الخطيب عبد الله بن عبده نعمان العواضي والخطبة تدور حول التشاؤم فى حياتنا وقد استهل العواضى خطبته بالمقدمة التقليدية التى حذفتها ثم دخل على الهدف من خلق الكون والناس فقال :
“أما بعد:
فاتقوا الله-عباد الله- فتقوى الله بها السعادة والفلاح، والظفر والنجاح، واليُمن والنجاة، والطمأنينة والحياة، فحُقَ للتقوى أن تكون وصيةَ رب العالمين إلى الأولين والآخرين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} [النساء 131].
أيها الناس، اعلموا أن الله تعالى خلق الإنس والجن ليعبدوه وحده لا شريك له الذي شهدت بوحدانيته مخلوقاته، ونطقت بتفرده أفعاله وصفاته، أطاعه كل شيء وخضع، وسجد له وركع، ما عدا الكثرة الكاثرة من الجن والإنس.
فواعجباً كيف يُعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية … *** … تدل على أنه الواحد
لقد كان توحيد الله تعالى عنوان رسالة الأنبياء ومفتتَح دعوتهم بين قومهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل 36].
فسعد من أقوام الرسل من آمن ووحد، وشقي من أشرك وتمرد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا) “
ومع تركيزه على موضوع التوحيد دخل فى مقولة أن الكون لا يحدث فيه شىء من غير مشيئة الله فقال :
“أيها المسلمون، إن توحيد الله تعالى يقتضي أن لا يجري شيء في الكون إلا بمشيئة الله تعالى، ومشيئة الله تنفذ في عباده، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشاء لم يكن. فالخلق خلقُه والملك ملكه، فمن ذا الذي يقدر أن يصنع شيئاً لم يرده الله، أو يمحو شيئاً أراده الله؟! لا يخرج شيء عن علم الله وقدرته، وما من شيء إلا قد سبق به علمه وخطه قلمه، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد 22].”
وقد تحدث عن التطير والتشاؤم وأنهما من مخالفات توحيد الله فقال :
“عباد الله، لما ضعف في قلوب بعض المسلمين توحيدهم لربهم، ومعرفتهم بكماله في حسن صفاته وفعاله، وإحاطته بكل شيء علما، وحمايته لكل من وحده باللجوء والضراعة دوما، صدرت منهم أفعال تكشف عن هذا الضعف الكثيف.
ومن تلك الأفعال المشينة: التطير والتشاؤم ببعض المسموعات والمرئيات، ومرور بعض الأزمان والأوقات، وهذه عادة مقيتة وترِكة سيئة ورثتها الجهالة عن الجاهلية، وتلقاها ضعفاء القلوب عن ضُلال الدروب.”
وحدثنا عن عادات ما قبل عهد النبوة الأخير من التطير فقال :
“فقد كان من عادة الجاهليين الاعتماد على الطير إقداماً وإحجاما، فإذا عزم أحدهم على أمر كنكاح أو سفر أو غير ذلك زجر الطير ونظر جهة طيرانه، فإن طار يمنة تيمن به ومضى في قصده بنشاط، وإن طار يسرة تشاءم به ورجع. وربما كان أحدهم يهيج الطير فيعتمده، فما ولى المتطيرَ ميامنه سموه السوانح، وما ولاه مياسره سموه البوارح.
وقد كانوا يتشاءمون-أيضاً- بالأيام والأوقات، فتشاءموا بشهر شوال قليلاً وشهر صفر كثيرا. فيقعدون عن قضاء سفرهم أو زواجهم حتى تخرج أيام هذين الشهرين.
ومن صور تشاؤمهم: التشاؤم بالنجوم بطلوع نجم أو خفوته أو تغير بعض ملامحه.
ولم يقف بهم الخور عند هذا الحد بل صاروا يتشاءمون ببعض المرئيات وبعض المسموعات.
فإذا رأوا الغراب أو سمعوا نعابه تطيروا، وربما كان حالهم كما قال بعضهم:
إذا نعب الغراب وقال خيراً*** فأين الخير من وجه الغراب؟!
وإذا هبط البوم على البيوت كانوا يزعمون أنه إذا قتل القتيل صارت عظامه هامة أي: بومة تطير وتصرخ حتى يؤخذ بثأره، وليس صوت البوم الصوتَ الطبيعي، وربما اعتقد بعضهم أنها روحه، أو يقولون-إذا وقعت على بيت أحدهم: إنها تنذر بموت أحد من أهل البيت. “
وهذه العادات لا ترتبط بعصر ما وإنما قد توجد فى عصور متعددة مثل عصرنا فما زال الناس يتشاءمون من الغراب ولا يتزوجون فى أيام او شهور معينة
وتحدث العواضى عن محاربة الإسلام لتلك العادات فقال :
“عباد الله، لا عجب أن تكون هذه المعتقدات المنحرفة عند أهل الجاهلية؛ فهم أهل الحيرة عن الرشاد، والضلال عن طريق السداد، لكن العجب أن تبقى بعض هذه الاعتقادات لدى بعض المسلمين إلى اليوم.
إن دين الإسلام حينما بزغ نوره خلع تعلق القلوب بغير خالقها وردها إلى التعلق بالذي بيده كل شيء، فنهى عن هذه الخرافات التي تقوم على شفا جرف هار، معتمدة على ضعف الدين وكثرة الجهل والاضطراب الداخلي، بدلاً من قوة اليقين، وجلاء الحقيقة، وسطوع ضياء العلم.
فعندما كان أهل الجاهلية يبنون إقدامهم أو إحجامهم في الأمور على الاستقسام بالأزلام جاء الإسلام بصلاة الاستخارة. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: (إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني. قال: ويسمي حاجته) “
وبالقطع لا يوجد فى الإسلام ما يسمى الاستخارة لأن نتيجتها لا تظهر فى صورة وحى من الله يقول افعل أو لا تفعل وإنما لا يوجد أى شىء يوحى بأن الله اختار كذا أو كذا وكل ما يعتمدون عليه هو الأحلام أو كلمات تصدر من هذا أو ذلك وهو نفسه ما كان يفعله الجاهليون
الموجود فى الإسلام هو التخطيط مع اتخاذ القرار المرتبط بقول إن شاء الله كما قال تعالى :
“ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله “
لقد شرع الله ألأخذ بالأسباب والتفكير ولم يشرع شىء اسمه الاستخارة التى لا فائدة منها لأن الوحى الإلهى لم يعد ينزل حتى يعرف المستحير ما يفعله أو ما لا يفعله
وذكر الرجل أن التوكل على الله وهو الأخذ بالأسباب هو ما شرعه الله وأن بعض الجاهليين أنكروا التطير فقال :
“ولما كان أهل الجاهلية يعتمدون في السعود والنحوس على زجر الطير أمر الإسلام المسلم بالتوكل على الله تعالى، وفعل الأسباب المشروعة لذلك المقصود.
قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق 3].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)
معشر المسلمين، إننا عندما ذكرنا هذه الانحرافات عن أهل الجاهلية فإن ذلك لا يعني إطباق جميعهم على ذلك، فهناك من أنكر التشاؤم والتطير وتمدح بتركه له، قال أحدهم:
الزجر والطير والكهان كلهمُ*** مضللّون ودون الغيب أقفال
وقال آخر:
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى*** ولا زاجرات الطير ما الله صانع
سلوهن إن كذبتموني متى الفتى *** يذوق المنايا أو متى الغيث واقع”
وحدثنا ‘ن أن عادات التطير ما زالت موجودة فى المجتمعات الحالية فقال :
“إن مما يؤسف له-يا عباد الله- أن تبقى هذه المعتقدات الضالة لدى بعض المسلمين، بحيث صار عندهم نظرة سوداوية إلى بعض الأحوال والأزمان كشهرنا هذا شهر صفر.
أو ينظر بعضهم في النجوم عند إرادة الزواج أو غيره، أو ينظر في البروج التي تعرض في بعض المجلات مبينة سعود ذلك الشهر ونحوسه، أو يقلبون أوراق عداد العام لينظروا حظوظهم، فسبحان الله كيف تضل العقول وقد تبدى لها نور الطريق المستقيم!.”
وتحدث عن إبطال الإسلام التطير وهو التشاؤم فقال:
“أيها العقلاء الكرام، إن الإسلام دين يحترم الحقيقة وينفي الوهم والخرافة، ويقدر العقل ويرمي السفه والجهل، والتطير والتشاؤم من ذلك المتروك غير المحترم؛ لأنها ظنون لا تقوم على يقين ولا تستقر على أرض الحقيقة.
ولهذا أبطل ديننا هذا العدول عن الحق وجعل اعتقادها أو فعلها من الشرك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، ثلاثا، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل)
وإنما جعلت الطيرة من الأمر المنكر لكون المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غيره، ولأنه اعتمد على تخييل ووهم لا على حقيقة، فأي رابطة بين هذا الأمر وبين ما يحصل له؟!، ولأن التطير من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، وذلك بتعلق القلب به خوفاً وطمعا، واعتقاد النفع والضر في طائر لا علم عنده ولا قصد.”
وتحدث عن أن علاج التطير هو التوكل على الله وهو الأخذ بالأسباب وهو التفكير والتخطيط للمستقبل لاتخاذ القرار فى أى موضوع ومن ضمن ذلك مشاورة المسلمين كما قال تعالى :
” وشاورهم فى الأمر”
وقال:
“وأمرهم شورى بينهم”
وحدثنا عن كون التطير ذنب له كفارة فقال :
“إن التطير ذنب وكفارته ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك) قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: (أن يقول أحدهم: اللهم لا خير الا خيرك، ولا طير الا طيرك، ولا إله غيرك)”
والحديث باطل لأن أول شىء للتكفير عن أى ذنب هو الاستغفار كما قال تعالى :
“ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما”
وأما الكفارة فلم يذكر لفظ الكفارة فى القرآن إلا مع عقوبة مالية كالعتق واطعام المساكين أو عقوبة جسمية كالصوم
وحدثنا الرجل عن كون النهى عن التشاؤم فيه مصلحة أو دفع مضرة فقال :
“عباد الله، إن الله تعالى لا ينهى عن فعل شيء إلا وفي تركه مصالح وفي فعله مفاسد عاجلة وآجلة. فالتشاؤم ينافي الإيمان والتوكل، ويبرهن على ضعف العقل واضطراب النفس، ويسوق إلى الفشل والوساوس، وضيق العيش. قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه) “
وتحدث عن تطير الناس فى القرآن فقال :
” عباد الله، إن كان للتشاؤم مكان يصح أن يكون فيه فإنه بالذنوب والمعاصي؛ فإن لها شؤماً يرفع النعم ويستنزل النقم، ويكدر العيش ويُظلِم النفس، قال الله تعالى عن أصحاب القرية التي جاءها المرسلون: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} يس [18 – 19].
قال بعض المفسرين: طائركم معكم أي: هو ما معكم من الشرك والشر المقتضي لوقوع المكروه والنقمة وارتفاع المحبوب والنعمة.”
والتطير فى قول القرآن هو اتهام للغير بأنهم السبب فى الضرر الحادث بهم دون أن يكون سببا فعليا وهو يخالف معنى التنطير المهروف نوعا ما فهو :
نسبة الضرر لغير فاعله
وقد أثبت الله أن الطائر وهو الضرر الحادث لهم سببه أعمالهم وليس غيرهم
وذكر قول أحدهم فى شؤم الذنوب فقال :
“قال بعض السلف وقد شكي إليه بلاء وقع في الناس: ما أرى ما أنتم فيه إلا بشؤم الذنوب.”
وبالقطع ليس كل الضرر بسبب الذنوب لأن الابتلاءات قد تكون دون ذنب ارتكبه البعض فمثلا المسلمون عذبوا بسبب الخير وهو إسلامهم
وحدثنا الرجل عن العودة للتوحيد مستبعدا التطير والسعود فكلاهما محرم كالأخر فقال :
“فيا أيها الناس، حافظوا على توحيدكم من شوائب الشرك، وعلى عقولكم من هجوم الخرافة، ووثقوا صلتكم بالله بحسن الظن به وقوة التوكل عليه، واليقين بأنه لا يحدث شيء في الحياة إلا بقضاء الله وقدره، وكونوا متفائلين بالأشياء الطيبة، وبالأعمال الصالحة، فالأيام أيام الله والزمان زمانه يصرفه خالقه تعالى وحده، والسعود والنحوس نتائج كسب الجوارح لا بالسوانح ولا بالبوارح، فما للمسلم والتشاؤم بعد هذا؟!
وصدق من قال:
طيْرة الناس لا تردُّ قضاء*** فاعذر الدهر لا تشبه بلوم
أيَّ يوم تخصه بسعود *** المنايا ينزلن في كل يوم
ليس يومٌ إلا وفيه سعود *** ونحوس تجري لقوم فقوم”
وختم العواضى خطبته بما يناقض استبعاده السعود وهو التفاؤل بوجوب الصلاة على سيد المتفائلين فقال :
“هذا وصلوا على سيد المتوكلين المتفائلين “
فالتفاؤل مثله مثل التشاؤم وهو التطير نسبة شىء لغير فاعله أو عدم ألأخذ بالأسباب واتباع كلمة هنا أو هناك أو حلم أو ما شابه
“أما بعد:
فاتقوا الله-عباد الله- فتقوى الله بها السعادة والفلاح، والظفر والنجاح، واليُمن والنجاة، والطمأنينة والحياة، فحُقَ للتقوى أن تكون وصيةَ رب العالمين إلى الأولين والآخرين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} [النساء 131].
أيها الناس، اعلموا أن الله تعالى خلق الإنس والجن ليعبدوه وحده لا شريك له الذي شهدت بوحدانيته مخلوقاته، ونطقت بتفرده أفعاله وصفاته، أطاعه كل شيء وخضع، وسجد له وركع، ما عدا الكثرة الكاثرة من الجن والإنس.
فواعجباً كيف يُعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية … *** … تدل على أنه الواحد
لقد كان توحيد الله تعالى عنوان رسالة الأنبياء ومفتتَح دعوتهم بين قومهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل 36].
فسعد من أقوام الرسل من آمن ووحد، وشقي من أشرك وتمرد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا) “
ومع تركيزه على موضوع التوحيد دخل فى مقولة أن الكون لا يحدث فيه شىء من غير مشيئة الله فقال :
“أيها المسلمون، إن توحيد الله تعالى يقتضي أن لا يجري شيء في الكون إلا بمشيئة الله تعالى، ومشيئة الله تنفذ في عباده، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشاء لم يكن. فالخلق خلقُه والملك ملكه، فمن ذا الذي يقدر أن يصنع شيئاً لم يرده الله، أو يمحو شيئاً أراده الله؟! لا يخرج شيء عن علم الله وقدرته، وما من شيء إلا قد سبق به علمه وخطه قلمه، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد 22].”
وقد تحدث عن التطير والتشاؤم وأنهما من مخالفات توحيد الله فقال :
“عباد الله، لما ضعف في قلوب بعض المسلمين توحيدهم لربهم، ومعرفتهم بكماله في حسن صفاته وفعاله، وإحاطته بكل شيء علما، وحمايته لكل من وحده باللجوء والضراعة دوما، صدرت منهم أفعال تكشف عن هذا الضعف الكثيف.
ومن تلك الأفعال المشينة: التطير والتشاؤم ببعض المسموعات والمرئيات، ومرور بعض الأزمان والأوقات، وهذه عادة مقيتة وترِكة سيئة ورثتها الجهالة عن الجاهلية، وتلقاها ضعفاء القلوب عن ضُلال الدروب.”
وحدثنا عن عادات ما قبل عهد النبوة الأخير من التطير فقال :
“فقد كان من عادة الجاهليين الاعتماد على الطير إقداماً وإحجاما، فإذا عزم أحدهم على أمر كنكاح أو سفر أو غير ذلك زجر الطير ونظر جهة طيرانه، فإن طار يمنة تيمن به ومضى في قصده بنشاط، وإن طار يسرة تشاءم به ورجع. وربما كان أحدهم يهيج الطير فيعتمده، فما ولى المتطيرَ ميامنه سموه السوانح، وما ولاه مياسره سموه البوارح.
وقد كانوا يتشاءمون-أيضاً- بالأيام والأوقات، فتشاءموا بشهر شوال قليلاً وشهر صفر كثيرا. فيقعدون عن قضاء سفرهم أو زواجهم حتى تخرج أيام هذين الشهرين.
ومن صور تشاؤمهم: التشاؤم بالنجوم بطلوع نجم أو خفوته أو تغير بعض ملامحه.
ولم يقف بهم الخور عند هذا الحد بل صاروا يتشاءمون ببعض المرئيات وبعض المسموعات.
فإذا رأوا الغراب أو سمعوا نعابه تطيروا، وربما كان حالهم كما قال بعضهم:
إذا نعب الغراب وقال خيراً*** فأين الخير من وجه الغراب؟!
وإذا هبط البوم على البيوت كانوا يزعمون أنه إذا قتل القتيل صارت عظامه هامة أي: بومة تطير وتصرخ حتى يؤخذ بثأره، وليس صوت البوم الصوتَ الطبيعي، وربما اعتقد بعضهم أنها روحه، أو يقولون-إذا وقعت على بيت أحدهم: إنها تنذر بموت أحد من أهل البيت. “
وهذه العادات لا ترتبط بعصر ما وإنما قد توجد فى عصور متعددة مثل عصرنا فما زال الناس يتشاءمون من الغراب ولا يتزوجون فى أيام او شهور معينة
وتحدث العواضى عن محاربة الإسلام لتلك العادات فقال :
“عباد الله، لا عجب أن تكون هذه المعتقدات المنحرفة عند أهل الجاهلية؛ فهم أهل الحيرة عن الرشاد، والضلال عن طريق السداد، لكن العجب أن تبقى بعض هذه الاعتقادات لدى بعض المسلمين إلى اليوم.
إن دين الإسلام حينما بزغ نوره خلع تعلق القلوب بغير خالقها وردها إلى التعلق بالذي بيده كل شيء، فنهى عن هذه الخرافات التي تقوم على شفا جرف هار، معتمدة على ضعف الدين وكثرة الجهل والاضطراب الداخلي، بدلاً من قوة اليقين، وجلاء الحقيقة، وسطوع ضياء العلم.
فعندما كان أهل الجاهلية يبنون إقدامهم أو إحجامهم في الأمور على الاستقسام بالأزلام جاء الإسلام بصلاة الاستخارة. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: (إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني. قال: ويسمي حاجته) “
وبالقطع لا يوجد فى الإسلام ما يسمى الاستخارة لأن نتيجتها لا تظهر فى صورة وحى من الله يقول افعل أو لا تفعل وإنما لا يوجد أى شىء يوحى بأن الله اختار كذا أو كذا وكل ما يعتمدون عليه هو الأحلام أو كلمات تصدر من هذا أو ذلك وهو نفسه ما كان يفعله الجاهليون
الموجود فى الإسلام هو التخطيط مع اتخاذ القرار المرتبط بقول إن شاء الله كما قال تعالى :
“ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله “
لقد شرع الله ألأخذ بالأسباب والتفكير ولم يشرع شىء اسمه الاستخارة التى لا فائدة منها لأن الوحى الإلهى لم يعد ينزل حتى يعرف المستحير ما يفعله أو ما لا يفعله
وذكر الرجل أن التوكل على الله وهو الأخذ بالأسباب هو ما شرعه الله وأن بعض الجاهليين أنكروا التطير فقال :
“ولما كان أهل الجاهلية يعتمدون في السعود والنحوس على زجر الطير أمر الإسلام المسلم بالتوكل على الله تعالى، وفعل الأسباب المشروعة لذلك المقصود.
قال الله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق 3].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)
معشر المسلمين، إننا عندما ذكرنا هذه الانحرافات عن أهل الجاهلية فإن ذلك لا يعني إطباق جميعهم على ذلك، فهناك من أنكر التشاؤم والتطير وتمدح بتركه له، قال أحدهم:
الزجر والطير والكهان كلهمُ*** مضللّون ودون الغيب أقفال
وقال آخر:
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى*** ولا زاجرات الطير ما الله صانع
سلوهن إن كذبتموني متى الفتى *** يذوق المنايا أو متى الغيث واقع”
وحدثنا ‘ن أن عادات التطير ما زالت موجودة فى المجتمعات الحالية فقال :
“إن مما يؤسف له-يا عباد الله- أن تبقى هذه المعتقدات الضالة لدى بعض المسلمين، بحيث صار عندهم نظرة سوداوية إلى بعض الأحوال والأزمان كشهرنا هذا شهر صفر.
أو ينظر بعضهم في النجوم عند إرادة الزواج أو غيره، أو ينظر في البروج التي تعرض في بعض المجلات مبينة سعود ذلك الشهر ونحوسه، أو يقلبون أوراق عداد العام لينظروا حظوظهم، فسبحان الله كيف تضل العقول وقد تبدى لها نور الطريق المستقيم!.”
وتحدث عن إبطال الإسلام التطير وهو التشاؤم فقال:
“أيها العقلاء الكرام، إن الإسلام دين يحترم الحقيقة وينفي الوهم والخرافة، ويقدر العقل ويرمي السفه والجهل، والتطير والتشاؤم من ذلك المتروك غير المحترم؛ لأنها ظنون لا تقوم على يقين ولا تستقر على أرض الحقيقة.
ولهذا أبطل ديننا هذا العدول عن الحق وجعل اعتقادها أو فعلها من الشرك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، ثلاثا، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل)
وإنما جعلت الطيرة من الأمر المنكر لكون المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غيره، ولأنه اعتمد على تخييل ووهم لا على حقيقة، فأي رابطة بين هذا الأمر وبين ما يحصل له؟!، ولأن التطير من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، وذلك بتعلق القلب به خوفاً وطمعا، واعتقاد النفع والضر في طائر لا علم عنده ولا قصد.”
وتحدث عن أن علاج التطير هو التوكل على الله وهو الأخذ بالأسباب وهو التفكير والتخطيط للمستقبل لاتخاذ القرار فى أى موضوع ومن ضمن ذلك مشاورة المسلمين كما قال تعالى :
” وشاورهم فى الأمر”
وقال:
“وأمرهم شورى بينهم”
وحدثنا عن كون التطير ذنب له كفارة فقال :
“إن التطير ذنب وكفارته ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك) قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: (أن يقول أحدهم: اللهم لا خير الا خيرك، ولا طير الا طيرك، ولا إله غيرك)”
والحديث باطل لأن أول شىء للتكفير عن أى ذنب هو الاستغفار كما قال تعالى :
“ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما”
وأما الكفارة فلم يذكر لفظ الكفارة فى القرآن إلا مع عقوبة مالية كالعتق واطعام المساكين أو عقوبة جسمية كالصوم
وحدثنا الرجل عن كون النهى عن التشاؤم فيه مصلحة أو دفع مضرة فقال :
“عباد الله، إن الله تعالى لا ينهى عن فعل شيء إلا وفي تركه مصالح وفي فعله مفاسد عاجلة وآجلة. فالتشاؤم ينافي الإيمان والتوكل، ويبرهن على ضعف العقل واضطراب النفس، ويسوق إلى الفشل والوساوس، وضيق العيش. قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه) “
وتحدث عن تطير الناس فى القرآن فقال :
” عباد الله، إن كان للتشاؤم مكان يصح أن يكون فيه فإنه بالذنوب والمعاصي؛ فإن لها شؤماً يرفع النعم ويستنزل النقم، ويكدر العيش ويُظلِم النفس، قال الله تعالى عن أصحاب القرية التي جاءها المرسلون: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} يس [18 – 19].
قال بعض المفسرين: طائركم معكم أي: هو ما معكم من الشرك والشر المقتضي لوقوع المكروه والنقمة وارتفاع المحبوب والنعمة.”
والتطير فى قول القرآن هو اتهام للغير بأنهم السبب فى الضرر الحادث بهم دون أن يكون سببا فعليا وهو يخالف معنى التنطير المهروف نوعا ما فهو :
نسبة الضرر لغير فاعله
وقد أثبت الله أن الطائر وهو الضرر الحادث لهم سببه أعمالهم وليس غيرهم
وذكر قول أحدهم فى شؤم الذنوب فقال :
“قال بعض السلف وقد شكي إليه بلاء وقع في الناس: ما أرى ما أنتم فيه إلا بشؤم الذنوب.”
وبالقطع ليس كل الضرر بسبب الذنوب لأن الابتلاءات قد تكون دون ذنب ارتكبه البعض فمثلا المسلمون عذبوا بسبب الخير وهو إسلامهم
وحدثنا الرجل عن العودة للتوحيد مستبعدا التطير والسعود فكلاهما محرم كالأخر فقال :
“فيا أيها الناس، حافظوا على توحيدكم من شوائب الشرك، وعلى عقولكم من هجوم الخرافة، ووثقوا صلتكم بالله بحسن الظن به وقوة التوكل عليه، واليقين بأنه لا يحدث شيء في الحياة إلا بقضاء الله وقدره، وكونوا متفائلين بالأشياء الطيبة، وبالأعمال الصالحة، فالأيام أيام الله والزمان زمانه يصرفه خالقه تعالى وحده، والسعود والنحوس نتائج كسب الجوارح لا بالسوانح ولا بالبوارح، فما للمسلم والتشاؤم بعد هذا؟!
وصدق من قال:
طيْرة الناس لا تردُّ قضاء*** فاعذر الدهر لا تشبه بلوم
أيَّ يوم تخصه بسعود *** المنايا ينزلن في كل يوم
ليس يومٌ إلا وفيه سعود *** ونحوس تجري لقوم فقوم”
وختم العواضى خطبته بما يناقض استبعاده السعود وهو التفاؤل بوجوب الصلاة على سيد المتفائلين فقال :
“هذا وصلوا على سيد المتوكلين المتفائلين “
فالتفاؤل مثله مثل التشاؤم وهو التطير نسبة شىء لغير فاعله أو عدم ألأخذ بالأسباب واتباع كلمة هنا أو هناك أو حلم أو ما شابه