل ثم يتمسک بالإطلاق
ثم لا ينبغي الشک في أن الخلط بين حجية الفتوي و حجية الخبر دفع بعضهم إلي الالتزام بجواز البقاء مع الاعتذار عن عدم جوازه في الابتداء بالإجماع
و مما يدفع الإطلاق في المقام ان مورد البحث ما إذا اختلف الحي مع الميت في الفتوي وقد قرر عدم شمول أدلة الاعتبار مع الاختلاف
وايضا إن المقصود إما الإطلاق من حيث الأحوال، واما من وجهة الأفراد والثاني يتوقفعلي أخذ الزمان قيد، و هو مع عدم ملائمته مع الذوق ما لم يقيم عليه دليل خاص يمنع من الاستصحاب فالجمع بينهما من الغرائب، واما الأول، فيتوقف علي اعتبار الموت والحياة من الطوارئ، و فيه مع ما عرفت أنهما من الوجود والعدم، والکون والسلب، والأيس والليس”
وانتهى النجفى إلى قباحة العمل بفتاوى العلماء الموتى فقال :
“ومن هنا تعرف شناعة الاعتقاد بجواز تقليد الميت ابتداء الذي يناسب مباني المصوبة، حيث إن نظريات الفقيه حينئذ باقية کبقاء الشرع؛ لأنها مجعولات شرعية، وبطلان المبني والمبتني عليه يدفع إلي الاعتقاد بخراب البناء”
والنجفى بهذا البحث يقضى تماما على المذهب الشيعى فبناء عليه لا يجب على أى شيعى العمل بفتاوى أئمته الاثنا عشر أو أمثالهم لأنهم موتى ومن ثم كل علماء الشيعة الموتى يجب حرق كتبهم وفتاويهم ورميها فى المزابل لأنها مخالفة لمقولة النجفى بعدم جواز ألأخذ بفتاوى الموتى
بالقطع الدين دين الله والمفتى هو الله وكل عالم حى أو ميت أخذ بكلام الله فى فتواه ففتواه يجب العمل بها وفى النهاية لن تختلف الفتاوى فى الموضوع الواحد وإن أفتى فيها الآلاف لأنهم يأخذون عن مصدر واحد ومن ثم الحكم سيكون واحد هذا لو كان العلماء كلهم من أهل الذكر الحقيقى وأما إن كانوا من أهل الرواية والرأى فلابد أن يختلفوا وهم لن يعبروا باختلافهم عن دين الله وإنما يعبرون عن أديان مختلفة اخترعها الكفار ونسبوها لمسلمين وهم يقلدون تلك الأديان المخترعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *