قراءة فى كتاب المتحف في معنى السبعة أحرف

مؤلف الكتاب عدنان بن أحمد البحيصي والكتاب يناقش معنى الحروف السبعة المذكورة فى حديث ” نزل القرآن على سبعة أحرف” فيقول المؤلف فى المقدمة:
“وبعد :فقد أختلف العلماء قديما وحديثا في معنى الأحرف التي نزل بها القرآن ، وتباينت أراؤهم، فعزمت أن أكتب رسالة موجزة أضمنها للأدلة من سنة رسول الله (ص) على نزول القرآن في اللغة ، ثم معنى الحرف في اللغة ثم ذاكرا لأشهر الأراء في هذه المسألة مرجحا لما ترجح عندي وأسميت هذه الرسالة”المتحف في معنى السبعة أحرف””
واستهل المؤلف الكتاب ببيان معنى الأحرف لغويا فقال :
“المسألة الأولى: معنى الأحرف في اللغة
قال ابن منظور في لسان العرب:
حرف: الحرف من حروف الهجاء معروف، واحد من التهجي.
الحرف: الأداة التي تسمى الرابطة، لأنها تربط الاسم بالاسم والفعل بالفعل، كعن وعلى، ونحوهما
والحرف في الأصل الطرف والجانب وبه سمي الحرف من حروف الهجاء وحرفا الرأس شقاه، وحرف السفينة والجبل جانبهما، والجمع أحرف وحروف وحرفة
الجوهري: حرف كل شيء طرفه وشفيره وحده، ومنه حرف الجبل وهو أعلاه المحدد، وفي حديث ابن عباس “أهل الكتاب لا يأتون النساء إلى على حرف” أي على جانب.
والحرف من الإبل النجيبة الماضية التي أضنتها الأسفار، شبهت بحرف السيف في مضائها ونجائها ودقتها، وقيل هي الضامرة الصلبة، شبهت بحرف الجمل في شدتها وصلابتها.
وروي عن ابن عمر أنه قال : الحرف الناقة الضامرة، وقال الأصمعي الحرف: الناقة المهزولة ، وحرف الشيء ناحيته، وفلان على حرف من أمره ، أي ناحية منه ، كأنه ينتظر ويتوقع ، فإن رأى من ناحية ما يحب وإلا مال إلى غيرها.
وقال ابن سيده: فلان على حرف من أمره أي ناحية منه، إذا رأى شيئا لا يعجبه عدل عنه.وفي التنزيل العزيز :{ ومن الناس من يعبد الله على حرف } أي إذا لم ير ما يحب أنقلب على وجهه، قيل : هو أن يعبده على السراء دون الضراء .
وقال الزجاج : على حرف أي على شك،قال وحقيقته أنه يعبد الله على حرف أي طريقة في الدين لا يدخل فيه دخول متمكن ، فإن أصابه خير أطمأن به ، أي إن أصابه خصب وكثر ماله وماشيته اطمأن بما أصابه ، ورضي بدينه ، وإن أصابته فتنة اختبار بجدب وقلة مال انقلب على وجهه، أي رجع عن دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان .
وذكر ابن قتيبة نحوه
وروى الزهري عن أبي الهيثم قال أما تسميتهم الحرف حرفا فحرف كل شيء ناحيته، كحرف الجبل والنهر والسيف وغيره.
قال الأزهري :كأن الخير والخصب ناحية ، والشر والمكروه آية أخرى، فهما حرفان وعلى العبد أن يعبد خالقه على حالتي السراء والضراء، ومن عبد الله على السراء وحدها دون أن يعبده على الضراء يبتليه الله بها، فقد عبده على حرف، ومن عبده كيفما تصرفت به الحال فقد عبده عبادة عبد مقر بأن له خالقا يصرفه كيف يشاء ، وأنه إن امتحنه باللاواء أو أنعم عليه بالسراء ، فهو في ذلك عادل أو متفضل غير ظالم ولا متعد، له الخيرة وبيده الخير ولا خيرة للعبد عليه.
وحرف عن الشيء يحرف حرفا ، وانحرف وتحرف ، واحرورف عدل قال الأزهري : وإذا مال الإنسان عن شيء يقال :تحرف وانحرف واحرورف……وتحريف الكلم عن مواضعه تغييره “
وكل ما سبق هو اظهار اختلاف معنى كلمة حرف حسب السياق وهو لا يفيد فى البحث بشىء وتحدث البحيصى عن رواية نزول القرآن على ثلاثة أحرف فقال :
|المسألة الثانية: حديث نزول القرآن بغير لغة قريش على ثلاثة أحرف:
جاءت أحاديث كثيرة دلت على أن القرآن نزل بلغة قريش وبثلاث لغات غيرها ، فقد أخرج الحاكم في مستدركه، والإمام أحمد أن النبي (ص) قال: “أنزل القرآن على ثلاثة أحرف”.
لكن لنا كلمة في أسانيد الحديث السابق، فكل روايته تدور حول رواية الحسن عن سمرة، والحسن متكلم فيه ، واتهمه البعض بالتدليس فهو يروي عمن لم يدركهم وعمن لم يسمع منهم من الصحابة
غير أن البخاري والترمذي وعلي بن المديني وأحمد وأبو داود إلى سماع الحسن من سمره، فقد روى البخاري منه سماعا منه لحديث العقيقة ، وثمة أحاديث أخرى رواها الحسن عن سمرة غالبها في السنن الأربعة وعن علي بن المديني أن كلها سماع، كذا حكى الترمذي عن البخاري
والحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه قال فيه :” وقد احتج البخاري برواية الحسن عن سمرة، واحتج مسلم بأحاديث حماد بن سلمة ، وهذا الحديث صحيح وليس له عله ” وأقره الذهبي.
وهذا ما نقره كذلك بعد تمحيص للأراء في سماع الحسن عن سمرة”
وبعد أن ذكر أن حديث نزول القرآن على ثلاثة أحرف صح إسناده تحدث عن الحديث المناقض له وهو نزول القرآن على سبعة أحرف فقال :
المسألة الثالثة: حديث نزول القرآن على سبعة أحرف
لقد جاءت أحاديث صحيحة دلت على أن القرآن نزل على سبع أحرف، فقد روى البخاري وباقي الستة عدا ابن ماجه أن عمر بن الخطاب قال:” سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله (ص)، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (ص)، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال أقرأنيها رسول الله (ص)
فقلت له : كذبت أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده لرسول الله (ص) ، فقلت :إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال :أرسله ، اقرأ يا هشام فقرأ السورة التي سمعته، فقال رسول الله (ص):كذلك أنزلت ، ثم قال رسول الله (ص) : اقرأ يا عمر ، فقرأت التي أقرأني فقال:كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ما تيسر منه “”
لا أدرى كيف استساغ البحيصى أن يكون الحديثان صحيحان وهما متناقضان عدديا ؟
إن الرسول(ص) لو تكلم فسيكون كلامه واحدا وليس كلامين مختلفين والغريب أنه هنا لم يناقش إسناد الحديث وكأنه أراد أن يقول أن الرسول(ص) مخرف أو كاذب ومعاذ الله أن يكون الوحى متناقض
وتحدث عن الاختلاف بين الأحرف في القرآن فقال:
“المسألة الرابعة: الاختلاف بين الأحرف في القرآن
أخرج الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده والطبري عن أبي بن كعب انه قال:” كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله (ص) فقلت:” إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله (ص) فقرآ، فحسن النبي (ص) شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأي رسول الله (ص) ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأني أنظر إلى الله فرقا ، فقال لي :
يا أبي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي فرد علي الثانية أقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة أقرأه على سبع أحرف فلك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها فقلت: اللهم أغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم (ص)”
الرواية خاطئة للتالى :
الخطأ الأول الجهر بالقراءة فى الصلاة بدليل سماع ابى للقراءتين وهو ما يناقض قوله تعالى :
“ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا”
الخطأ الثانى رغبة الخلق جميعا لمحمد(ص) حتى إبراهيم(ص)وهو ما يخالف رغبة الخلق فى الله وليس فى مخلوق مثلهم لا يقدر على شىء حتى لنفسه كما قال تعالى :
” والأمر يؤمئذ لله”
ثم قال :
“كما روى الإمام مسلم في صحيحه والنسائي بلفظه ، والطبري كمثله ، وابن ابي شيبة مختصرا: ” أن النبي (ص) كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل عليه السلام فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف ، فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتاه الثانية فقال :إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين ، فقال :أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على ثلاثة أحرف فقال :أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة فقال له : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا””
فى هذه الرواية الرد الأخير بسبعة أحرف كان فى الرابعة وهو ما يناقض أنها كانت فى الثالثة فى الرواية السابقة عليها فى قوله” فرد إلي الثالثة أقرأه على سبع أحرف”
ومن ثم تتناقض الروايات ولا تصح واحدة منهما
وتكلم البحيصى عن السبعة أحرف فقال :
“ومما يدل عليه حديث أبي أن تباين الأحرف السبعة كائن في القراءة وهيئات النطق بالقرآن الكريم، لأن أبيا استمع لتلاوة الرجلين في الصلاة فاستنكر مخالفتهما بما يعهده في التلاوة ، فرفع ذلك إلى رسول الله (ص) ، ولقد أقر الرسول (ص) بقرآنية تلاوتهما ، حيث أنزل القرآن على سبع أحرف تسهيلا للأمة نظرا لاختلاف لهجات العرب وألسنتهم.
قال ابن قتيبة : “وكل هذه الحروف كلام الله تعالى، نزل به الروح الأمين على رسوله عليه السلام، وذلك أنه كان يعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن فيحدث الله إليه من ذلك ما يشاء ، وينسخ ما يشاء وييسر على عباده ما يشاء ، فكان من تيسيره أن أمره بأن يقريء كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم….”
ويدل حديث أبي ، أن الشيطان قد يستغل تساؤل المرء كيف يقرأ كلام الله على سبعة أوجه؟
فيقذف الشك في نفس هذا الرجل ليكدر صفو إيمانها، ويوهن من قوة يقينها بالله ورسوله وكتابه.
لكن رسول الله (ص) يعالج أبيا بضربة نبوية على صدره، ليزول الشك قبل أن يستقر في قلبه، فهو غير مؤاخذ لأن الشك ما استقر في قلبه ، فكان كما قال القرطبي في تفسيره :” ولما رأى النبي (ص) ما أصابه من ذلك الخاطر نبهه بأن ضربه في صدره، فأعقب ذلك أن انشرح صدره، وتنور باطنه حتى آل به الكشف والشرح إلى حال المعاينة، ولما ظهر له قبح ذلك الخاطر خاف من الله تعالى وفاض بالعرق استحياء من الله تعالى، فكأن هذا الخاطر من قبيل ما قال فيه النبي (ص) حين سألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال :”وقد وجدتموه”! قالوا نعم ، قال : ذلك صريح الإيمان” “
والقوم يبررون ضرب القائل لأبى وهو ما يتعارض مع كونه لين ليس فظا كما قال تعالى :
“فبما رحمة من ربك لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لإنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر”
وتحدث عن عدد الحروف فقال:
“المسألة الخامسة: عدة الأحرف سبعة على الحقيقة
تدل الأحاديث الواردة أن المراد بالأحرف السبعة هي سبعة على الحقيقة، فالرسول (ص) لما طلب الاستزادة منها ما طلب ذلك إلا تخفيفا للأمة.
كما تدل الأثار أن كل حرف من الحروف السبعة المنزلة قرآن والقراءة بحرف واحد منها كافي لأن كل حرف مستغن بذاته عن غيره
قال الطبري رحمه الله في معنى قول رسول الله (ص) : “كل شاف كاف” : ( فإنه كما قال جل ثناؤه في صفة القرآن { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } ، جعله الله للمؤمنين شفاء، يستشفون بمواعظه من الأدواء العارضة لصدورهم ببيان آياته )
وبين عبد الرحمن الرازي أن كلا من الأحرف قرآن يؤدي أغراض القرآن وأثاره فقال فأما قوله عليه الصلاة والسلام في الخبر(كلها شاف كاف ) فإن ابن عباس قال:كلها بيان وحكمة شافية للعباد كافية لهم، ومعنى ذلك أن كل حرف من الأحرف السبعة يشفي العباد ويكفيهم ، ليس لأحدها فضل على الآخر بعد كون جميعها منزلا من عند الله ، وكلامه بكل واحد من الأحرف في الخبر موصوف بالشفاء والكفاية لأهل التنزيل على الجملة نحو (شفاء ورحمة للمؤمنين) (أو ليكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب ) “
حكاية الحروف السبعة لو عقلها القوم كما يفسرونها لعلموا أنه مصيبة لأن تلك الحروف تحدث اختلافا فى المعنى وهو ليس اختلافا هينا فقد يتحول معنى آية من الحق للباطل كقراءة ” وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين”
فقراءة ملكين بفتح الميم فى ملكين من الملائكة قراءة خاطئة لأن اله فسرها بالملك وهو الحكم فى قوله “يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى”
فالقراءات المزعومة يمكن أن تكون مصدرا من اكبر مصادر الخلافات بين الناس وهى بالفعل كذلك
وفى الفصل الثانى تكلم عن مذاهب العلماء في معنى الأحرف السبعة:
“الفصل الثاني
المسألة الأولى : مذهب العلماء في معنى الأحرف السبعة
اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة وتشعبت أقوالهم وتعددت حتى بلغت في بعض الأقوال أربعين رأيا ، منها ما يصلح للإعتبار والنظر والأخذ والرد والترجيح، ومنها أقوال من قوم قد بدرت من غير أنها يكون لها سند معتبر.
دل على ذلك قول القرطبي :”وقد اختلف الناس في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا …”
وقال السيوطي :”اختلف في معنى الحديث على نحو أربعين قولا ”
وقال المنذري :” أكثرها غير مختار”
أما نحن فسنعرض إن شاء الله المذاهب التي تصلح للنظر والإعتبار والأخذ والرد والترجيح :
المذهب الأول : ذهب أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي إلى أن حديث الأحرف السبعة مشكل لا يعرف له معنى ، وليس يدل على حكم ما، يدل على ذلك أن الحرف يصدق لغة على أربعة معان:
1. تسمي العرب القصيدة بأسرها “كلمة” وتسمي هذه الكلمة المنظومة حرفا.
2. كما يصدق الحرف لغة على المعنى
3. ويصدق أيضا في الجهة
وهكذا يرى ابن سعدان أن الحرف في اللغة مشترك لفظي لا يعرف معناه المقصود ، والمشترك في اصطلاح الأصوليين : لفظ وضع وضعا شخصيا لمعنيين فأكثر، بأوضاع متعددة ابتداء، بلا نقل من معنى إلى آخر وهذا ينطبق تماما على لفظ حرف.
ولقد اتضح لي بعد أن لفظ حرف هنا يعني أحد المعاني دون غيرها، يتضح ذلك بالنظر ، فهي ليس اللفظ ، كما أنها ليست حروف الهجاء ، وليس المعنى لأن معاني القرآن الكريم كثيرة جدا تتجاوز السبعة.
و لعل المقصود الجهة، بمعنى أن القرآن الكريم نزل على سبع جهات أو أنحاء من الكلام العربي ، وبتعبير أدق على سبع من لغات القبائل العربية.
المذهب الثاني : مذهب القاضي عياض ومن معه ، ويرى أصحاب هذا المذهب أن المراد بالسبعة في الحديث التيسير والتسهيل والثقة ، لا حقيقة العدد، مستدلين على ذلك أن لفظ السبعة يطلق في اللغة ويراد به الكثرة في الآحاد ، كما يطلق السبعون في العشرات ، والسبعمائة في المئين، ولا يراد بها العدد المعين
وقد ذهب لهذا الرأي محمد جمال الدين القاسمي في مقدمة تفسيره، وكذلك ذهب مصطفى صادق الرافعي إلى هذا القول معتمدا على أن السبعة ترمز إلى الكمال في نظر العرب، فقال :{ ما كان العرب يفهمون من معنى الحرف في الكلام إلا اللغة، وإنما جعلها سبعة رمزا للقوة من معنى الكمال في هذا العدد…..}
ويرد على هذا القول بالأحاديث التي تضافرت في الدلالة على أن المراد بالسبعة حقيقة العدد منحصرا فيها
المذهب الثالث: أن معنى الحرف القراءة، روي ذلك عن الخليل بن أحمد، وأن القرآن نزل ليقرأ على سبع قراءات ،قال القاضي أبو بكر الطيب :{ وزعم قوم أن كل كلمة تختلف القراءة فيها فإنها على سبعة أوجه، …..} .
ويجاب على ذلك: أنه لا يوجد في القرآن كلمة يصل تعداد قراءتها إلى سبع إلا القليل فهذا القول ممتنع غير صحيح.
المذهب الرابع: وهو أن يرد الاعتراض السالف على أصحاب المذهب السابق أنه ليس المقصود أن لكل كلمة سبع قراءات ، وإنما قد تقرأ الكلمة بوجه أو إثنين أو أكثر إلى سبعة.
ويجاب عن ذلك أن بعض الكلمات تقرأ بوجوه كثيرة تتجاوز السبعة، كقوله تعالى :{ عبد الطاغوت } فهي تقرأ باثنين وعشرين وجها، وفي كلمة أف سبع وثلاثون وجها
وبذلك يكون هذا القول مرجوحا.
المذهب الخامس : أن المراد بالأحرف السبعة في الحديث سبعة وجوه تنحصر في كيفية النطق بالتلاوة ، من إدغام وإظهار، وتفخيم وترقيق، وإمالة وإشباع، ومد وقصر، وتشديد وتخفيف، وتليين وتحقيق، وهو محكي عن بعض القراء .
ويجاب على ذلك أن جميع الوجوه المذكورة ترجع إلى نوع واحد وهو اختلاف اللهجات، ويكون تفسير حديث الأحرف السبعة به قاصرا عن شمول أنواع القراءات التي مردها إلى إختلاف اللهجات، فهذا الرأي مرجوح.
المذهب السادس: أن المراد بالأحرف السبعة ينحصر في بعض الآيات إذ تقرأ على سبعة أوجه، ونقل هذا القول القاضي الباقلاني عن جماعة ، ويرد على ذلك أن الحديث الوارد في السبعة الأحرف يفهم منه جميع القرآن لا بعضه.
المذهب السابع : أن المراد بالأحرف : ظهر وبطن، وفرض وندب ، وخصوص وعموم وأمثال واستدلوا على ذلك بحديث رواه عبد الله بن مسعود عن رسول الله (ص) أنه قال :”أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن، ونهى أن يستلقى الرجل ، أحسبه قال : في المسجد ويضع إحدى رجليه على الأخرى”
أجيب على ذلك : أنه لا دلالة في الحديث لما ذهبوا إليه ، لأن المعنى أن كل حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها يتصف بأن له ظهرا وبطنا، وحدا ومطلعا ، فهذه أوصاف الأحرف ولبس أعيانها وبذلك يظهر أن قولهم لا نصيب له من الاستدلال الصحيح.
المذهب الثامن:أن المراد بالأحرف السبعة سبعة أصناف من المعاني أنزل الله القرآن عليها وهذه الأصناف هي أمر ونهي، ووعد ووعيد ،وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه) وأستدلوا بحديث ابن مسعود عن النبي (ص) أنه قال :”كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف، زاجر وآمر، وحلال وحرام ، ومحكم ومتشابه، وأمثال ، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه ، واعتبروا بأمثاله، وأعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابه، وقولوا “آمنا به كل من عند ربنا”
وفي الحديث نظر، ففي سنده عمار بن مطر وهو ضعيف جدا ووثقه بعضهم كما أن أبي سلمة بن عبد الرحمن لم يلق ابن مسعود فالحديث في حكم المنقطع ، وقد قال بذلك جمع من أهل العلم.
ومما يذكر أن جميع الأحاديث الذي يستدل بها أصحاب هذا المذهب أحاديث لا يحتج بها، إما لضعف بها أو لإرسالها أو لانقطاعها.
قلت :كما أن حديث عمر ينفي ما فهمه أصحاب هذا المذهب من هذا الحديث، إذ أن الإختلاف كان على صلاة الرجل بقراءة ما أقرئها رسول الله (ص) لعمر رضي الله عنه، وما كان الإختلاف لا في الزاجر ولا في الآمر ولا في الوعد ولا في الوعيد ولا في الحلال ولا في الحرام ولا في المحكم ولا في المتشابه.
المذهب التاسع : وهو القول بأن المراد بالأحرف السبعة هو الإختلاف في الكلام من سبعة وجوه
1. الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، مثال ذلك من قوله تعالى : “والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” قرأت هكذا:”لأمانتهم ” بالإفراد أيضا.
2. اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر مثال ذلك من قوله تعالى :”ربنا باعد بين أسفارنا” وقرأت ربنا بعد بين أسفارنا” على أساس أن الفعل تحول من فعل أمر لفعل ماض.
3. اختلاف وجوه الإعراب، مثال ذلك من قوله تعالى:”ذو العرش المجيد” قرىء برفع لفظ المجيد وجره، فالرفع على أنه نعت لكلمة ذو والجر على أن نعت لكلمة العرش.
4. الاختلاف بالنقص والزيادة، مثاله من قول الله تعالى : “وما خلق الذكر والأنثى” قرىء كذلك :”والذكر والأنثى ” من غير وما خلق.
5. الاختلاف بالتقديم والتأخير مثاله من قول الله تعالى :”وجاءت سكرة الموت بالحق” قرىء:”وجاءت سكرة الحق بالموت”
6. الاختلاف في الإبدال : مثال ذلك قوله تعالى :”وطلح منضود” قرىء “وطلع منضود”.
7. اختلاف اللهجات كالإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام، مثاله من قول الله تعالى:”بلى قادرين” وقرىء :”بلى قادرين” بالإمالة وهذا المذهب المختار من المذاهب السابقة كلها، وذلك لأن :
1. أنه هو الذي تؤيده الأدلة في أحاديث السبعة حروف.
2. أن باقي الأقوال ضعيفة مدحوضة.
3. أن هذا المذهب يعتمد على الاستقراء التام لاختلاف القراءات ، بخلاف المذاهب الأخرى التي كان استقراءها ناقصا لأمور دون أمور.”
المذهب الذى اختاره البحيصى هو مذهب يثبت أن المصحف محرف بدليل تغيير مواضع الكلمات فى قوله مثاله من قول الله تعالى : “وما خلق الذكر والأنثى” قرىء كذلك :”والذكر والأنثى ” من غير وما خلق وكذلك تغيير المعنى بزيادة حروف أو نقصها كما فى قوله”مثال ذلك من قوله تعالى :”ربنا باعد بين أسفارنا” وقرأت ربنا بعد بين أسفارنا” كما أنه يحرف معنى الكلمة كمثال طلح وطلع الذى ضربه
ومن ثم لا يمكن القبوب بهذا الرأى ولا بغيره لأن الحديث لا يمكن أن يكون معناه صحيح وهو يخالف قوله تعالى ” سبعا من المثانى”
فالله ذكر مثانى أى متشابهات ولم يذكر حروفا تغير المعاتى وتقلب الكتابة
وتحدث مجيبا عن هل يتضمن مصحف عثمان الأحرف السبعة؟ فقال:
“المسألة الثانية : هل يتضمن مصحف عثمان الأحرف السبعة؟
إن من أهم الدوافع التي دفعت عثمان إلى جمع المصحف ما جاءه من خبر أولئك القوم الذين اجتمعوا من بلاد عدة لغزو أرمينية، فأخذ كل جماعة منهم يقرأ بما يعلمه من القراءة، واشتد الخلاف بين أهل الشام وبين أهل العراق، مما دفع حذيفة أن يقص على امير المؤمنين ما حدث، ففزع عثمان وجاء بالنسخة المحفوظة عند أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها ، لتكون الإمام الذي يحتكم إليه فيما هو مقدم عليه، ثم جمع من الصحابة بضع نفر من الحفاظ منهم زيد بن ثابت الذي جمعه على عهد الصديق ثم جعل معه أبان وسعيد ابني العاص، وعبد الله من الزبير وعبد الرحمن بن الحارث،وأوصاهم أن يكتبوا القرآن وإن اختلفوا في شيء كتبوه لغة قريش فكتبه هؤلاء وزيادة في التثبت جاء عثمان بالمصحف الإمام وقارنه بما جمعه هؤلاء الصحابة فوجده مطابقا تماما لما عند حفصة رضي الله عنها ويظهر لنا جليا أن مصحف عثمان يتضمن الأحرف السبعة لأن ما فهمناه أنه الأحرف السبعة موجود في مصحف عثمان”
وقطعا لا يوجد أى دليل على هذا التضمن المزعوم فتبديل الكلمات مكان بعضها غير موجود فى المصحف وتغيير كتابة الكلمات كطلح على طلع ليس موجودا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *