الكتاب تأليف فيحان بن شالي المطيري وهو يدور حول حكم صوم الست من شوال وبين سبب تأليفه الكتاب وهو المساهمة فى الفقه الشرعى فقال:
” وبعد:
فإن المساهمة في طلب العلم الشرعي من أجل الأعمال لما فيه من النفع العظيم الحاصل للباحث نفسه ولأفراد المجتمع الإسلامي، …أردت أن أساهم بجهد مقل في خدمة هذا الفن أعني الفقه الشرعي، ونظرا لفضل التطوع من صيام وصلاة وصدقة، وأنه مكمل للفرائض، وقد وردت النصوص الشرعية بالحث على فعله؛ لما فيه من الثواب العظيم، فقد دونت وريقات -أرجو ثوابها من الله- عن حكم صيام الست من شوال بعد رمضان، ومن الأسباب الحاملة على ذلك ما يلي:
1- ما تقرر في الشريعة وفهمه أهل العلم قديما وحديثا من الثمرة المترتبة على هذا العمل الجليل أعني تحصيل الفقه وتدوينه، ومعلوم أنه من الصدقات الجارية التي يدوم نفعها بعد الموت.
2- ما يحصل من تكرر هذه العبادة كل عام بعد شهر رمضان، وحاجة المجتمع المسلم الماسة إلى معرفة حكمها، خصوصا من يكون عليه دين من شهر رمضان هل يقدم الدين أو التطوع.
3- ما حصل من الجرأة من بعض الكتاب في بعض الصحف من إنكار شرعية صيامها، وأن ذلك من البدعة، مع قلة علمهم ومعرفتهم بالأحكام الشرعية.
4- لا شك أن جمع المادة المتفرقة في مكان واحد من الأسباب التي تيسر الحصول عليها وحفظها وفهمها وهو ما قصدناه هنا. “
وهى مقدمة تبين تعدد أسباب التأليف فى الموضوع وقد استهل ببيان حكم صوم الست فقال:
“المبحث الأول: حكم صيام الست من شوال بعد رمضان:
اعلم أن الأعمال الصالحة تنقسم قسمين، واجبات ومستحبات، فالواجبات كالصلوات الخمس والزكاة وصيام رمضان والحج في العمر مرة واحدة.
والمستحبات كالرواتب والوتر وصيام الاثنين والخميس وصيام يوم وإفطار يوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام يوم عرفة وعاشوراء، وصيام ستة أيام من شوال بعد رمضان، وغير ذلك من المستحبات التي دلت على سنيتها النصوص الصحيحة المستفيضة عند أهل العلم وإنما كان هذا التنويع ليأخذ المسلم من كل عبادة بطرف؛ حتى لا يمل العبادة الواحدة فيتركها فيشقى شقاء ليس بعده شقاء، وأمر آخر وهو أن الواجبات قد يحصل فيها نقص وخلل فتكمل من النوافل”
والخطأ فى الفقرة السابقة هو كون المباحات تنقسم لفروض ومستحبات وهو تقسيم بشرى فالتقسيم الموجود هو
الفروض الواحدة بمعنى أن المسألة فيها حكم واحد فقط
الفروض الاختيارية بمعنى أن المسألة يكون فيها حكمين أو ثلاثة كالقتل ففيه القصاص وفيه العفو مع الدية وفيه العفو بلا دية وكحكم المهر عند طلاق المخطوبة ففيه حكمين اعطاء الزوج المطلق نصف المهر والحكم الثانى اعطاء الزوج المطلق المهر كله
وتحدث عن كون صيام الست مستحب فقال:
“وقد أثير في هذه الأيام -من بعض الكتاب الذين ليس لهم خبرة بالمسائل الفقهية وأدلتها الشرعية- عدم صيام الست من شوال بعد رمضان، بحجة الخوف من اعتقاد العامة بوجوبها بعد رمضان، وأظن أن هذا الكاتب لو اطلع على أقوال الفقهاء في المسألة وأدلتها لما تجرأ إن كان عنده خوف من الله -عز وجل- على إثارة مثل هذه الشبهة، وأقول -بيانا للحق- إن صيام الست من شوال سنة مستحبة، وهو من فضائل الأعمال التي يثاب عليها الإنسان، وإلى استحباب صيامها ذهب أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعية والحنابلة والظاهرية، وطائفة من الحنفية والمالكية.
قال ابن قدامة في المغني:”وجملة ذلك أن صوم ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم، روي ذلك عن كعب الأحبار والشعبي وميمون بن مهران وبه قال الشافعي”أ.هـ. (المغني 4/438).
وقال النووي في المجموع:”يستحب صوم ستة أيام من شوال لهذا الحديث، قالوا: ويستحب أن يصومها متتابعة في أول شوال، فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال جاز، وكان فاعلا لأصل هذه السنة لعموم الحديث وإطلاقه. وهذا لا خلاف فيه عندنا وبه قال أحمد وداود”أ.هـ. (المجموع 6/347).
وقال الشوكاني في (النيل):”وقد استدل بأحاديث الباب على استحباب صوم ستة أيام من شوال، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وداود وغيرهم”أ.هـ وقال النووي في شرح صحيح مسلم بعدما ذكر حديث أبي أيوب وهو قوله (ص)”من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر” فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة”أ.هـ (النيل 3/266).
وقال الترمذي حديث أبي أيوب حسن صحيح، وقد استحب قوم صيام ستة أيام من شوال بهذا الحديث قال ابن المبارك: هو حسن هو مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر”أ.هـ (جامع الترمذي مع العارضة 3/290).
هذا ما قاله بعض الأئمة الأعلام في هذه المسألة وهو غيض من فيض وقليل من كثير والمعول عليه هو الدليل.”
وكل هذه النقول ليس منها فائدة فلا يوجد شىء اسمه صوم التطوع أيا كان لأنه تشريع من قبل البشر لم ينص الله عليه وهو مشاركة لله فى التشريع الذى أنزله كاملا فقال ” اليوم أكملت لكم دينكم” ومن ثم لا يجوز إضافة أحكام للدين حتى ولو نسبت للنبى(ص)
الصوم فى كتاب الله هو فرض فى رمضان لقوله ” فمن شهد منكم الشهر فليصمه” وهو عقاب على الذنوب أى كفارة كما فى الظهار والقتل الخطأ والحنث فى اليمين ومن ثم لا يمكن استحباب عقاب كعمل
المصيبة الكبرى هى فى تصديق الروايات المنسوبة للنبى(ص) فى الأمر وسوف نبين المصيبة فيما بعد وفيها قال المطيرى :
ومعلوم أن الفيصل في كل مسألة عند الاختلاف هو السنة الثابتة عن رسول الله (ص)ولا قول لأحد –مهما كانت منزلته- إذا كان يعارض سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القولية أو الفعلية أو التقريرية والوارد في ذلك من السنة مما وقفنا عليه ما يلي:
1- ما أخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي من حديث أبي أيوب “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر” (صحيح مسلم ح (1164) في الصيام: باب استحباب صوم ستة أيام من شوال، مسند أحمد (5/417) سنن أبي داود ح (2433)في الصوم باب: في صوم ستة أيام من شوال، مسند الترمذي ح (759) في الصوم باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال، سنن ابن ماجة (1716) في الصيام باب: صيام ستة أيام من شوال).
2- ما أخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد والدارمي والبزار من حديث ثوبان عن النبي (ص)قال:”من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها” (سنن ابن ماجة (1715) في الصيام باب صيام ستة أيام من شوال، مسند أحمد (5/280) وسنن الدارمي (2/21) وانظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (8/398) ح (3635).
3- وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله (ص)يقول:”من صام رمضان وستا من شوال فكأنما صام السنة كلها” رواه أحمد (3/308)، والبزار والطبراني في الأوسط: قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/183) وفي إسناده عمرو بن جابر وهو ضعيف”.
4- وعن أبي هريرة عن النبي (ص)قال:”من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر” قال في المجمع رواه البزار وله طرق رجال بعضها رجال الصحيح” مجمع الزوائد (3/183).
5- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص)”من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة كلها” قال في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لا أعرفه” مجمع الزوائد (3/183).
6- وعن ابن عباس وجابر أن النبي (ص)قال:”من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال صام السنة كلها” قال في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن سعيد المازني وهو متروك” مجمع الزوائد (3/184).
7- وعن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص)”من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه” قال في المجمع رواه الطبراني في الأوسط وفيه مسلمة بن علي الخشني وهو ضعيف” مجمع الزوائد (3/184).
8- وعن عبد الرحمن بن غنام قال: قال رسول الله (ص)”من صام ستا بعد يوم الفطر فكأنما صام الدهر والسنة” وقال في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الكبير وقال عبد الرحمن بن غنام لم أعرفه” مجمع الزوائد (3/183).
فهذه ثمانية أحاديث دالة بمنطوقها على استحباب صيام ست من شوال، وبيان وجه الدلالة على المراد من وجوه:
الوجه الأول: ما ورد من التنصيص الصريح على الاستحباب، ومعلوم أن الحكم الشرعي -خصوصا العبادات- لا يؤخذ إلا من الدليل، وقد دلت هذه الأحاديث على مشروعية صيامها، ولا شك أن حكم العبادات توقيفي لا يقال فيه بالرأي.
الوجه الثاني: بعض الأحاديث لا تخلو من مقال غير حديث أبي أيوب الذي أخرجه السبعة إلا البخاري والنسائي، والقاعدة عند أهل العلم أن الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره ويصبح صالحا للاستدلال، فلا مجال لرد الاستدلال بحجة ضعف أسانيدها، لكون ما أورد على بعضها مجبرا بكثرة الطرق على أن مثل ذلك مفتقر في الفضائل.
الوجه الثالث: لا يخفى أن المعول عليه عند التعارض هو السنة الصحيحة، فلا قول لأحد مخالف لقول رسول الله (ص)والقاعدة عند أهل العلم أن القياس المعارض للنص فاسد الاعتبار، ولم ينقل في هذه المسألة نص صحيح ولا ضعيف يعارض هذه الأحاديث، وكذلك لم ينقل نص واحد فيما اطلعنا عليه عن الصحابة في عدم استحباب صيامها، وإنما ذهب من ذهب إلى الكراهة لشبهة سنذكرها فيما بعد، وهي شبهة لا يصلح التعويل عليها ولا تصلح دليلا معارضا للسنة.
هذا ما استدل به القائلون باستحباب صيام الست من شوال، وهي أدلة ظاهرة كما ترى، وقد تعلق الكاتب لمنع صيامها بما نقل عن بعض الفقهاء من الكراهة، وهو القول الثاني في المسألة.
القول الثاني: كراهة صيامها، وبه قالت الحنفية والمالكية، والناظر في أقوال الفقهاء يرى أنها لا تخرج عن الجواز، بيد أن أصحاب القول الأول يرون الاستحباب والفضيلة وأصحاب القول الثاني يرون الجواز مع الكراهة.
والتحقيق أن أصحاب القول الثاني الذين تنسب إليهم الكراهة يرى كثير منهم الاستحباب كالقول الأول، أعني أن من فقهاء الحنفية والمالكية من يرى الاستحباب مطلقا ومنهم من قيده بقيود.
ولا شك أن المشهور عن الإمام مالك الكراهة، وإليك بعض النصوص من مصادر المذهب المعتمدة. فالمشهور في المذهب عنه في شروح الحديث وكتب الخلافيات كالبداية وغيره الكراهة عنده مطلقا مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس منه، قال ابن رشد في البداية “لعله لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده وهو الأظهر” (بداية المجتهد 1/308).
وانظر إلى ما قاله الدردير في الشرح الكبير “ستة من شوال تكره لمقتد به متصلة برمضان متتابعة وأظهرها معتقدا سنة اتصالها” (الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/517).
فهذه أمور خمسة كما ترى في كلام الدردير قال الدسوقي:”فالكراهة مقيدة بهذه الأمور الخمسة فإن انتفى منها فلا كراهة”.
أما الحنفية فالمشهور عندهم –كالمالكية- الكراهة، ولم يتفقوا على ذلك وإنما صرح بعضهم باستحباب صيامها، كما في “نور الإيضاح” وشرحه “مراقي الفلاح” فقد نص على أنها من المندوبات.
وقال في “البدائع” والاتباع المكروه هو أن يصوم يوم الفطر ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة. (بدائع الصنائع 2/78).
وفي “الدر المختار” ندب تفريق الست من شوال ولا يكره التتابع على المختار خلافا للثاني “رأي أبي يوسف” والاتباع المكروه أن يصوم الفطر وخمسة بعده، فلو أفطر الفطر لم يكره بل يستحب ويسن “ابن كمال” (فتح القدير).
وانظر إلى حاشية ابن عابدين حيث بسط كثيرا من نصوص المذهب في عدم الكراهة. ثم قال”وتمام ذلك في رسالة تحرير الأقوال في صوم الست من شوال للعلامة قاسم، وقد رد فيها على ما في منظومة التباني وشرحها من عزوه الكراهة مطلقا إلى أبي حنيفة وأنه الأصح بأنه على غير رواية الأصول، وأنه صحيح ما لم يسبقه أحد إلى تصحيحه، وأنه صحح الضعيف وعمد إلى تعطيل ما فيه الثواب الجزيل بدعوى كاذبة بلا دليل” (حاشية ابن عابدين 2/435).
ومنه تعلم أن المرجح عند فقهاء الحنفية هو الندب، وما حكي عنهم خلاف ذلك إما مرجوح غير رواية الأصول أو محمول على صوم يوم العيد”
المصيبة فى روايات الست أن الروايات التى يعترف بها القوم كلها تقول “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر”
فهنا صيام36 متتابعة بلا فطر هذه هى المصيبة التى تتعارض مع قوله تعالى ط فمن شهد منكم الشهر فليصمه” ومن ثم الشهر واجب بعد الفطر ولكن هنا36 يوم متصلة
الحديث يتعارض مع ما يسمونه السنة العملية وهى أن الناس يفطرون يوم عبد الفطر الأول ثم يصمون بعده
صوم الست سواء مباشرة بعد رمضان أو حتى بعده يتعارض مع تسمية العيد بعيد الفطر الذى لابد فيه من الفطر وهو الأكل والشرب والجماع
الإرب هو أن الروايات المرفوضة الواهية بسبب أسانيدها هى الصحيحة المعنى نوعا ما وهى :
“من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها”
الناس والفقهاء يطبقون إذا الروايات المنكرة عمليا فى الحياة ويتركون العمل بالروايات الصحيحة عند الفقهاء وهى مصيبة كبرى
المصيبة الأخرى أن صيام الست هو تمام السنة والسنة ليست 6 أيام لأنها فى الغالب 360 يوم ومن ثم صوم 30+6=36×10 حسنات =360 حسنة وتناست الروايات وجود روايات تقول بأن رمضان قد يكون30 أو 29 يوم ومن ثم لا يكون ذلك تمام السنة
وسنرى فى نقول المطيرى عجبا فهو ينقل عن مالك التالى:
“دليل القائلين بالكراهة:
لم أر فيما اطلعت عليه دليلا لهؤلاء منصوصا من الكتاب أو السنة، وإنما تمسكوا بأدلة عقلية. قال يحي:”سمعت مالكا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان أنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه، أهل الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك”أ.هـ (الموطأ 1/311).
ويمكن الجواب عن هذا الاستدلال بأن قول الإمام مالك “لم أر أحدا يصومها” لا يصلح دليلا ترد به السنة الصحيحة، وقد نقل عن الإمام مالك في أكثر من موضع عدم الاعتبار بقوله إذا خالف السنة، ولا ريب في مكانته ومعرفته للسنة رحمه الله، وقد اعتذر بعض المحققين في مذهب مالك عن مخالفة الإمام لهذه الأحاديث بأنها لم تبلغه أو لم تصح عنده.
قال النووي في المجموع مجيبا عن الاستدلال المذكور، وأما قول مالك “لم أر أحدا يصومها” فليس بحجة في الكراهة لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض فكونه لم ير لا يضر. وقولهم لأنه قد يخفى ذلك فيعتقد وجوبه ضعيف لأنه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله “إنه يكره” صوم يوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه، وهذا لا يقوله أحد. (المجموع 6/347).
فإن قيل الأحاديث لا دلالة فيها وذلك لأمرين، الأمر الأول: حديث أبي أيوب المتقدم ليس فيه دلالة على فضيلتها؛ لأن النبي (ص)شبه صيامها بصيام الدهر وهو مكروه، قلنا: إنما كره صوم الدهر لما فيه من الضعف والتشبيه بالتبتل لولا ذلك لكان فضلا عظيما لاستغراقه الزمن بالعبادة والطاعة، والمراد بالخير التشبيه به في حصول العبادة به على وجه عري عن المشقة، كما قال (ص):”من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام الدهر” (سبق تخريجه) ذكر ذلك حثا على صيامها، وبيان فضلها، ولا خلاف في استحبابها، ونهى عبد الله بن عمرو عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث، وقال:”من قرأ قل هو الله أحد” فكأنما قرأ ثلث القرآن” أراد التشبيه بثلث القرآن في الفضل لا في كراهة الزيادة عليه (المغني 4/439).
الأمر الثاني: سائر الأحاديث غير حديث أبي أيوب ضعيفة لا تقوم بها حجة كما بين ذلك أصحاب الفن، قلنا نعم الأحاديث المذكورة لا تخلو أسانيدها من مقال بيد أنه قد تقرر عند أهل العلم أن الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه يتقوى بها ويرتقي إلى درجة الحسن فيصبح صالحا للاستدلال وهو ما تراه بالنسبة لهذه المسألة وقرره غير واحد من أهل العلم لما بيناه في الوجه الثاني من النقولات التي تدل على صحة هذه القاعدة.
ومما تقدم يتبين لك جليا أن القول الأول -وهو استحباب صيام الست من شوال- هو القول الراجح الذي دل له الدليل وأن ما عداه قول مرجوح لا يجوز أن يعارض به الدليل الصحيح، والقول بالاستحباب هو قول أكثر أهل العلم من الشافعية والحنابلة والظاهرية والصحيح عند الحنفية وبعض المحققين من المالكية فلا يعول على قول بعض المعاصرين الكتاب الذين ليس لهم باع في هذا الباب، ويكتبون في بعض الصحف ويرون أن صيامها بدعة دون معرفة للدليل ولا فهم لأقوال أهل العلم.
وقد نقل الكاتب عن ابن القيم تضعيفه لحديث أبي أيوب ونسبه إلى تهذيب السنن ولم يصب في النقل المشار إليه، ولم يضعف ابن القيم حديث أبي أيوب بل نص على تصحيحه صراحة، وهذا نص كلامه من تهذيب السنن “هذا الحديث قد اختلف فيه” وذكر كلام أهل العلم عليه من تصحيح وتضعيف إلى أن قال:”وهذه العلل –وإن منعته أن يكون في أعلى درجات الصحيح فإنها لا توجب وهنه، وقد تابع سعدا ويحيى وعبد ربه عن عمر بن ثابت عثمان بن عمر والخزاعي عن عمر لكن قال: عن عمر عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب. ورواه أيضا صفوان بن سليم عن عمر بن ثابت ذكره ابن حبان في صحيحه وأبو داود والنسائي، فهؤلاء الخمسة: ويحيى، وسعيد، وعبد ربه، وبنو سعد، وصفوان بن سليم، وعثمان بن عمرو الخزاعي، كلهم رووه عن عمرو. فالحديث صحيح”أ.هـ (تهذيب سنن أبي داود مع المختصر 3/295).
وفيه يتبين أن الكاتب تجنى على ابن القيم أو أنه لا يفهم ما يكتب لعدم الخبرة في هذا الباب.
إذا ثبت هذا فإنه لا فرق بين صيامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره بشرط عدم صيام يوم العيد، ولا يشترط التتابع في استحباب صيامها، لأن الحديث ورد مطلقا من غير تقييد، ولأن فضيلتها لكونها تصير مع الشهر ستة وثلاثين يوما، والحسنة بعشر أمثالها فيكون ذلك كثلاثمائة وستين يوما وهي السنة كلها، فإذا وجد ذلك في كل سنة صام كصيام الدهر كله، وهذا المعنى يحصل مع التفريق ويقوى عندي استحباب التتابع تشبيها لصيامها بالواجب، والله أعلم.”
كلام مالك مصيبة عظمى لأن هذا معناه أنه لم يكن فى عصره حديث عن صيام الست ولهذا قال ما قاله ومن ثم فطبقا لكلامه هذا فروايات حديث صوم الست مخترعة بعد عصره ومن ثم كلام المطيرى ونقوله عمن بعد مالك لا يصلح للاستدلال
وحدثنا الرجل عن كون صوم الست هى لمن أفطر أياما فى رمضان فقال :
“المبحث الثاني: في صيام الست لمن عليه قضاء من رمضان:
عرفنا في المبحث السابق أن من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كمن صام الدهر في حصول الأجر، وقد يعرض للإنسان عارض يبيح له الفطر في شهر رمضان كالمرض والسفر والحيض للمرأة وسائر الأعذار المبيحة للفطر، فإذا أفطر الإنسان في رمضان فعليه القضاء إن كان من أهل القضاء، لقوله تعالى:”فعدة من أيام أخر” ومعلوم أن زمن القضاء موسع حتى يضيق الوقت عن القضاء قبل رمضان القادم، فإذا كان الأمر كذلك فهل يجوز لمن عليه القضاء أن يصوم تطوعا قبل القضاء. قولان لأهل العلم، القول الأول ليس لمن عليه قضاء أن يصوم تطوعا سواء كان هذا التطوع ستا من شوال أو غيره وهو رواية في مذهب الإمام أحمد نقلها عنه حمبل، قال في الإنصاف “وهو المذهب”. وقال في الحاويين لم يصح في أصح الروايتين، وقال أبي المرداوي وهو من مفردات المذهب” (الإنصاف 3/350، والمغني 4/438).
ودليله المنقول والمعقول، أما المنقول فما أخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة عن رسول الله (ص)قال:”من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء لم يقضه لم يتقبل منه ومن صام تطوعا وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه” (المسند إشراف الأرناؤوط 14/47).
وأما المعقول فهو أنه عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يصح التطوع بها قبل أداء فرضها كالحج.
القول الثاني: جواز التطوع بالصيام لمن كان عليه قضاء واجب وبه قال الجمهور منهم المالكية (شرح الخرشي 2/245، مواهب الجليل 2/22 باب: متى يقضى قضاء رمضان رقم (39) والحنفية (بدائع الصنائع، والبحر الرائق) والشافعية (حاشية المرداوي مع تحفة …) والحنابلة (المغني 4/438 والإنصاف 3/350) في رواية .
ودليله المنقول والمعقول: أما المنقول فما رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة زوج النبي (ص)تقول:”إن كان ليكون علي الصيام من رمضان فما أستطيع أصومه حتى يأتي شعبان” متفق عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة بعد ما ذكر الرواية القائلة بالجواز عن الإمام أحمد “ولأن عائشة أخبرت أنها كانت تقضي رمضان في شعبان ويبعد أن لا تكون قد تطوعت بيوم مع أن النبي (ص)كان يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم، وكان يصوم يوم عرفة وعاشوراء وكان يكثر صوم الاثنين والخميس، وكان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهو كما قال رحمه الله”. فإن عائشة الصديقة بنت الصديق زوج النبي (ص)معروف عنها الحرص على فعل الخير، فيبعد -وهي تعايش الرسول (ص)ليلا ونهارا، وتقدم له ما يحتاجه من لوازم الصوم- ألا تصوم معه ولا يوما واحدا لمدة سنة كاملة، ولم ينقل أنه أنكر عليها (ص)صيام النافلة قبل قضاء الواجب ولو حصل ذلك لنقلته إلى الأمة.
والأصل وجود الصيام منها؛ لأنه سنة النبي (ص)القولية والفعلية.
وأما دليله من المعقول فمن وجهين:
أ . إن القضاء مؤقت فجاز التنفل قبل خروج وقته، كما يجوز التنفل أول وقت المكتوبة.
ب . إن القضاء عبادة تتعلق بوقت موسع، فجاز التطوع في وقتها قبل فعلها، كالصلاة يتطوع في أول وقتها.
هذا ما يمكن الاستدلال به لهذا القول وهو أرجح عندي لما يلي:
أ – حديث عائشة أصح من حديث أبي هريرة ولم يقدح فيه أحد من أهل العلم لا في سنده ولا في متنه وهو دليل ظاهر على جواز تأخير القضاء وأن وقته موسع ويبعد جدا أن عائشة لم تصم تطوعا طيلة سنة كاملة.
أما حديث أبي هريرة فلا يصح الاستدلال به لأمرين:
الأمر الأول: ضعف إسناده، وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم منهم ابن قدامة في المغني فقد قال:”الحديث يرويه ابن لهيعة وفيه ضعف وفي سياقه ما هو متروك” (المغني 4/402). ومنهم المشرفون على تحقيق المسند وقد جاء فيه ما نصه “إسناده ضعيف وابن لهيعة سيئ الحفظ” (المسند 14/270) ومثل هذا لا يصح بناء الحكم الشرعي عليه لضعفه، ومعلوم أن الفقهاء مجمعون على عدم جواز الاحتجاج بالحديث الضعيف في الأحكام، وإنما الخلاف بينهم هل يجوز الاحتجاج به في فضائل الأعمال أو لا.
الأمر الثاني: ورد في الحديث قوله “من صام تطوعا وعليه من رمضان شيء لم يصمه لم يتقبل منه حتى يصومه”وهذا الظاهر لم يقل به أحد من العلماء حسب علمي فهو متروك الظاهر وبهذا يتضح أن الحديث ضعيف الإسناد وضعيف المتن، وإلى هذا أشار ابن قدامة في المغني “الحديث يرويه ابن لهيعة وفيه ضعف، وفي سياقه ما هو متروك فإنه قال في آخره “ومن أدركه رمضان وعليه من رمضان شيء لم يتقبل منه” (المغني 4/402).
ب – الأصل جواز صيام النافلة؛ وذلك لعموم النصوص الوارد فيها الأمر بصيامها، وهي عامة فلا يخص من عمومها أمر دون آخر ولا حالة دون غيرها، وقد تبين أن الحديث المذكور لا يصلح دليلا على التحقيق لضعف إسناده ومتنه، ولا شك أن الأولى البدء بالقضاء لأن الذمة مشغولة به، والذي يظهر لي أن القائلين بالجواز يرون ذلك أي أن المستحب البدء بالقضاء لأنه كالدين على الإنسان، وقد نص غير واحد من السلف على كراهة التطوع لمن كان عليه قضاء، ومنهم إبراهيم النخعي، والحسن البصري، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيب، ومجاهد فهؤلاء جملة من فقهاء التابعين يرون كراهة التطوع بالصيام لمن كان عليه قضاء، والذي يظهر أنهم نقلوا ذلك عن الصحابة” (مصنف بن أبي شيبة 3/48).
فإن قيل ورد في وصية أبي بكر لعمر “اعلم أنه لا تقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة” ما يفيد عدم الجواز، قلنا: لا يصح هذا عن أبي بكر لأن في سنده انقطاعا وبعض أسانيده معضلة” (شرح العمدة لابن تيمية 1/359).
لكن ورد عن أبي هريرة بسند صحيح ما يفيد عدم الجواز، وذلك أن رجلا سأل أبا هريرة قال:”إني كنت أصوم هذه الأيام أيام العشر يعني ذي الحجة وإني مرضت في رمضان وعلي أيام من رمضان أفأصوم هذه الأيام قال:”ابدأ بحق الله عليك” رواه سعيد (شرح العمدة 1/359).
ويحمل هذا على كراهة التنزيه بدليل ما تقدم عن التابعين خصوصا سعيد بن المسيب فإن علاقته وثيقة بأبي هريرة لكونه صهره، فلو كان المراد التحريم لنقله عنه، وعلى فرض أن المراد به التحريم فهو قول صحابي فيما يمكن فيه الاجتهاد”
هذه النقول عن الاختلافات الظاهر منها هو أنه كان يوجد نص يقول أن الصوم فى شوال قضاء لما أفطره الناس فى رمضان خاصة النساء بسبب حيضهن واجب لأن الإنسان لا يدرى متى يموت ومن ثم عليه أن يقضى الأيام التى عليه قبل موته
الروايات التى فى الست لو طبقناها لكان الفطر واجبا فيها لأنه أكثر أجرا من الصوم فاليوم بعشر حسنات بينما المفطر إذا أكل وجبتين فى النهار أخذ عليهما عشرين حسنة وإذا شرب شربتين أيضا فى النهار اخذ عشرين حسنة ومن ثم يكون الفطر أفضل أجرا وأحسن فى الراحة لأن الصائم يصاب بالضيق من الصوم
ومن ثم كيف يكون ألأكثر أجرا والأحسن فى الراحة النفسية والجسدية مكروه بينما الأقل أجرا وهو الصوم والأكثر اتعابا هو المستحب ؟
السؤال الذى طرحناه من قبل :
أى فقهاء هؤلاء الذين يخالفون الرواية الصحيحة عندهم بعدم فطر يوم عيد الفطر ويفطرون ويتبعون الرواية المنكرة التى تقول بوجوب فطر يوم عيد الفطر ؟