المؤلف عبد المحسن العباد وهو يدور حول مفهوم الإحسان وفضله وطرقه وكعادة مؤلفينا استهله بالتعريف اللغوى والاصطلاحى فقال :
“الإحسان في اللغة: ضد الإساءة, وهو مصدر أحسن إذا أتى بما هو حسن, وفي الاصطلاح: الإتيان بالمطلوب شرعا على وجه حسن”
ثم تعرض لمعناه فى حديث مشهور وهو حديث مخالف لكتاب الله فقال :
وقد أوضح صلى الله عليه وسلم الإحسان في حديث جبريل عليه السلام المشهور حين سأله عن الإسلام و الإيمان فأجابه عن كل منهما, وكان جوابه عند ما سأله عن الإحسان أن قال: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”, فقد بين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي رواه مسلم معنى الإحسان: وهو أن يفعل الإنسان ما تعبده الله به كأنه واقف بين يدي الله, وذلك يستلزم تمام الخشية والإنابة إليه سبحانه, ويستلزم الإتيان بالعبادة على وفق الخطة التي رسمها رسوله صلى الله عليه وسلم.”
والحديث لا يصح لأنه عرف الإسلام بأجزاء منه فى قوله : الإسْلَامُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، ولَا تُشْرِكَ به شيئًا، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ” فالإسلام هو الدين كله وليس أربعة أمور كما قال تعالى:
“إن الدين عند الله الإسلام “
كما أن تعريف الإيمان ناقص هو ألأخر فلا يوجد فيه الإيمان بالقدر أو الإيمان باليوم ألأخر وهو قوله :
“الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ”
وتحدث عن بيان سبب الحافز على الإحسان فقال:
“وقد ضمن صلى الله عليه وسلم جوابه عن الإحسان بيان السبب الحافز على الإحسان لمن لم يبلغ هذه الدرجة العالية, والمنزلة الرفيعة, ألا وهو: تذكير فاعل العبادة بأن الله مطلع عليه, لا يخفى عليه شيء من أفعاله, وسيجازيه على ذلك, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر, ولا شك أن العاقل إذا تذكر أن الله رقيب عليه أحسن عمله, رغبة فيما عند الله من الثواب للمحسنين, و خوفا من العقاب الذي أعده للمسيئين {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}”
ومفهوم الإحسان فى الحديث مع قوله تعالى” لن ترانى” وكذلك مع اعتبار الرؤية ذنبا فهى استكبار وعتو فى قوله تعالى ” وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا فى أنفسهم وعتو عتوا كبيرا”
ومن ثم لا يمكن أن تكون عقيدة المسلم فى الإحسان هى ذنب من الذنوب وتحدث العباد عن فضل الإحسان فقال :
“فضل الإحسان:
ولمزيد عناية الإسلام بالإحسان وعظيم منزلته نوه سبحانه بفضله, وأخبر في كتابه العزيز أنه يحب المحسنين, وأنه معهم, وكفى بذلك فضلا وشرفا, فقال سبحانه: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} , وقال: {فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين}، وقال: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} , وقال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.”
والإحسان فى كتاب الله إما بمعنى الإسلام نفسه وإما بمعنى عمل الطاعات التى أمر الله بها وهى عمل الحسنات كما تحدث عن جزاء المحسنين فقال :
“جزاء المحسنين:
ومن رحمة الله وفضله أن جعل الجزاء من جنس العمل, ومن ذلك أنه جعل ثواب الإحسان إحسانا كما قال: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} , فمن أحسن عمله أحسن الله جزاءه, وقد أوضح الله سبحانه في كتابه العزيز جزاء المحسنين, وأنه أعظم جزاء و أكمله, فقال تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} , وهذه الآية فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه مسلم عن صهيب رضي الله عنه بأن الحسنى: الجنة, والزيادة: النظر إلى وجه الله عز وجل”
وهذا الحديث مناقض للحديث الأول فى تعريف الإحسان فالإحسان هنا هو الجنة بينما فى الأول رؤية الله تعالى عن ذلك
وتحدث عن أن الكفار محجوبون عن الرؤية وهو كلام لا علاقة له بمعنى الحجب فالحجب هو منع الرحمة وهو منع المغفرة عنهم ولذا فسر عدم النظر بأنه عدم الكلام بأنه العذاب الأليم أى ليس لهم نصيب فى الجنة فقال :
” أولئك لا خلاق لهم فى الأخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم”
وفى هذا قال العباد:
“ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك العمل الذي هو الإحسان من المناسبة؛ فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرون جزاءهم على ذلك العمل النظر إليه عيانا في الآخرة, وعلى العكس من ذلك الكفار الذين طبعوا على قلوبهم فلم تكن محلا لخشيته و مراقبته في الدنيا, فعاقبهم الله على ذلك بأن حجبهم عن رؤيته في الآخرة كما قال تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} , وكما أن جزاء الذين أحسنوا الحسنى؛ فإن عاقبة الذين أساءوا السوأى كما قال تعالى: {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون}. ومما ذكره الله في جزاء المحسنين قوله: {وسنزيد المحسنين} , وقوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار} الآية, وقوله: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين, جنات عدن يدخلونها} الآية, وقوله: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} , وقوله:
{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} الآية, وقوله: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} , وقوله: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} , إلى غير ذلك من الآيات.”
وما سبق من آيات بدل على أن الجزاء هو الحسنى وهى الجنة ولا مجال لحكاية الرؤية ولو عقل من يصدقون أحاديث الرؤية لعرفوا أنهم يتهمون الله بالكذب والضحك عليهم تعالى عن ذلك عندما يرونه كما يزعمون فى صورة قطعا ليست ذاته
وتحدث عن طرق الإحسان فقال :
“طرق الإحسان:
والإحسان مطلوب في العبادات والمعاملات فأي عبادة افترضها الله على العبد فإن عليه أن يأتي بها على الوجه الذي رضيه سبحانه من إخلاصها له و موافقتها لشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم, وكما أن الإنسان يحب لنفسه أن يعامله غيره معاملة حسنة, فإن عليه أن يحسن إلى غيره, ويعامله بمثل ما يحب أن يعامل به هو, ذلك بسلوك طرق الإحسان التي نتعرض لبعضها فيما يلي على سبيل الاختصار:
1 – الإحسان بالنفع البدني:
وذلك بأن يجود ببذل ما يستطيعه من القوة البدنية في تحصيل المصالح ودفع المفاسد, فيمنع الظالم من الظلم, و يميط الأذى عن الطريق مثلا, وهذه الطريق هي التي عناها صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث المتفق عليه: “كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس, تصلح بين اثنين صدقة, وتعين الرجل في دابته, فتحمله عليها صدقة, أو ترفع عليها متاعه صدقة, و الكلمة الطيبة صدقة, وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة, و تميط الأذى عن الطريق صدقة”.”
والحديث هنا لا يصح فكل خطوة ليست صدقة وإنما العمل وهو المشى لخير هو الصدقة وهو الذى عليه الثواب ولذا لم يتحدث الله عن خطوات المشى وتحدث عن قطع الوادى أى عبور المكان ككل حيث اعتبره عمل حسن مكتوب فقال :
” ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا مخمصة فى سبيل الله ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوا نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم”
وقال :
2 – الإحسان بالمال:
ومن وسع الله عليه الرزق, وآتاه المال؛ فإن عليه أن يشكر الله على ذلك بصرفه في الطرق التي شرعها, فيقضي الحاجة, ويواسي المنكوب, ويفك الأسير, ويقري الضيف, ويطعم الجائع تحقيقا لقوله سبحانه: {وأحسن كما أحسن الله إليك}.
3 – الإحسان بالجاه:
وإذا لم يتمكن المؤمن من قضاء حاجة أخيه وإيصال النفع إليه, فعليه أن يكون عونا له في سبيل تحصيلها, وذلك بالسعي معه لدى من يستطيع ذلك, إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم, وامتثالا لأمره, فقد شفع صلى الله عليه وسلم لمغيث لدى زوجته بريرة رضي الله عنها, وأمر أصحابه بالشفاعة فقال: “اشفعوا تأجروا” متفق عليه.
4 – الإحسان بالعلم:
وهذه الطريق مع التي تليها أعظم الطرق و أتمها نفعا؛ لأن هذا الإحسان يؤدي إلى ما فيه سعادة الدنيا والآخرة, وبه يعبد الله على بصيرة, فمن يسر الله له أسباب تحصيل العلم وظفر بشيء منه كانت مسئوليته عظيمة, ولزمه القيام بما يجب للعلم من تعليم الجاهل وإرشاد الحيران, وإفتاء السائل, وغير ذلك من المنافع التي تتعدى إلى الغير.
5 – الإحسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ولم تكن أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – خير أمة أخرجت للناس إلا بسلوكها تلك الطريق, كما أن بني إسرائيل لم يلعن من لعن منهم على لسان أنبيائهم إلا لتخليهم عن ذلك الواجب من عدم اكتراثهم بارتكاب المنكرات, قال الله تعالى في حق هذه الأمة: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} , وقال في حق بني إسرائيل: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} , ثم بين سبب اللعن بقوله: {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون, كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} ولا يحصل المطلوب ويتم النفع إلا إذا كان الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر مؤتمرا بما يأمر به, ومنتهيا عما ينهى عنه, وإلا كان أمره ونهيه وبالا عليه لقول الله تعالى: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} , والإحسان إلى الناس بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لا بد أن يكون عن علم؛ لأن الجاهل قد يأمر بما هو منكر, وقد ينهى عما هو معروف, ولا بد أن يجمع إلى العلم الحكمة, ويصبر على ما أصابه, و من الأدلة على هذه الأمور الثلاثة قوله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} , وقوله: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} , وقوله: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك}. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إنكار المنكر على ثلاث مراتب إن لم تحصل المرتبتان الأوليتان فلا أقل من الثالثة التي هي أضعف الإيمان, كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حيث قال صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان”.”
وطرق الإحسان تتلخص فى طاعة كل حكم من أحكام الله وهو ما سماه الله عمل الحسنات وهى الأعمال الصالحات