مؤلف الكتاب عبدالرحمن اليحي التركي وهو يدور حول الحلال والحرام فى عالم التنزه وقد شرح التركى أن الناس عندما يريدون التنزه فإنهم يقصدون شىء غير ما قصده الله فهم يقصدون تضييع الأوقات ويطلقون على هذا المتعة أو الاستمتاع وفى هذا قال فى مقدمته:
“وبعد:من رحمة الله بنا إن الإسلام لا يمنع المسلم من الخروج للنزهة والترويح عن النفس, ولكن ما أجمل الصيف والنزهة حينما تكون بالتخطيط واختيار المكان المناسب ليستغل المنتزه وقته ويستمع هو ومن معه بهذه الرحلة, فكتبت لك أخي المصطاف هذه الإرشادات وكيف يمكنك التخطيط للاستفادة من هذه العطلة, وكيف تختار أحلى مكان؛ لأنني على يقين أنه مع هبوب رياح الصيف وحلول مواسم الأجازات تهرب أسرا بأكملها إلى كثير من الديار بحثا عن المتعة دون تخطيط مسبق, ناهيك عن هدر الأموال الطائلة وما يترتب على ذلك من ديون، ولا يبالي بعضهم كون هذه الأسفار على حساب نواح أخرى صحية واجتماعية ودينية ألا يدرك البعض عاقبة الإهمال والتفريط والتراخي, إن الكثيرين يجهلون مغزى الأجازة, والمحرومين يعرضون أنفسهم للاكتئاب والمشاكل الكثيرة رغم انهم يبحثون عن السعادة”
وبين التركى أن التنزه على نوعين تنزه يقصد به طاعة الله وهو النادر الوقوع حاليا وتنزه محرم يقصد به طاعة الشيطان بارتكاب الحرام فقال:
“ومن أجل أن تستمتع برحلتك فقد كفيناك مؤنة البحث عن أحلى مكان لتنتزه فيه ومن معك حتى يجتمع لك متعة الروح والجسد في آن واحد, وقبل أن ندلك على هذا المكان تعال لنرى كيف يخرج الناس للنزهة, منهم من خرج وغرضه المتعة فقط, ومنهم من خرج بحثا عن الحرام وغرضه طلب الحرام, ومنهم من خرج للمتعة في حدود طاعة الله.”
وبين التركى أن غالبية الناس غافلة عن طاعة الله وعندما تحدثهم عن الحلال والحرام فى التنزه يبتهمونه بعداوة الفرح وهو قوله:
فانظر مع من أنت واتهم نفسك, فإن من علامات النجاة أن أهل الصلاح يعملون الخيرات ويتهمون أنفسهم بالتقصير والغفلة؛ لأن من زكى نفسه سيكون من الغافلين, وأسوأ مافي الغفلة أنها تبعدك عن الله, ولذلك يقول الناظم:
انقضى العمر وفات … يا اسير الغفلات
حضر الزاد وبادر … مسرعا قبل الفوات
فإلى كم ذا التعالي … عن أمور واضحات
وإلى كم وأنت غارق … في بحار الشهوات
وقل لي بربك: كيف ينجو من كان الهوى مركبه, والشهوة قائدة, والجهل سائقه, والغفلة مركبه, فلا يستجيب لناصح أبدا, ويتبع كل شيطان مريد مع ما كثر في زماننا من وسائل كثيرة تعمى القلوب وتخرب العقول وتفسدها.
فإن قال قائل: أنتم لا تريدون أن نفرح او انتم اعداء الفرح الاتهام سهل القاءه على الاخرين لكن قد لاتتبين جدوى النصيحة الا ضحى الغدي.”
ورد التركى على اتهام الناس بعداوة المسلمين للفرح فقال:
فالجواب: أن الكثيرين لا زال يجهل معنى الفرح ,بل لا يفرق بين أقسامه الثلاثة: فهناك فرح مشرع كالفرح بطاعة الله (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) والمراد به الإسلام والقرآن, وهذا الفرح لا ينقطع معك في الدنيا والآخرة,
فيعيش في الدنيا فرحا ,ويودع الدنيا فرحا, ويدخل قبره وهو فرح مسرور, يقول الله عنهم (فرحين بما ءاتهم الله من فضله) وقال (وجوه يومئذ مسفرة) ضاحكة مستبشرة)”
إذا مطلوب من المسلم أن يكون فرحا طوال حياته بفضل الله ورحمته والمقصود بطاعة وحى الله وبين أن مقصود القوم هو الفرح المذموم وهو ما يسمونه المتعة من تضييع الأوقات فى ارتكاب الآثام سواء كان بارتكاب ذنوب كالعرى والزنى وكشف العورات عند البحار أو تضييع الوقت فيما لا نفع من خلفه كالألعاب المائية والإلكترونية والآلية فى الملاهى وفى هذا قال :
“وهناك فرح مذموم والمراد به الفرح بالدنيا مع أنها ابتلاء وامتحان, فقد تعطى المال والمنصب والجاه ولكن للامتحان, يقول الله تعالى (ليبلوكم في ماءاتكم) وقال سليمان عليه السلام (ليبلونى ءأشكر أم أكفر) ولذلك ذم الله من فرح بالحياة الدنيا, والمراد به فرح الفخر والبطر والأشر, فهذا قارون قال له قومه (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) (وفرحو بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الأخرة إلا متاع) لكن لو فرح بدنياه من أجل الاستعانة بها على طاعة الله فلا بأس. أما فرح البطر والطغيان فهو مذموم وسبب الهلاك (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها)
وهناك فرح محرم وهو الفرح بالمعصية, يقول الله عنهم (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) فقد يعصي الله وهو يضحك, وقد يغني وهو يفرح, وقد يشرب الخمر وهو يفرح, ولهذا وصف الله أهل النار بأنهم كانو يعصون الله وهم يضحكون (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) (فسوف يدعو ثبورا) (إنه كان في أهله مسرورا) بخلاف أهل الجنة فإن الله وصفهم بقوله (قالو إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) يعنى خائفين.
ولذلك من عصى الله وهو يضحك دخل النار وهو يبكي, فصاحب هذا الفرح له وعيد شديد من الله, وفي ذلك يقول الله (فسوف يعلمون) (إذاأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) في الحميم ثم في النار يسجرون) ولكن ما هو السبب؟ يقول الله تعالى (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم يمرحون) وقد قرأت عدة مرات مقالات لأناس يطلقون على انفسهم مثقفين يسمون من يحرم المعاصي أعداء الفرح, ويسمون المعاصي من رقص واختلاط وغناء فرحا, ويصفون من يجرم هذه المعاصي بأنه من أعداء الفرح,
وأقول: يخشى على من فرح بمعصية ألا تقبل توبته, وفي هذا يقول الله (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) وعلامة زيغ القلوب كراهية الصلاة وقلة الدين. ومن هنا نقول للجميع بأن أحلى مكان للمنتزهين ما اجتمع فيه هواها وطاعة ربها لأن البعض يكون غرضه من النزهة المتعة الجسدية فقط دون الاهتمام بغذاء الروح, فلا يبالي بطاعة الله, فتراه في أحلى المنتزهات وفي أجمل القصور وتجده في ضيق, فتتعجب منه وأنت تسأله كيف أنت؟ فيقول: أنا مهموم. وهذه سنة الله التي لا تتغير ولا تتبدل ان من عصاه ضيق عليه,يقول الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال ,وهملجت بهم البراذين, فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم, أبى الله إلا أن يذل من عصاه يقول الله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا” وهذه الأجازة بمثابة السوق القائم ثم ينفض, ربح فيه من ربح, وخسر فيه من خسر, فيا ترى من الرابح في هذه الأجازة ومن الخاسر؟”
إذا يجب على الناس استغلال الأوقات فى الطاعات وليس فى المعاصى والسيئات وأنا أتكلم على عكس التركى الذى يبيح ما يسمونه الإجازات والعطلات فالله لم يشرع فى الرسالة ألخيرة تشريعا بوقف العمل فحتى يوم الجمعة قال أنه فيه عمل قبل الصلاة يجب تركه وهو البيع أى العمل الوظيفى وأكد ان بعد صلاة يوم الجمعة عمل يستكمل وهو العمل الوظيفى فقال سبحانه :
“يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون”
ومن ثم فمن أباحوا ما يسمونه العطلات وهم الحكام ومن معهم مخطئون لأنهم فتحوا على أنفسهم وعلى الناس أبواب جهنم فنشأت من أجل هذا الجنون الملاهى والاصطياف وانشاء الملاعب والمسارح وغير ذلك من الأمور التى تؤدى بالناس لارتكاب الذنوب
نعود لما قاله التركى ناصحا الناس فى الإجازات والعطلات فقال:
“أقول: إن الرابح فيها من أخذ بوصية رسول الله (ص)ومن خالفها فهو الخاسر, ففي الحديث الصحيح
عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص)لرجل وهو يعظه (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم.
الأولى ((شبابك قبل هرمك)) فالشباب قوة بين ضعفين بين الطفولة والشيخوخة, فقد أمرك رسول الله (ص)أن تغتنم الشباب في طاعة الله قبل الهرم الذى يقعدك عن العمل, وانظر إلى كبير قد أقعده الكبر على فراشه يقلب كالصغير, يريد يصلى قائما فلا يستطيع, ويريد أن يصوم فلا يقدر, ويريد أن يصلى جماعة فلا يقدر, وقلبه يتقطع حسرات على العمل الصالح, فيا ندامة من يضيع شبابه حتى بلغ هذه المرحلة.
أما الثانية: ((صحتك قبل مرضك)) فالصحة نعمة فكم من أناس حبسهم المرض على فرشهم وهو يريدون الطاعة فلا يقدرون عليها, فالأيام فيها فيها مخيبات ومطويات لا تد ري تستمر معك صحتك أما لا, ولكن إذا حافظت على طاعة الله في الرخاء والصحة ثم قدر لك المرض كتب الله لك ما كنت تعمله صحيحا معافى, ذكر أحد الإخوة الفضلاء أنه زار رجلا فى المستشفى النقاهة وهو يبكي فطمأنه فقال له: ما على هذا أبكي, إنما أبكي لأن الطبيب منعني من الصيام فأرى الناس يصومون ولا أصوم, وأسمعهم يصلون الفرائض والتراويح ولا اصلي معهم, فأخذ يبكي على الصلاة والصيام والقيام.
أما الثالث) (غناك قبل فقرك)) نعم لا تغتر بغناك فقد تسلبه في أية لحظة, فانفق من هذا المال قبل فقده في الطاعة, فالمال إما أن تتركه أو يتركك, وقد تتساءل: لماذا نزعت البركة من أموالنا؟ لأن أحدنا يكون عنده المال الكثير فتراه يبعثر في سبيل شهواته وملذاته الفاجرة أو يكنزه ويمنع حقوقه الواجبة والمستحبة, وإذا عرض عليه أمر فيه خير فر منه فرار المذعور فكيف يبارك له فيه ففي الحديث (هم الاكثرون هم الاخسرون هم الاقلون يوم القيامة الا من قال هكذا وهكذا) يعني وانفقوا مما جعلكم مستخلقين فيه)
أما الرابعة: ((فراغك قبل شغلك)) فالفراغ نعمة فاستغلها في طاعة الله, يقول الله تعالى (فإذا فرغت فانصب) فاشرف الاشياء قلبك ووقتك فاذا ضاعك قلبك ووقتك فماذا بقي معك اما وقتك يقول الحسن (يابن ادم انما انت بضعة ايام فاذا ذهب بعضك ذهب كلك الوقت اما تنفقه انفاقا استهلاكيا او استثماريا فأما استهلاكيا تذهب حياتك كما قال الله (ذرهم ياكلوا ويتمتعوا ويلههم امل فسوف يعلمون)
واما الوقت استثماريا تستغل ايامك في طاعة الله (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)اما قلبك فتحافظ عليه ان الاسلام لا ينحصر في المحافظة على الاركان الخمسة فقط بل يتعداه كيف تتعامل مع الناس بعض الناس يعبد الله لكنه اذا خلا بمحارم الله انتهكها بل تراقب الله بمفردك وليس معك احد كل انواع الغش تدخل تحت (من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة ان يدع شرابه وطعامه) يعني اذا صمت فلا تسيء معاملتك مع الناس انك لن تقطف الثمرة من العبادات حتى تستقيم على امر الله كاملا وأما نزع البركة من أعمارنا فلأن أحدنا مادام فارغا ومستيقظا فتراه يتحرك ولا تنقطع أقواله وأعماله ولكنها تدور غالبا بين الحرام والمكروه أو العبث الذي لا يليق ,وإن سألت عن السبب فإن الكثير يجهلون قيمة الفراغ فأخذو يغتالون أوقاتهم في اللهو والعبث والفواضي والخمول والنوم ورحلات بلا تخطيط يمشون كيفها اتفق , بل إن أسرا بأكملها قلبت حياتها إلى سهر بالليل ونوم النهار, ولا هم لديهم سوى تلبية شهواتهم وأهوائهم, ومنهم من يسهر بالليل على المحرمات وينام بالنهار عن الفرائض , مع أن الإسلام علمنا أن نستفتح يومنا بصلاة الفجر وبعده بالعمل, فتجد أهل صلاة الفجر وجوههم مشرقة, وأوقاتهم مباركة, أهل جد وعمل وسعى, وإذا عكس الناس السنن أصبحت حياتهم نكدا, وصدورهم ضيقة, وأعمالهم مضطربة.”
وتحدث عما يحدث فى العطلات من معاصى فقال:
“نعم لقد جاءت الأجازة وجاء معها الإسراف والتبذير وضياع الأوقات والغفلة, وجاءت البطالة والفوضى مع أن نبينا (ص)قال لنا: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة ,والفراغ)) ولكن الناس لم يستغلوا هذه الصحة والفراغ فيما يعود عليهم بالنفع.
أما الخامسة: ((حياتك قبل موتك)) فقليل من اغتنم عمره وحياته في طاعة الله ولكن ما دام العبد في الد نيا فلا يشعر بالغبن في الطاعات إلا عند الموت والحشر, هنالك يعرف الإنسان هل هو رابح أم خاسر, فهذا فرعون قال في زمان المهلة (انا ربكمن الاعلى) فلما نزل به الموت قال (ءامنت أنه لا إله إلا الذي ءامنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) فمادام العبد في الدنيا وفي زمان المهلة والدنيا لديه محببة والأمر غيب فلا يبالي بطاعة الله, ولذلك ورد في الأثر: (الناس نيام فغذا ماتو انتبهوا) فالدنيا نوم والآخرة يقظة. واما غبن الحشر فعندما تسأل الأسئلة الأربعة عن شبابك وعمرك ومالك وعلمك, هنالك يظهر الغبن (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن) وتعظم الحسرة والخسارة.
فإذا شاهد العبد الجنة والنار, ووصل إلى الجزاء, وانتهى العمل وانقطع, هناك يعلم قيمة طاعة الله, نعم الناس ما دامو في دار العمل فلا يشعرون بقيمة العمل الصالح, فيرون أنها سهلة وهينة ولكن إذا وصلوا إلى دار الجزاء أصبحت قيمة الأعمال التى يستهينون بها عظيمة, وهنا لك يتبن لكل مفرط وكل مهمل في طاعة الله حسرة ما ضيعوا.”
الحديث المنسوب للنبى(ص)لا يصح نسبته له فمثلا ليس كل الناس عندهم غنى فمنهم من يولد ويعيش ثم يموت وهو فقير ومنهم من يولد مريضا ويظل مرضا حتى يموت كما الكثير منهم يموت قبل الهرم وهو الشيخوخة كما قال تعالى “هو الذى خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل”
وبين التركى وجوب تحديد الفرد لهدفه هل يريد الجنة أو النار ثم يحدد أعماله بناء على تحديد الهدف فقال :
“ومن هنا يقول العلماء: حدد هدفك, تريد الدنيا أم تريد الجنة؟ والمسألة كلها متوقفة العمل والنية, فإن اخترت الدنيا فالدنيا زائلة مائلة حائلة, فيها صحة ومرض, وغناء وفقر, وفرح وحزن, وضحك وبكاء, وشباب وهرم, واجتماع وافتراق, ونزول وارتحال, وحياة وموت, ولا بدأن نمر على كل هذه المراحل, فمن عرف حقيقة الدنيا زهد فيها, تسقيك من حلوها وتسقيك من مرها, سريعة الزوال متقلبة الأحوال , نعيمها لا يدوم , فبينما أنت في فرح وسرور لا تأمن أن ينقلب عليك بلاء وشرور, وإذا جاءك الفقر كأنه لم يمر بك نعيم قط, اذهب إلى المستشفيات ترى فيها المريض كان صحيحا مثلك, ولو سألته عن الدنيا لقال لك: تبا لها كثيرها قليل وإنا فيها لفي غرور, فبالأمس كان مغترا بها واليوم يذمها, فلذاتها زائلة, ونعيمها منغص, الصحيح فيها ينتظر المرض ولا يأمن أن يهجم عليه الفقر بعد أن ظنى أنه قادر عليها , والحي لا يأمن أن يهجم عليه الموت, ففي الحديث الصحيح عن سهل ((يا محمد عش ما شئت فإنك ميت)) عاش نوح ألف عام فقالو له: كيف وجدت الحياة؟ قال كالقصر تدخل من باب وتخرج من الباب الآخر ((قال كم لبثيم في الأرض عدد سنين) (قالو لبثنا يوما او بعض) ويا ليت الدنيا تنتهي على ما هي عليه ولكن بعدها الموت ثم الجزاء والعقاب, فإذاعلمنا حقيقة الحياة وأن بعدها الموت لكن الجنة لا يوجد فيها شىء من هذه المنغصات ((إن هذا لهو الفوز العظيم) (لمثل هذا فليعمل العالمون)) كم تساوي لذات الدنيا ومتنزهاتها أمام قوله تعالى ((ادخلوها بسلام ءامنين)) سلام من كل آفة, وأمان من كل خوف فإذا كان في الدنيا مرض فإن الجنة تنادي) إن لكم أن تصحو فلا تسقموا أبدا).وإذا كان العبد ينتظر في الدنيا الهرم فإن الجنة تنادي: (أن لكم أن تشبو فلا تهرموا أبدا) رواه مسلم.
الدنيا يأكل العبد فيها ويشرب وبعد ساعات يعصره الجوع والظمأ, أما الجنة (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى) (وأنك لا تظمؤ فيها ولا يضحى)
الدنيا فيها غم وحزن ونصب, أما الجنة (وقالو الحمد لله الذي أذهب عن االحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) والنصوب هو التعب, واللغوب هو الإعياء.
الدنيا ما تتمنى أن تصل الى شىء منها إلا وتريد أن تتحول عنه, فقد تحب بلدا أو مدينة فتسافر إليها فلا تمر عليك أيام حتى تسأم وتريد أن تتحول عنها إلى بلد آخر يقوا احدهم (كنا نشتهي الأشياء فلما وصلنا إليها فقدنا الشهية) ,أما الجنة (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) (خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) “
وتحدث التركى عن متع الدنيا ومتع الآخرة فقالك
“الدنيا فيها حر وبرد, فإذا جاء الحر بحث الناس عن طيب الجو في أماكن الاصطياف, وإذا جاء البرد يفرون منها إلى المناطق الدافئة فرار من البرد, لكن في الجنة (متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) فليس فيها حر وليس فيها برد.
الدنيا فيها منتزهات ويخرج أهلها إليها من الضيق والملل والسآمة وقد تنتهي هذه النزهات إلى مشاكل وهموم, أمام الجنة (إن للمتقين مفازا) (حدائق وأعنابا) (وكواعب أترابا) (وكأسا دهاقا) (لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا) سورة النبا فحدائق الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين, وهم فيها يأكلون وينظرون وبين هذه الحدائق تجري الأنهار الدنيا انهار ماء, أما الجنة فأنهارها متعددة أنهار من عسل ومن خمر ومن لبن ومن ماء غير آسن.
الدنيا فيها أسواق والجنة فيها سوق, ففي الحديث: ((إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فيها مالا عين رأت, لا يباع فيها ولا يشترى)) سوق الدنيا قد تجد فيها الأشياء الثمينة فتعجبك لكن يحول بينك وبينها غلاء الثمن أو لا يوجد عندك ثمنها, وقد يكون عندك الثمن فلا تجد البضاعة, وهناك في أسواق الجنة مالا عين رأت, وفوق هذالا يباع فيها ولا يشترى, لكن كيف تحملها وتوصلها إلى منزلك, بالجنة تشتري ما تريد ويحملها عنك الولدان المخلدون.
أما الزوجات (كذلك وزوجناهم بحور عين) للمؤمن فيها زوجتان من الحور غير زوجاته في الدنيا, أما الشهيد فله ثنتان وسبعون حورية, أما جمالهن فقد قال الله عنه (كأنهن الياقوت والمرجان) أما الطهارة فيقول الله: (ولهم فيهاأزواج مطهرة) أي من الأقذار فهن مطهرات من البول والحيض والبصاق والمخاط, يأكلون ويشربون ويخرج رشحا أطيب من ريح المسك.
فهذه مقارنة بين داري الدنيا والجنة فهل هناك مصدق وعاقل يختار الفاني على الباقي؟ والجواب: سيختار الجنة على الدنيا لكن الجنة ليست بالتمني ولا بالدعاوي ولا بالكلام انما تاتي بالإيمان الذي وقر في القلب وصدقه العمل, ففي الحديث” كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالو: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة, ومن عصاني فقد أبى”
وفيما سبق أخطاء منها سوق الجنة يوم الجمعة فلا يوجد أسواق فى الجنة والغريب أن الرواية تناقض نفسها بإقامة السوق ولكن بدون أساسه وهو البيع والشراء ومن ثم كيف يسمى سوقا؟
كما أن الفرد ليس له72 زوجة أى حورية وإنما له زوجة من المسلمين لأن الجنة لا يدخلها أحد دون عمل كما قال سبحانه” وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون”
ووجود الحوريات غير الزوجات المسلمات هو دخول للجنة بلا عمل لا يستحققن عليه دخول الجنة ومن ثم سيتهم الكفار الله بالظلم لأنه أدخل أناس بغير عمل الجنة
وعاد التركة بتخيير الفرد بين الجنة والنار فقال:
” الله تجد الحياة الطيبة, وإذا مت وفارقت الدنيا وحملت على الأعناق كان شعارك حينما يحملونك قدموني قدموني لأنك فرحا و شوقا إلى نعيم الجنة, اما من جعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه فهو يأكل ويشرب ويلهيه الأمل ويفرط في جنب الله ويأتيه الموت بغتة وحمل على الاعناق كان شعاره حينما يحملونه اين تذهبون بها لان حزين قد خسر الدنيا و الآخرة, أما الدنيا فتركها خلف ظهره وأقبل على ربه قدوم العبد الابق فكان مصيره إلى النار.
وعودا على بدء ماذا تريد؟ هل تريد الجنة الباقية أم تريد الدنيا الفانية؟ فقد وصفت لك حال الدارين والخيار لك ((عش ما شئت فإنك ميت, وأحبب من شئت فإنك مفارقه, واعمل بما شئت فإنك مجزي به)) رواه الطبراني والحاكم من حديث سهل.”
وبعد هذا حاول التركى أن ينصح الناس أن يلتزموا أحكام الله عند التنزه فقال :
“ولسنا نضيق على الناس بهذا الكلام ونقول لهم لا تخرجوا للنزهة لكن الله يقول (وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الأخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) فالإسلام دين ودنيا ولكن اجعل نصب عينيك هدفك الذي حددته وهو رضى الله عنك والحصول على الجنة فإذا عرفت هذا كله فإن أحلى مكان للمنتزهين هو ما اجتمع فيه هواؤها وطاعة ربها مع حفظ وصية رسول الله (ص)لأبي ذر) (اتق الله حيثما كنت)) لأن تقوى الله لا تتقيد بمكان ولا زمان, لأن من الناس من قد يخاف الله ويتقيه بين أقاربه وقومه, لكن إذا سافر خارج وطنه تخلى عن تقوى الله, فكم من نساء حافظت على حجابها بين قومها, فلما سافرت تخلت عن حجابها ونقول لها: الحجاب الحجاب أو او النار.
وكم من أناس يحافظون على محارمهم فإذا خرجوا للنزهة تخلو عن طاعة الله بحجة أنهم في النزهة وكأن الأقلام ترفع عن العبد إذا خرج للنزهة, ألم يعلموا أن تقوى الله لا تتقيد بمكان ولا زمان وأن موضعها القلب وتظهر على الجوارح, نعم سافر وتنزه ولكن ليس على حساب دينك, ويمكنك التخطيط للاستفادة من العطلة الصيفية وغيرها بجعلها فرصة ومناسب لصلة الوالدين والأرحام, سافر لعمرة وامزح رحلتك بين طاعة الله والترويح عن النفس في حدود المباح, وإياك والاستغراق في المباحات فإنها طريق إلى الحرام ويجب على المسلم أن يحافظ على عافية الله له في جوارحه فقد يكون الشىء مباحا ولكنه يسقط المروءة والعدالة؛ لأن مجاراة الفساق والضائعين لا تليق بالصالحين ولو كانت هزلا أو مزاحا؛ لأن الطبع يسرق، فلن ترافق إلا من توافق, وهل تأمن على غيرك ان يقلدك فتصبح قدوة سوء وفتنة للناس ويحتج بك بأن فلانا صتع هذا ,فترفع عن مجاراة الفساق والضائعين. وقد رأينا أناسا مع نسائهم على أمور غير لائقة غير مبالين بنظر الناس ونساؤهم يصرخون ويزمجرون, فلما ليم أحدهم تعذر بأنه أمر مباح فقلنا له أقل أحوالها السفاهة وقلة الحياء وذهاب الغيرة وإذا ذهبت المروءة من الناس ذهب الخير الكثير, والمجتمعات التي فيها حياء وستر ومروءة تجدها مجتمعات فاضلة وكاملة, ولكن إذا فقد الإيمان فقد الحياء, وإذا ضعف الإيمان ضعف الحياء, وإذا ذهب الإيمان ذهبت الغيرة, وإذا ضعف الإيمان ضعفت الغيرة, وغالبا ما تجد الشخص المحافظ الستير يضع الله له من الهيبة والاحترام بخلاف الشخص المتهتك الجري صفيق الوجه مهانا لا ترعى له حرمة, فعلى الإنسان أن يتعاطى الكمال ويبتعد عما فيه دناءة. وليس معنى هذا أننا نضيق على الناس إنما هو رد إلى أصول الشريعة التي قررها العلماء في بابها.”
وفى نهاية الجزء الول تمنى التنركة الخير للناس بطاعة الله فقال :
“وفي الختام: أتمنى لك أخي المسلم رحلة سعيدة تجمع فيها بين طاعة الله ومتعة الجسد, فقد أباح لنا الإسلام المتع في حدود الحلال وليس في إطار الإباحية التي يعيشها الكفار؛ لأن الحرية التى ينادون بها انحلال وانحطاط, وهو يحيط بهم من كل جانب, وعزاء كل مسلم في هذه الحياة أن الجنة مليئة بالحور العين وشتى المتع الجسدية (وفيها ما تشيهه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون) إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.”
وفى الجزء الثانى نصح التركى الناس بالحرص على قضاء أوقاتهم فى طاعة أحكام الله فقال :
” الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاعلم وفقك الله أن أعز ما يملك الإنسان في هذه الحياة دينه وعمره، وسيأتي على الإنسان ساعة يبكي فيها على هذا العمل، لذا ينبغي لمن هو قادم على هذه الإجازة، وهو يميز بين الخير والشر والجنة والنار أن يقف مع نفسه وقفة صادقة، وأن يضع نفسه بين الجنة والنار، فأي الدارين يريد؟! وإلى أين ينتهي به هذا الطريق الذي وضع قدمه عليه؟! فالخير والشر درجات فالخير في السلامة من المحرمات، والبعد عن الفتن والموبقات.
والشر والشقاء في الذهاب إلى الأماكن التي فيها الفتن وفيها سخط الله وغضبه وخاصة إذا أعان أهله على ذلك، قال الله تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه (34) وأمه وأبيه (35) وصاحبته وبنيه (36) لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه}
قال العلماء: “إن الابن يتعلق بأبيه بسبب عدم إعانته على طاعة الله”فينبغي لكل مسلم يخاف سوء الحساب أن يختار لأهله الأخير والأكمل لدينهم ودنياهم فكم من مسافر اتقى الله في سفره فكان من خيار عباد الله الصالحين، فخرج باكيا على نفسه، ورجع من سفره بذنب مغفور وبعمل صالح مبرور وكم من مسافر أضاع حقوق ربه في سفره، فكان من عباد الله الأشقياء، فخرج يوم خرج فرحا غافلا عن ربه وقلبه مشتعل من شدة شهوته، خرج إلى متعة أو شهوة ويظن أن الله لا يراه ولا يسمعه، فأشقاه الله بذلك الخروج بما أصاب من شهوته، فكم من كأس خمر تزل صاحبها على الصراط يوم تزل الأقدام، وكم من لذة أصابها صاحبها فكانت سببا في حرمانه من النعيم فكان في أصحاب الجحيم.”
وبين التركى أن المسلم إذا سافر يجب أن يسافر لطاعة الله فقال :
“أخي الحبيب: إنه لا خير في الأسفار إذا لم يشتر فيها العبد رحمة الله. فسافر يا أخي إلى عمرة أو سافر إلى زيارة الآباء والأمهات والأرحام، وخذ الأبناء والبنات إلى حيث تستوجب رحمة الله وتدخل السرور على أمك وأبيك؛ فينسئ الله لك في الأثر، ويزيد في عمرك، ويبسط لك في رزقك، ففي الحديث: «من أحب منكم أن ينسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه، ويزاد له في عمره فليصل رحمه».
سافر إلى طلب العلم يرفعك الله درجات {يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} وإياك يا أخي المسلم أن تقضي الإجازة في الوقوع في الحرام، أو في انتهاك حرمات الله أو مشاهدة من عصى الله، أو الجلوس معه، فإن الله جعل العاصي والساكت في الإثم سواء فقال: {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}”
ونصح الفرد ألا يسافر لبلاد الكفار حتى لا يسهل عليه ارتكاب المعاصى التى يرتكبونها فقال :
وأنصحك بالحذر من السفر إلى بلاد الكفر والعهر، أو البلاد التي تسهل طريق المعاصي، واعلم أن كثرة رؤية الحرام تهون المعاصي في القلب، وإن كنت تأمن على نفسك الفتنة فهل تأمنها أيضا على من معك من الأبناء والبنات والزوجات؟! ألا تظن أن الله سائلك عن تلك القلوب البريئة التي تربت على العفة والطهر والمحافظة على حدود الله ثم نقلتها إلى بلاد الخلاعة والعري، وتركتها تتجول فيها بحجة إدخال الفرح والسرور عليهم، إن من طال فرحه في الدنيا طال حزنه يوم القيامة، ثم كيف يطلب العاقل السرور والمرح على حساب دينه وسخط ربه؟!”
وطالبه أن ينصح أولاده كما ينصح نفسه فى الأسفار فقال:
“يا أخي، إن كنت تأمن على نفسك فلا تأمن على ولدك، وإلزم بيتك، وابك على خطيئتك واحفظ لسانك، ومن أبى فالنار موعده إن من رحمة الله تعالى بك أن يحملك الله بين السماء والأرض وبين أطباق السماء ويحفظك برحمته، فلولا رحمته لكنت أشلاء، ولولا لطفه بك لكنت في لحظة واحدة إربا فتقطعت كأن لم تكن شيئا، بل بمجرد ما تقلع الطائرة تجد كل واحد قد أمسك على قلبه ولو كان من أشجع الناس، ولو سمعت بخلل في الطائرة لطار عقلك وكنت تنتظر رحمة الله حتى تهبط الطائرة على الأرض.
يا أخي! مع هذه النصائح كلها إلى أين أنت ذاهب؟ وإلى أين أنت خارج؟ إلى إنتهاك حدود الله أو إلى محارم تغشاها! أو إلى أعراض الناس تقع فيها! فإياك ثم إياك والأسفار المحرمة، فإنها تمحق بركة الأعمار فيخرج العبد من الدنيا صفر اليدين”
ثم عاد التركة للنصح العام فكرره تحت مسميات عدة ولكنها له معنى واحد فى النهاية وهو طاعة أحكام الله واجتناب معاصيه فقال:
“أخي الحبيب: إذا عرفت هذا كله فاعلم أنه ينبغي عليك أن تتعاطى الأسباب التي تعينك على البعد عن الوقوع في الحرام أو الشبهات والتي منها:
1 – تقوى الله، والإكاثر من الدعاء أن يرزقك الله في سفرك البر والتقوى، ومن العمل ما يرضى، فهذا نبينا محمد (ص)يودع معاذا وهو خارج إلى اليمن هاديا وداعيا فيوصيه قائلا: «إتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» وهذه هي الوصايا الثلاث من أعظم ما يحتاجه المسافر في سفره.
2 – حفظ الجوارح عن الحرام، فإن من أسباب فساد القلب إلقاء السمع إلى الحرام، وكثرة الإستماع إلى فضول الكلام، فليس من شرط فساد القلب الوقوع في الحرام فقط، بل قد يكون بفضول الكلام، فحاول ألا يدخل سمعك إلا ذكر الله، واحفظ بصرك عن الحرام وسائر جوارحك.
3 – عدم الإغترار بالمظاهر الكاذبة، فلا تغرنك لذة العسل إذا خلط بالسم، ولا يخدعنك منظر الروضة الغناء إذا كان بعدها جهنم الحمراء، نعم ندب الإسلام إلى السير في الأرض، وحبب الضرب فيها، ولكن لا للهو ولا للعب ولا للمرح، ولكن كما قال الله: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} فمن فوائد السير في الأرض أخذ العبرة من عاقبة المفسدين.
إن الحياة قد تزينت بالملاهي وبالحدائق وبالشاليهات والغانيات، ولكن القلب فيها محموم، والضمير فيها مسلوب، وسلط الله على عباد الشهوات السآمة والملل، فتارة يذهب أحدهم بالإرتماء على أمواج البحر، وتارة إلى الملاهي، وأخيرا قد ينتحر، وما زادتهم إلا حيرة ومللا. يقول أحد الكفار: أليس من العجيب أن يعيش الواحد الوحدة وسط الزحام؟ قلنا: بلى، لكن إن سألت عن السبب فهو أن الواحد إذا عبد شهوته وهواه سلط الله عليه الحيرة والملل والنكد، فهم وإن كانت مراكبهم فارهة ومظاهرهم جميلة لكن أرواحهم موحشة وغاية دنياهم أذى ووبال.
4 – لا تعرض دينك ونفسك للفتن فإنك لا تدري ماذا يحدث لك، فإن العبد قد يخرج من بيته ويخرج بأهله وولده إلى بلاد يحارب الله فيها بالمعاصي فيخسر دينه الذي هو أعز شيء عليه في هذه الحياة، هنيئا لمن مات يوم مات وقد حفظ أعز شيء عليه في هذه الدنيا ـ أعني دينه ـ فلقي الله وقد سلم له دينه، فأدى الصلاة على وجهها وسائر أركان الإسلام، ولقي الله ولا يسأله مسلم بحق ولا دين ولا مظلمة، ومن مات وعليه دينه حبست نفسه بدينه. فقد ورد أن النبي (ص)أراد أن يصلى على رجل فسأل: «هل عليه دين؟» قالوا: ديناران، فقال: «صلوا على صاحبكم»، فقال رجل: دينه علي، فصلى عليه النبي (ص). ثم إنه لقي الرجل بعد فترة فقال: «هل قضيت دينه؟»، فقال: لا بعد، ثم لقيه مرة أخرى فقال: «هل قضيت عنه؟»، قال: نعم، فقال (ص): «الآن بردت جلدته».
5 – من أخسر الناس صفقة من اشتغل بنفسه عن ربه فجلس يأكل ويشرب ويتمتع ويلهيه الأمل حتى لقي الله صفر اليدين من الخير، وكم من أناس تمتعوا بالمعاصي فجاء عليهم زمان تمنوا معه أن لم يصيبوا حدا من حدود الله”
وبين التركى أن الفجار رغم اشتغالهم زمنا طويلا بارتكاب الفواحش فهم لم يتمتعوا ويرتاحوا حيث تجدهم مصابين بالأمراض والبعض منهم ينتحر والبعض يتعاطى المخدرات… فقال :
“إن الذين جربوا الإباحية في أوروبا وأمريكا ما وجدوا فيها أمنا ولا استراحت أرواحهم، وما وجدوا فيها إلا القلق والضيق واليأس، حتى إن أكثر البلاد إنتحارا وعكوفا على المخدرات هم أهل تلك الديار، ولقد شربوا كأس الحرام فما زادهم إلا عطشا، إنه لا يروي هذا الظمأ إلا كأس الزواج فهي اللذة الآمنة والباقية، وهي التي لك وحدك وأنت لها وحدها، أما اللذة الحرام فلا تورث إلا شدة العطش والأمراض ويظل الواحد خائفا على جسده من الأمراض ويخاف أن يعرف الناس خبره ويخاف على إسمه واسم أسرته أن تنالها الألسنة فاتقوا حياة الغرب فهم اليوم يبكون، وما يبكون إلا لأنهم حرموا لذة العيش وسرور الحياة وسلبوا نعمة الأمن والطمأنينة”
وعاد للنصائح التى تتكرر بمسميات مختلفة مع أنها كما سبق القول واحدة المعنى فقال :
“أخي المسلم إن الإسلام ليس دين تزمت ولا يحارب طبيعة النفس ولا يحارب الفطرة، ولكن يمنع ما فيه ضرر.
6 – إن القلوب المؤمنة تتساءل أين طريق النجاة من الفتن في زمان عظمت فيه الفتن، زمان عظم شره وقل خيره، فقد تفنن الدعاة الذين وقفوا أنفسهم على أبواب جهنم يستدرجون الواحد حتى يقع في الذنب إن أعظم طريق للنجاة من الفتن هو البعد عنها، ومن أمن الفتن وقع فيها، والبعد عن قرناء السوء فكم تزينت بهم الليالي ولكن كانت عواقبهم وخيمة؛ جحيم وسعير وعذاب شديد، فابحث عن الأخيار إن أردت النجاة حتى لا تكون ممن قال الله فيهم: {وما أضلنا إلا المجرمون}
7 – أخيرا أخي المسافر، إجعل نصب عينيك العمل الذي يدخل معك قبرك، فكم من أناس دخلت عليهم الإجازة فكانت وبالا عليهم كتبت عليهم النظرات والخطرات والخطوات، فلا تمش في قضاء شهوتك على حساب آخرتك، وقد نصحتك فاقبل نصحي، وإن كانت الأخرى فما أنا عليك بوكيل”