وقد استهل المؤلف الحديث بتعريف الإشاعة فقال:
“لقد قيل الكثير عن الإشاعة الكثير من الأقوال وهذه بعضها:
الإشاعة هي كل خبر مقدم للتصديق يتناقل من شخص لآخر, دون أن يكون له معايير أكيدة للصدق , فهي بث خبر من مصدر ما في ظروف معينة ولهدف يريده المصدر دون علم الآخرين وهي الأحاديث والأقوال والأخبار والقصص التي يتناقلها الناس , دون إمكانية التحقق من صحتها أو كذبها فالإشاعات تنتقل وتنتشر كلما ازداد الغموض ونقص المعلومات حول الأخبار التي تنشرها هذه الإشاعات
فالإشاعة هي عملية نشر الأخبار والمعلومات , ونتائج هذه العملية وهي تنطلق بسهولة وسرعة عندما تكون الظروف ملائمة لما تتضمنه من أخبار وهناك مصدر الإشاعة وهو الذي يقوم ببنائها وتشكيلها ويبدأ في نشرها , أكان فردا أم جماعة , وهناك متلقي الإشاعة , وناشر الإشاعة والشرط الأساسي لانتشار الإشاعة انعدام معرفة الحقيقة , ورغبة المتلقي في المعرفة ووجود دافع وفائدة لمطلق الإشاعة لنشرها
كل خبر يشكك به يمكن أن يصبح أو يتحول إلى إشاعة وبغض النظر عن أنه صادق وصحيح أم كاذب وملفق
وكذلك كافة الإعلانات هي بمثابة أخبار عن منتجات وسلع هدفها دفع الناس لشرائها , وهي تستخدم ألاف الطرق في نشر ميزات السلع (أكانت صحيحة أم كاذبة) بهدف تروج لبيعها
الإشاعة هي رسالة تحمل أخبار ومعلومات يرسلها شخص أو جماعة إلى شخص أو جماعة أخرى لهدف وغاية معينة , يراد بها التأثير على المرسلة (المتلقي) ليقوم باستجابات وتصرفات معينة , وتأثير هذه الرسالة تابع لمضمون هذه الأخبار على المتلقي والإشاعة الآن يمثلها الإعلام , ولا يمكن أن يكون إي إعلام دون هدف معين لذلك دوما الإعلام هو موجه وله غاية وغالبا مرسل الإعلام يراعي خصائص وقدرات المتلقي الموجه له هذا الإعلام وإن قوة وسرعة انتشار الأخبار أو الإشاعات تابع: للرغبة في تقبلها لتوافقها مع دوافع ورغبات وتوجهات المتلقي وعدم تناقضها مع العقائد المعارف والأخبار التي يتبناها المتلقي لمدى اعتماد المتلقي الموثوقية لمصدرها”
وما سبق هو تعريفات متعددة للإشاعة وكلها متفق على كونها خبر وهذا الخير الهدف منه بعث رسالة معينة لاحداث شىء يرغبه مطلق الإشاعة
وقد تحدث المؤلف عن أن الاشاعات استخدمت بشكل موسع وكبير خلال الحروب المختلفة فقال :
“استعمل مفهوم الإشاعة بشكله الموسع حديثا نتيجة الصراعات والحروب الإعلامية بين المتحاربين , والرد على الأخبار الضارة أكان ينشرها العدو أو أي مصدر آخر ووصفها بالإشاعة لتكذيبها وتحاشي أضرارها , وهذا بغض النظر عن كون هذه الأخبار صحيحة أم خاطئة”
ومن أشهر من استخدمه الألمان عند مجيئهم لحرب الإنجليز فى مصر والبلاد العربية حيث أشاعوا أن هتلر أسلم وتسمى باسم الحاج محمد هتلر وذلك للحصول على دعم من مقاومى الاحتلالين الانجليزى والفرنسى فى غزو البلاد العربية وطرد الإنجليز والفرنسيين منها
وبين أن الإشاعات لي بالضرورة أن تكون كاذبة فبعض الإشاعات من الممكن أن تكون صادقة فقال:
“ومفهوم الإشاعة الآن يتضمن تكذيب الخبر أو التشكيك به لتلافي نتائجه وأبعاده التي تكون ضارة بالفرد أو الجماعة , أو الشركة أو الدولة , فيمكن أن يكون الخبر صادق ويوصف بأنه إشاعة وغاية ناشره النية السيئة والإضرار , ومفهوم الإشاعة مفهوم فضفاض لأنه يشمل حالات وأوضاع متعددة ومتنوعة من أشكال نشر الأخبار , وغالبا ما يستخدم في وصف الأخبار الضارة والسيئة بأنها أكاذيب وغير صحيحة”
وضرب أمثلة على الإشاعات الكاذبة بالإعلانات التجارية والتشهير بفلان أو فلانة فقال :
“أن نشر الأخبار أو معلومات هو بمثابة إشاعة لهدف وغاية معينة فالدعاية و الإعلان هما بمثابة إشاعة , وفي كثير من الأحيان تكون الدعاية للسلعة أو المنتج كاذبة أو غير دقيقة وكذلك التشهير والتحقير والزم والمدح والتفخيم والتعظيم والمبالغة في رفع المكانة هم أيضا بمثابة إشاعة وإشاعة الخوف والذعر والإرهاب والتفرقة هم إشاعات سالبة , وإشاعة الحماس والنخوة والانفعال والتلاحم هم إشاعات موجبة والإشاعات تشمل كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعقائدية والفكرية والشائعات المليئة بالخيالات والأماني والأحلام , ويمكن اعتبار نشر العقائد والأديان وحتى المعارف هو بمثابة نشر إشاعات لهدف معين”
وحدثنا عن كون الإشاعة تتشابه مع الدعاية فقال فقال :
“وتتشابه الإشاعة مع الدعاية فليس هناك فرق كبير بينهم والأعلام والدعاية الآن أصبح لهم علومهم ومناهجهم وقوانينهم التي تدرس في المدارس والجامعات , وأصبحوا أكثر فاعلية وتأثيرا لاستخدامهم عناصر وموارد وقوى وتنظيم في أساليب وطرق نشرهم , لذلك تأثيرهم أصبح أكبر وأوسع”
كما بين أن الإشاعات المعدة من قبل لها طرق وأساليب نشر فقال :
“وطريقة وأسلوب نشر الأخبار هامة جدا في تحقيق تقبل المتلقين لهذه الأخبار , وكذلك موثوقية مرجعها ومكانته وقوته وسلطته لها تأثير أساسي , وكثيرا ما يستخدم ناشر الخبر مصداقية وقوة مصدر الخبر فيرجعه إلى الآلهة أو الأنبياء أو العلماء “
وحدثنا عن أنواع الإشاعة فقال :
“أنواع وأشكال الإشاعة
الإشاعات يمكن أن تكون ضارة ويمكن أن تكون مفيدة , مثال:
إشاعة الخوف والذعر لدى العدو هي أشاعه تضر بالعدو وهذا بهدف إثارة القلق والرعب في نفوس أفراد العدو , بالإضافة إلى شائعات زرع جذور الفتنة كأن تطلق شائعة تهدف إلى إيقاظ فتنة بين الأفراد أو حتى الدول أما الإشاعات المتفائلة والتي تحقق رغبة الناس وأمانيهم وتحسن الصورة السيئة التي يعيشونها إشاعة الأخبار السارة لرفع المعنويات أو استنفار القوى , مثل انتهاء الحرب أو زيادة الرواتب أو قرب الشفاء من المرض فهي إشاعات مفيدة لمتلقيها مثل: إخبار المريض بأخبار تسره حتى وإن كانت كاذبة , وكذلك إخبار الجنود أو الأفراد بأخبار سارة أو مفيدة حتى وإن كانت كاذبة كل هذا شكل من إشاعة الموجبة فالغالبية إن لم يكن الجميع يسعوا لنشر الأخبار (أو الإشاعات) التي تفيدهم أو تسرهم , ويتحاشوا نشر الأخبار الضارة أو المؤلمة
والسعي لنشر الدين المسيحي أو الإسلامي أو العقائد هو شكل من الإشاعة الموجبة بالنسبة للذي يقوم بالنشر ويمكن أن يكون شكل من الإشاعة السالبة بالنسبة للذي يرفض هذه الأديان
عندما تكون الأخبار ضارة أو غير مرغوبة توصف غالبا بأنها إشاعات , وبغض النظر عن صحتها أو خطؤها وكذلك عندما تكون الأخبار مفيدة أو مرغوبة يتم السعي لاعتمادها وتبنيها والدفاع عنها
وهناك الإشاعات الاستطلاع التي تسعى لرصد التأثرات والردود (أو جس النبض) فئة معينة من الناس , لتحديد طريقة التعامل معهم
وهناك إشاعات التضليل ولها أشكال كثيرة وهي تستخدم للتحكم بدوافع و رأي الناس وتوجيهها باتجاه معين
ويصعب حصر أنواع الإشاعات , وذلك لاختلاف آثارها ودوافعها التي تظهر فيها، ويمكن تصنيف الشائعات حسب دوافعها وأهدافها ويصنف علماء النفس الشائعات إلى ثلاثة أصناف رئيسية هي: إشاعات الخوف إشاعات الأمل إشاعات الكراهية”
ومما سبق يتبين ان الإشاعات إما ضارة وإما مفيدة وهذا التقسيم هو لمصدر الإشاعة فهم من يستفيد من ضررها أو فائدتها
وتحدث عن عوامل وأسباب الإشاعة فقال:
“عوامل وأسباب الإشاعة
يمكن ببساطة عزو ظهور الإشاعة إلى انعدام المعلومات، ومن هنا تروج الشائعات وكأنها حقائق , والإشاعات وسيلة بدائية جدا لنشر القصص عن طريق انتقالها من فم إلى فم حتى تنتشر بين الناس كأنها حقيقة , مستخدمة أساليبها المختلفة”
وحدثنا عن أهداف الإشاعات فقال:
“ويمكن تلخيص أهداف الشائعات في عصرنا الحاضر وخاصة في الحرب النفسية:
التأثير على معنويات الخصم وتفتيت قواه
واستخدمها للتمويه والتعمية كستار من الدخان لإخفاء حقيقة ما أو ترويج أنباء كاذبة وأخبار لأجل إضعاف الروح المعنوية للخصم , باستخدام الأساليب الحديثة لعلم النفس التي تخدم الإشاعة للتأثير على نفسيات ومعنويات المتلقي , فالإشاعات تستخدم كسلاح أساسي في الحروب والصراعات مهما كان شكلها ونوعها أكانت سياسية أم عقائدية أم اقتصادية أم فكرية وطبيعة وشكل المصالح تحدد وتقرر طبيعة الإشاعات موجبة أم سالبة
توظيف تأثيرات الأخبار السارة أو الضارة في خدمة الدوافع والأهداف والأخبار تستخدم كثيرا في الصراعات والتنافسات نظرا لتأثيرها الكبير
إن إعلام الجماعات والدول يستخدم الآن الإعلام الموجه وهو يماثل الإشاعة فكل إنسان وكل جماعة توظف الإعلام في نشر الأخبار التي تكون في مصلحتها وتفيدها وتتحاشى نشر الأخبار التي تضربها , وبغض النظر عن كون هذه الأخبار صحيحة وصادقة أم كاذبة وملفقة , وفي كثير من الأحيان يصف شخص أو جماعة خبر بأنه إشاعة وكاذب لأنه يضر بهم , مع أنه صدق وصحيح , وذلك بهدف إضعاف مصداقيته وتلافي تأثيراته الضارة
والآن هناك ناشرين للأخبار يعتمدوا الدقة في ما ينشرونه من أخبار, لأنهم يبيعون هذه الأخبار , مثل وكالات الأنباء العالمية رويتر وغيرها , وهؤلاء من مصلحتهم توخي الدقة والصدق في ما ينشرونه من أخبار و إلا لا يستطيعون بيع هذه الأخبار”
إذا أهداف الإشاعات إما إحداث ضرر أو فائدة لمن أصدر الإشاعة
وحدثنا عما سموه حروب الإشاعات فقال:
“حرب الإشاعات أو حروب الإعلام:
كما ذكرنا لا ينشر خبر إلا لغاية وهدف , والسيطرة على نشر الأخبار والتحكم في نشر هذه الأخبار هو من أهم الأمور بالنسبة لأي جماعة أكانت أسرة أم عشيرة أم مؤسسة أم دولة والمهم ليس صحة ودقة الأخبار التي تنشر, بل دورها ووظيفتها ,أي فائدتها لناشرها وما تحقق له من غايات ودوافع وكثيرا ما يتم نشر أخبار معروف عدم صحتها أو دقتها لهدف وغاية معينة , ومع ذلك غالبا يتحقق التأثير المطلوب
والمسيطر على نشر الأخبار هو من يملك أهم وأقوى المؤثرات التي يستطيع استخدامها وتوظيفها في الكثير من المجلات , وتؤمن له تحقيق غاياته ودوافعه فهو ينشر الأخبار التي في مصلحته , ويخفي الأخبار التي ليست قي مصلحته فنشر الأخبار هو المهم وبغض النظر عن صحتها أو دفتها , فمن خصائص البشر سرعة تقبل ما ينشر ويتداول من أخبار
يمكن عن طريق نشر الأخبار بين الأفراد والجماعات التحكم بدوافعهم وتوجهاتهم , ودون أن يدوروا أن ذلك جرى لهم , وهذا يتم عن طريق الإعلام بكافة أنواعه وأشكاله المسموعة والمقروءة والمرئية صحف ومجلات وكتب وإذاعات ومحطات تلفزيون ودور عبادة , وبواسطة أجهزة التعليم بكافة أشكالها
وهذه الوسائل أصبحت تملكها وتتحكم بها الدول والمؤسسات الكبيرة فهي الآن تقوم بغسل أدمغة غالبية الأفراد ووضع الأفكار والدوافع التي تريد
ويستخدم نشر الأخبار والقصص بكافة أشكالها القديمة والحديثة من أجل التحكم والسيطرة على الأفراد , وعندما يتم إدخالهم على نحو غير محسوس في الوعي الجماعي , وهو ما يحدث بالفعل من خلال أجهزة الثقافة والإعلام , فإن قوة تأثيرها تتضاعف من حيث أن الأفراد يظلون غير واعين بأنه قد تم تضليلهم وإن بنية الثقافة الشعبية التي تربط عناصر الوجود بعضها ببعض , وتشكل الوعي العام بما هو كائن , بما هو هام , وهو حق , وما هو مرتبط بأي شيء آخر , هذه البنية أصبحت في الوقت الحاضر منتجا يتم تصنيعه
أما الآن فغسيل الأدمغة أصبح يعتمد على المنجزات التي تحققت في مجال علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الدماغ وما تحقق في مجال التواصل والاتصالات إن كانت سمعية أو مقروءة أو مرئية , وتم الاستفادة من ما تم التوصل أليه في مجال الإيحاء, وتأثير التكرار وتأثير ظاهرة الجمهرة فصار نشر الأخبار أو الإشاعات يحدث في كافة المجالات وعلى كافة المستويات إن كان مستوى فرد أو مستوى مجموعة أو مستوى شعب كامل
وطرق نشر الأخبار والإشاعات تنجح بسهولة عند استخدام الطرق النفسية والجسمية والتأثير على المشاعر والعواطف أكانت مؤلمة أو مفرحة ولذيذة , واستعمال الإقناع الفكري , والترغيب والترهيب ولفترة طويلة , بشكل تجبر أغلب الأشخاص على تغيير أفكارهم ومبادئهم وعقائدهم
تأثيرات الإشاعة هي تأثيرات الإعلام , وهذا يعتمد على آليات وطرق التواصل بين البشر , وهذا يشمل غالبية علاقاتنا الاجتماعية , والآن هناك نظريات ومبادئ التواصل الواسعة , والتي يستخدمها ويوظفها الجميع كل حسب معارفه وقدراته”
الغريب فى الموضوع أن الكاتب تحدث عن الإشاعة دون أن يتناول النصوص القرآنية فى الموضوع وهى قوله تعالى:
“يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”
وقال :
“يا أيها الذين أمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا “
المستفاد من الآيات:
المطلوب فى أى نبأ أى خبر هو التبين أى معرفة صدقه من كذبه
عدم التصرف بناء على أى خبر إلا بعد التبين حتى لا يكون التصرف ذنبا يندم المسلم عليه لأنه يحوله إلى كافر فى تلك الحالة
أن نتيجة عدم التبين هى الندم وهو ما يعنى أن غير المتبين يرتكب ذنوب بناء على تصديقه للخبر دون تبين
الواجب هو عقاب مصدر الخبر الكاذب على حسب ما نتج عنه فأولا عقوبته الأولى هى :
الجلد ثمانين جلدة لكون الخبر شهادة زور
وعقوبته الثانية هى حسب الناتج عن الخبر فإن حدث قتل قتل وإن حدث جرح جرح وهكذا مع أخذ ماله أو بعضه لسداد ديات وعلاج الجرحى والقتلى لكونه شريك فى الجريمة