نظرات فى بحث مسح الوجه باليدين بعد الدعاء

 (دراسة فقهية)
الباحث عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي وهو يدور حول حكم مسح الوجه بالكفين بعد الدعاء وقد ذكر اليافعى أنه بحث مختصر أورد فيه آراء المذاهب الأربعة السنية الكبرى فقال :
“وبعد:
فهذا بحث موجز في حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ذكرنا فيه أقوال أهل العلم من المذاهب الأربعة ومستندهم في ذلك فنقول وبالله التوفيق:”
وبين اليافعى أن فى المذاهب حكمين فى المسألة:
الأول وعليه جمهور المذاهب وهو استحباب مسح الوجه بالكفين بعد الدعاء
الثانى وعليه قلة نادرة وهو حرمة ذلك وهو رأى العز بن عبد السلام وابن تيمية
وفى هذا قال :
“اتفقت المذاهب الأربعة على استحباب مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء بل إن الحنابلة وغيرهم يرون مشروعية المسح بعد القنوت في الصلاة بخلاف الشافعية
واختار العز بن عبد السلام من الشافعية والشيخ تقي الدين ابن تيمية من الحنابلة عدم مشروعية ذلك وهو قول ضعيف في مذهب الحنفية”
ثم نقل آراء المذاهب فقال :
“وإليك بعض أقوال أهل العلم في ذلك:
من أقوال الحنفية
في شرح الحصكفي 1/ 507 و) أما (عند الصفا والمروة وعرفات) ف (يرفعهما كالدعاء) والرفع فيه , وفي الاستسقاء مستحب (فيبسط يديه) حذاء صدره (نحو السماء) لأنها قبلة الدعاء ويكون بينهما فرجة والإشارة بمسبحته لعذر كبرد يكفي والمسح بعده على وجهه سنة في الأصح شرنبلالية) اه
وفي الفتاوى الهندية 5/ 318: (مسح الوجه باليدين إذا فرغ من الدعاء قيل: ليس بشيء , وكثير من مشايخنا – رحمهم الله تعالى – اعتبروا ذلك وهو الصحيح وبه ورد الخبر , كذا في الغياثية) اه
من أقوال المالكية
في الفواكه الدواني 2/ 330: (واختلف هل يرفع يديه عند الدعاء أو لا؟
وعلى الرفع فهل يمسح وجهه بهما عقبه أم لا؟ والذي في الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: {أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه} فيفيد أنه كان يرفعهما ويمسح بهما وجهه) اه
وفي الفواكه الدواني أيضا 2/ 335: (واختلف في بسط اليد ولا بأس منه لانه أمارة الذل والسكينة ويستحب أن يمسح وجهه بيديه عقبه كما كان يفعله عليه الصلاة والسلام) اه
وفي الفواكه الدواني أيضا 1/ 281: (ويرفع يديه في حال الدعاء وبطونهما إلى الأرض وقيل إلى السماء وورد أنه بعد الدعاء يضع يديه على وجهه ويمسحه بهما لكن من غير تقبيل) اه
من أقوال الشافعية
فتاوى ابن حجر 1/ 137: (وسئل) رضي الله عنه – وحشرني في زمرته – عن تقبيل اليدين بعد كل دعاء خارج الصلاة هل له أصل كمسح الوجه بهما أم لا؟ وإذا كان له أصل فهل هو صحيح , أو خبره ضعيف
(فأجاب) – فسح الله في مدته -: بأني لم أر له أصلا صحيحا ولا ضعيفا بعد مزيد البحث والتفتيش ; فلا ينبغي فعله) اه
وفي مغني المحتاج 1/ 370: (وأما مسح غير الوجه كالصدر فلا يسن مسحه قطعا بل نص جماعة على كراهته وأما مسح الوجه عقب الدعاء خارج الصلاة , فقال ابن عبد السلام بعد نهيه عنه لا يفعله إلا جاهل ا هـ
وقد ورد في المسح بهما أخبار بعضها غريب وبعضها ضعيف , ومع هذا جزم في التحقيق باستحبابه) اه
وفي حاشية البجيرمي على شرح المنهج 1/ 208: (قوله: (لا مسح) أي: في الصلاة أي: لا يندب فالأولى تركه ح ل ويسن خارجها م ر أي: يسن أن يمسح وجهه بيديه بعده لما ورد أن كل شعرة مسحها بيده بعد الدعاء تشهد له ويغفر له بعددها ح ف وما تفعله العامة من تقبيل اليد بعد الدعاء لا أصل له كما في شرح م ر و ع ش) اه
من أقوال الحنابلة
في المغني لابن قدامة 1/ 449: (ولنا , قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك , ولا تدع بظهورهما , فإذا فرغت فامسح بهما وجهك} رواه أبو داود , وابن ماجه ولأنه فعل من سمينا من الصحابة وإذا فرغ من القنوت فهل يمسح وجهه بيده؟ فيه روايتان:
إحداهما , لا يفعل ; لأنه روي عن أحمد أنه قال: لم أسمع فيه بشيء ولأنه دعاء في الصلاة , فلم يستحب مسح وجهه فيه , كسائر دعائها
الثانية: يستحب ; للخبر الذي رويناه وروى السائب بن يزيد , {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه , ومسح وجهه بيديه} ولأنه دعاء يرفع يديه فيه , فيمسح بهما وجهه , كما لو كان خارجا عن الصلاة) اه
وفي غذاء الألباب 2/ 516: (وأن يسأل ما يصلح , ويمسح وجهه بيديه بعد فراغه) اه
وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/ 219: (وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء: فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة , وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث , أو حديثان , لا يقوم بهما حجة , والله أعلم) اه”
ومما ساقه من أدلة للمذاهب يتبين انقسامهم لفريقين:
ألأول يقول بعدم وجود حديث صحيح فى مسألة مسج الوجه باليدين
الثانى يعتمد على حديث ضعيف أو اثنين
وناقش اليافعى أدلة المذاهب فقال :
“الأدلة
استدل الجماهير على مشروعية المسح بالأحاديث الواردة في مشروعية المسح وهي وإن كانت ضعيفة فتتقوى بمجموعها فقد جاءت من وجوه: عن عمر وابن عباس وعن السائب بن يزيد عن أبيه , وعن الزهري مرسلا وبالآثار الواردة في ذلك:
1 – 2 – حديث عمر وابن عباس رضي الله عنهما:
قال الحافظ في بلوغ المرام: (عن عمر رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه أخرجه الترمذي
وله شواهد منها عند أبي داود من حديث ابن عباس وغيره ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن) اه
وحديث عمر صححه الترمذي 5/ 131 فقال: صحيح غريب
قال الصنعاني في سبل السلام 4/ 427: وفيه دليل على مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء قيل وكأن المناسبة أنه تعالى لما كان لا يردهما صفرا فكأن الرحمة أصابتهما فناسب إفاضة ذلك على الوجه الذي هو أشرف الأعضاء وأحقها بالتكريم) اه
3 – حديث السائب بن يزيد عن أبيه:
وفي سنن أبي دواد 2/ 79: (حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا بن لهيعة عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن السائب بن يزيد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه) اه
4 – حديث ابن عمر رضي الله عنه:
روى الطبراني 12/ 323: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن ربكم حي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه فيردهما صفرا، لا خير فيهما، فإذا رفع أحدكم يديه فليقل: يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت، يا أرحم الراحمين – ثلاث مرات – ثم ذا رد يديه فليفرغ الخير على وجهه “) اه
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 263: وفيه الجارود بن يزيد وهو متروك
5 – مرسل الزهري:
وفي مصنف عبد الرزاق 2/ 247: (عن معمر عن الزهري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند صدره في الدعاء ثم يمسح بهما وجهه , قال عبد الرزاق: وربما رأيت معمرا يفعله وأنا أفعله) اه
وهذا مرسل صحيح والمرسل حجة عند الجمهور وغير حجة عند الشافعي وبعض أهل الحديث إلا أن يعتضد به ما يقويه وهو هنا كذلك
ثم لو فرض أن الوارد في ذلك حديث واحد فقط وهو ضعيف فإن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال كما هو مقرر
آثار الصحابة والأئمة:
روى البخاري في الأدب المفرد ص 214: (حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح قال أخبرني أبى عن أبى نعيم وهو وهب قال رأيت بن عمر وبن الزبير يدعوان يديران بالراحتين على الوجه) اه
وفي مصنف عبد الرزاق 2/ 252: (باب مسح الرجل وجهه بيده إذا دعا: عن بن جريج عن يحيى بن سعيد: أن بن عمر كان يبسط يديه مع العاص , وذكروا أن من مضى كانوا يدعون ثم يردون أيديهم على وجوههم ليردوا الدعاء والبركة
قال عبد الرزاق: رأيت أنا معمرا يدعو بيديه عند صدره ثم يرد يديه فيمسح وجهه) اه”
إذا المسألة كلها قائمة على روايات ضعيفة بينما الأصل وهو كتاب الله لم يعتمد عليه أحد مع أن المسألتين :
الأولى رفع اليد فى الدعاء لأعلى تتعارض مع تحديدها جهة لله هى ألأعلى وهو ما يجعله شبه خلقه فى وجود جهات لهم وهو ما يعارض قوله تعالى :
“ليس كمثله شىء”
كما تتعارض مع ظاهر الآية :
” وهو الله فى السموات وفى الأرض “
فالظاهر هنا على حسب تفسير الظاهريين أنه فى كل مكان سبحانه وتعالى عن ذلك لأن الآية تفسرها الآية ” وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله “
فمعناها أنه خالق من فى السموات وخالق من فى الأرض
الثانية مسح الوجه باليدين وهو فعل لا فائدة منه فالمسح يكون لسبب مباح كالوضوء أو الغسل أو ابعاد قذارة أو حشرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *