المؤلف خالد بن قاسم الردادي وهو يدور حول المسألة الأساس فيما يسمى علم الحديث وهى الجرح والتعديل والمؤلف في مقدمته يدافع عن الجرح والتعديل كما قال :
“أما بعد:
فقد زعم بعض الناس أنه لا يجوز التكلم في الناس جرحا وتعديلا، وبيان حالهم ليعرف الناس عمن يأخذون وممن يتلقون بحجة أن ((الأصل في المسلمين العدالة)) حتى يبدو لنا منهم غير هذا، وعليه _حسب زعمهم_فلا يجوز الكلام في الحواطب والقصاص ودعاة الفتن والتحزب الذميم لتحذير الناس من شرهم وفسادهم، فالأصل لديهم أن إظهار الإسلام كاف في الأخذ عمن هب ودب دون سؤال عن حاله ومبلغه من العلم ولزومه السنة، متخذين هذه القاعدة مستندا يستندون عليه!
لذا رقمت هذه السطور مبينا عدم صحة القاعدة المذكورة، وأن ((الأصل في الناس الجهالة لا العدالة)) فنقضت ـ بعون الله ـ عليهم ما اعتلوه، وبينت زيف ما بهرجوه، وقبل الدخول في بيان المسألة، أذكر تعريف العدالة وشرائطها ومن ثم ندلف للمقصود.”
الردادى في دفاعه عن الجرح والتعديل كذب كلام الله في قوله:
” ولا يغتب يعضكم بعضا”
وهو يدافع عن علم غير ثابت فالمفترض فيمن أن يجرح أو يعدل أن يكون شاهدا حيا عاش مع من يتكلم عنه وهو امر لا يتوفر في أكثر من 90% من المجروحين والعادلين لأن هذا العلم لم يعش أصحابه في عهد الصحابة ولا التابعين ولا حتى تابعة التابعين فقد نشأ بعد ثلاثة اجيال أو اكثر ومن ثم فهو مخالف قوله تعالى :
” وما شهدنا إلا بما علمنا”
وبلغة العصر شهود لم يشاهدوا شىء
استهل الردادى كلامه بتعريف العدالة فقال :
“العدالة لغة:
العدالة مصدر عدل_بالضم_،يقال: عدل وعدولة فهو عدل:
أي رضا ومقنع في الشهادة، قال كثير:
وبايعت ليلى في الخلاء ولم يكن *** شهود على ليلى عدول مقانع
ويقال: رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل وامرأة عدل ونسوة عدل، وكل ذلك على معنى رجال ذوو عدل ونسوة ذوات عدل، فهو لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، فإن رأيته مجموعا أو مثنى أو مؤنثا، فعلى أنه قد أجري مجرى الوصف الذي ليس بمصدر.
وأما العدل الذي هو ضد الجور، فهو مصدر قولك: عدل في الأمر فهو عادل، وتعديل الشيء تقويمه، يقال: عدله تعديلا فاعتدل: أي قومه فاستقام وكل مثقف معتدل، وتعديل الشاهد نسبته إلى العدالة
فالعدالة في اللغة: التوسط في الأمر من غير زيادة ولا نقصان.
العدالة إصطلاحا:
قال ابن اللحام الحنبلي:
((وهي محافظة دينية تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، ليس معها بدعة، وتتحقق باجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر وبعض المباح))
وقال ابن حجر:
((ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة))
وقال ابن السمعاني:
((لابد في العدل من أربع شرائط:
المحافظة على فعل الطاعة، واجتناب المعصية، وأن لا يرتكب من الصغائر ما يقدح في دين أو عرض، وأن لا يفعل من المباحات ما يسقط القدر ويكسب الندم، وأن لا يعتقد من المذاهب ما يرده أصول الشرع)) “
وهذا التعريف غاب عن أهله أن أولاد يعقوب(ص) عندما كذبوا مرة جرحهم والدهم يعقوب(ص) في المرات التالية رغم أنهم كانوا صادقين في كلامهم عن سرقة الأخ الثانى التى شاهدوا إثباته على يد يوسف(ص)
ومن ثم هل سيكون المؤلفون أحسن من نبى الله يعقوب (ص)الذى كذب أولادهم في سرقة أخيهم وهم صادقون فقال :
” بل سولت لكم أنفسكم أمرا والله المستعان على ما تصفون”
‘ذا كان النبى(ص) المذكور وهو على صلة بالله من خلال الوحى لم يعرف صدق أولاده من كذبهم فما بال المجرحون المعدلون سيعرفون ؟
وسنذهب إلى عصر أقرب وهو عصر خاتم النبيين(ص) حيث حكم بصدق المجرم وكذب البرىء حتى نهاه الله أن يجادل عن المجرم فقال :
“ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما”
ويا ليته وحده من خدع من المجرم بلا انخدع المؤمنون مثل النبى(ص) حتى نهاهم الله فقال :
“ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا”
إذا من المحال على علماء الجرح والتعديل أن يعرفوا حقيقة أى واحد مهما بلغوا من العلم وحتى لو عاصروه
وتحدث الردادى عن كون الأصل في المسلم الجهالة فقال :
“وإلى الشروع في المقصود:
أولا ـ ذكر الأدلة الدالة على أن الأصل في المسلم الجهالة:
1) قال تعالى {ممن ترضون من الشهداء}
قال ابن جرير: ((وقوله: {ممن ترضون من الشهداء} يعني من العدول المرتضى دينهم وصلاحهم))
وقال القرطبي: ((دل على أن في الشهود من لايرضى؛ فيجيء من ذلك أن الناس ليسوا محمولين على العدالة حتى تثبت لهم وذلك معنى زائد على الإسلام، وهذا قول الجمهور.
وقال أبو حنيفة: كل مسلم ظاهر الإسلام مع السلامة من فسق ظاهر فهو عدل وإن كان مجهول الحال، وقال شريح وعثمان البتي وأبو ثور: هم عدول المسلمين وإن كانوا عبيدا.
قلت: فعمموا الحكم، ويلزم منه قبول شهادة البدوي على القروي إذا كان عدلا مرضيا وبه قال الشافعي ومن وافقه وهو من رجالنا وأهل ديننا وكونه بدويا ككونه من بلد آخر والعمومات في القرآن الدالة على قبول شهادة العدول تسوي بين البدوي والقروي، قال الله تعالى: {ممن ترضون من الشهداء}، وقال تعالى: {واشهدوا ذوي عدل منكم} خطاب للمسلمين، وهذا يقتضي قطعا أن يكون معنى العدالة زائدا على الإسلام ضرورة لأن الصفة زائدة على الموصوف، وكذلك من ترضون مثله خلاف ماقاله أبو حنيفة ثم لايعلم كونه مرضيا حتى يختبر حاله فيلزمه أن لايكتفي بظاهر الإسلام، …. قال علماؤنا: العدالة هي الاعتدال في الأحوال الدينية وذلك يتم بأن يكون مجتنبا للكبائر محافظا على مروءته وعلى ترك الصغائر ظاهر الأمانة غير مغفل، وقيل: صفاء السريرة واستقامة السيرة في ظن المعدل والمعنى متقارب)) “
والرجل هنا نسى أنه يتحدث عن الشهادة في المحكمة امام القاضى وليس في شىء أخر وهو أمر مخالف للجارح المعدل فهو ليس قاضيا معتمدا في دولة المسلمين والدليل أن الكثير من المجرحين وثقوا أفرادا بعينهم وكثير من المجرحين أثبتوا ضعفهم ونكارة اقوالهم
ثم قال :
2) قال تعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}
قال ابن تيمية: ((أما قول من يقول: الأصل في المسلمين العدالة فهو باطل ; بل الأصل في بني آدم الظلم والجهل كما قال تعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} ومجرد التكلم بالشهادتين لا يوجب انتقال الإنسان عن الظلم والجهل إلى العدل))
وقال ابن القيم: ((إذا شك في الشاهد هل هو عدل أم لا؟ لم يحكم بشهادته، لأن الغالب في الناس عدم العدالة، وقول من قال: الأصل في الناس العدالة، كلام مستدرك بل العدالة طارئة متجددة، والأصل عدمها، فإن خلاف العدالة مستنده جهل الإنسان وظلمه، والإنسان خلق جهولا ظلوما، فالمؤمن يكمل بالعلم والعدل، وهما جماع الخير، وغيره يبقى على الأصل، أي فليس الأصل في الناس العدالة ولا الغالب))
3) قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جآءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيببوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}
قال القرطبي: ((وفي الآية دليل على فساد قول من قال: إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة؛ لأن الله تعالى أمر بالتثبت قبل القبول، ولا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم؛ فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة))
4) عن أبى إسحاق قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال: أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب، فقال: ((ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة رآه لقول امرأة لا ندري أحفظت أم لا؟!))
قال الخطيب البغدادي: ((الطريق الى معرفة العدل المعلوم عدالته مع إسلامه وحصول أمانته ونزاهته واستقامة طرائقه لا سبيل إليها الا باختيار الأحوال وتتبع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن بالعدالة ….
يدل على صحة ما ذكرناه أن عمر بن الخطاب رد خبر فاطمة بنت قيس في إسقاط نفقتها وسكناها لما طلقها زوجها ثلاثا مع ظهور اسلامها واستقامة طريقتها … )).
5) عن خرشة بن الحر قال: شهد رجل عند عمر بن الخطاب _رضى الله تعالى عنه_ بشهادة فقال له: لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك، ائت بمن يعرفك.
فقال رجل من القوم: انا اعرفه.
قال: فبأى شيء تعرفه؟
قال: بالأمانة والعدل.
قال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟
قال: لا.
قال: فمعاملك بالدنيار والدرهم الذين بهما يستدل على الورع؟
قال: لا.
قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟
قال: لا.
قال: لست تعرفه!
ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك
فلو كان المسلمون عند عمر _رضي الله عنه_على العدالة مطلقا بحسب ظاهرهم؛ لقبل الرجل، ولم يتوقف في قبوله حتى يأتي بمن يعرفه ويعدله، ولما تحقق من الرجل الذي ادعى معرفته به!
6) وعن على بن أبي طالب _رضي الله عنه_أنه قال: ((ما حدثني أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا استحلفته))
قال الخطيب البغدادي:
((ومعلوم أنه كان يحدثه المسلمون ويستحلفهم مع ظهور اسلامهم، وأنه لم يكن يستحلف فاسقا ويقبل خبره، بل لعله ما كان يقبل خبر كثير ممن يستحلفهم مع ظهور اسلامهم، وبذلهم له اليمين، وكذلك غيره من الصحابة روى عنهم أنهم ردوا أخبارا رويت لهم، ورواتها ظاهرهم الإسلام، فلم يطعن عليهم في ذلك الفعل ولا خولفوا فيه، فدل على أنه مذهب لجميعهم، إذ لو كان فيهم من يذهب إلى خلافه لوجب بمستقر العادة نقل قوله إلينا، ويدل على ذلك أيضا إجماع الأمة على أنه لا يكفي في حالة الشهود على ما يقتضى الحقوق إظهار الإسلام دون تأمل أحوال الشهود واختبارها، وهذا يوجب اختبار حال المخبر عن الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحال الشهود لجميع الحقوق، بل قد قال كثير من الناس: إنه يجب الاستظهار في البحث عن عدالة المخبر بأكثر مما يجب في عدالة الشاهد، فثبت بما ذكرناه أن العدالة شيء زائد على ظهور الإسلام يحصل بتتبع الأفعال واختبار الأحوال، والله اعلم)) “
وكل هذا الكلام قائم على غير أساس فلا يوجد نص واحد يقول بعدم عدالة المسلمين وإنما النص الموجود يقول العكس وهو عدالتهم في قوله تعالى :
” ذوى عدل منكم”
أن الرجل لكى يدافع عن مقولة الجرح والتعديل اتهم المسلمون كلهم بالضلال الذى سماه الجهالة بحالهم حتى النبى الخاتم (ص) نفسه وكلامهم يتعارض حتى مع الروايات التى يثبتونها مثل رواية ان المسلم لا يكذب
وتحدث عن أن إعلان الإسلام ليس كافى في عدالة المسلم فقال :
“ثانياـ ومما يؤكد أن إظهار الإسلام لا يكف في الحكم بالعدالة عدة أمور، وهي كما يلي:
“الأول: أن الفاسق مردود الشهادة والرواية بنص القرآن ولعلمنا بأن دليل قبول خبر الواحد قبول الصحابة إياه وإجماعهم ولم ينقل ذلك عنهم إلا في العدل , والفاسق لو قبلت روايته لقبل بدليل الإجماع أو بالقياس على العدل المجمع عليه , ولا إجماع في الفاسق ولا هو في معنى العدل في حصول الثقة بقوله , فصار الفسق مانعا من الرواية كالصبا والكفر وكالرق في الشهادة , ومجهول الحال في هذه الخصال لا يقبل قوله فكذلك مجهول الحال في الفسق لأنه إن كان فاسقا فهو مردود الرواية وإن كان عدلا فغير مقبول أيضا للجهل به , كما لو شككنا في صباه ورقه وكفره , ولا فرق.
الثاني: أن المفتي المجهول الذي لا يدرى أنه بلغ رتبة الاجتهاد أم لا , لا يجوز للعامي قبول قوله , وكذلك إذا لم يدر أنه عالم أم لا , بل سلموا أنه لو لم تعرف عدالته وفسقه فلا يقبل , وأي فرق بين حكاية المفتي عن نفسه اجتهاده وبين حكايته خبرا عن غيره.
الثالث: أن شهادة الفرع لا تسمع ما لم يعين الفرع شاهد الأصل , وهو مجهول عند القاضي فلم يجب تعيينه وتعريفه إن كان قول المجهول مقبولا. وهذا رد على من قبل شهادة المجهول , ولا جواب عنه.
فإن قيل: يلزمه ذكر شاهد الأصل , فلعل القاضي يعرفه بفسق فيرد شهادته. قلنا: إذا كان حد العدالة هو الإسلام من غير ظهور فسق فقد تحقق ذلك فلم يجب التتبع حتى يظهر الفسق.
ثم يبطل ما ذكره بالخبر المرسل , فإنهم لم يوجبوا ذكر الشيخ ولعل المروي له يعرف فسقه.
الرابع: أن مستندنا في خبر الواحد عمل الصحابة وهم قد ردوا خبر المجهول , فرد عمر رضي الله عنه خبر فاطمة بنت قيس وقال: كيف نقبل قول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت؟،ورد علي خبر الأشجعي في المفوضة وكان يحلف الراوي , وإنما يحلف من عرف من ظاهره العدالة دون الفسق.
ومن رد قول المجهول منهم كان لا ينكر عليه غيره فكانوا بين راد وساكت , وبمثله ظهر إجماعهم في قبول العدل إذ كانوا بين قابل وساكت غير منكر ولا معترض.
الخامس: ما ظهر من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه العدالة والعفاف وصدق التقوى ممن كان ينفذه للأعمال وأداء الرسالة , وإنما طلب الأشد [الأتقى] لأنه كان قد كلفهم أن لا يقبلوا إلا قول العدل ” “
وهذا الكلام يجرنا إلى مصائب عظمى وهى إنكار كل كتب الأحاديث لأن كل من ألفها كان آباءهم وأجدادهم كفارا خصوصا الستة الكبار عند السنة والأربعة الكبار عند الشيعة فكيف نأتمن أولاد الأعداء على ديننا
وهو يجرنا إلى اتهام النبى(ص) نفسه بأنه لا يكفى في اثبات إسلامه أنه أعلنه وهو في الأربعين من عمره بعد ان قضى أربعين سنة ضالا وكذلك ألأمر في المؤمنون به في عصره وهم الصحابة فمعظمهم كانوا كفارا ثم أسلموا وهم كبار
وتحدث عن الشبه في الموضوع فقال :
“ثالثا ـ شبه واعتراضات وهي أربع:
“الأولى: أنه صلى الله عليه وسلم قبل شهادة الأعرابي وحده على رؤية الهلال ولم يعرف منه إلا الإسلام.
قلنا: وكونه أعرابيا لا يمنع كونه معلوم العدالة عنده صلى الله عليه وسلم إما بالوحي وإما بالخبرة وإما بتزكية من عرف حاله، فمن يسلم لكم أنه كان مجهولا عنده.
الثانية: أن الصحابة قبلوا قول العبيد والنسوان والأعراب لأنهم لم يعرفوهم بالفسق وعرفوهم بالإسلام.
قلنا: إنما قبلوا قول أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواج أصحابه وكانت عدالتهن وعدالة مواليهم مشهورة عندهم، وحيث جهلوا ردوا كرد قول الأشجعي وقول فاطمة بنت قيس.
الثالثة: قولهم: لو أسلم كافر وشهد في الحال أو روى، فإن قلتم لا نقبل شهادته فهو بعيد، وإن قبلتم فلا مستند للقبول إلا إسلامه وعدم معرفة الفسق منه، فإذا انقضت مدة ولم نعرف منه فسقا لطول مدة إسلامه لم نوجب رده.
قلنا: لا نسلم قبول روايته فقد يسلم الكذوب ويبقى على طبعه، فما لم نطلع على خوف في قلبه وازع عن الكذب لا نقبل شهادته، والتقوى في القلب وأصله الخوف وإنما تدل عليه أفعاله في مصادره وموارده فإن سلمنا قبول روايته فذلك لطرق إسلامه وقرب عهده بالدين، وشتان بين من هو في طراوته وبدايته وبين من قسا قلبه بطول الإلف.
فإن قيل: إذا رجعت العدالة إلى هيئة باطنة في النفس وأصلها الخوف، وذلك لا يشاهد بل يستدل عليه بما ليس بقاطع، بل هو مغلب على الظن، فأصل ذلك الخوف هو الإيمان، فذلك يدل على الخوف دلالة – ظاهرة فلنكتف به.
قلنا: لا يدل عليه، فإن المشاهدة والتجربة دلت على أن عدد فساق المؤمنين أكثر من عدد عدولهم، فكيف نشكك نفوسنا فيما عرفناه يقينا؟
ثم هلا اكتفي بذلك في شهادة العقوبات وشهادة الأصل وحال المفتي في العدالة وسائر ما سلموه.
الرابعة: قولهم: يقبل قول المسلم المجهول في كون اللحم لحم ذكي، وكون الماء في الحمام طاهرا وكون الجارية المبيعة رقيقة غير متزوجة ولا معتدة حتى يحل الوطء بقوله، وقول المجهول في كونه متطهرا للصلاة عن الحدث والجنابة إذا أم الناس، وكذلك قول من يخبر عن نجاسة الماء وطهارته بناء على ظاهر الإسلام، وكذلك قول من يخبر الأعمى عن القبلة.
قلنا: أما قول العاقد فمقبول لا لكونه مجهولا لكنه مع ظهور الفسق، وذلك رخصة لكثرة الفساق ولمسيس حاجتهم إلى المعاملات، وكذلك جواز الاقتداء بالبر والفاجر فلا يشترط الستر، أما الخبر عن القبلة وعن طهارة الماء فما لم يحصل سكون النفس بقول المخبر فلا يجب قبوله، والمجهول لا تسكن النفس إليه بل سكون النفس إلى قول فاسق جرب باجتناب الكذب أغلب منه إلى قول المجهول وما يخص العبد بينه وبين الله تعالى فلا يبعد أن يرد إلى سكون نفسه.
فأما الرواية والشهادة فأمرهما أرفع وخطرهما عام، فلا يقاسان على غيرهما، وهذه صور ظنية اجتهادية، أما رد خبر الفاسق والمجهول فقريب من القطع ” “
وكل هذا الكلام يرده أن الله طالب المسلم أن يقبل قول من اعلن إسلامه فلا يقتله فقال :
“يا أيها الذين أمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا”
فمجرد القول معناه قبوله وأما التبين فيكون بعد قبول القول وليس قبله