الخطبة التى تحولت لكتاب هى لأحمد بن حمد الخليلي مفتى عمان من أهل العصر وقد استهلت بالمقدمة المعروفة من الحمدلة ومدح الله والصلاة على النبى(ص)وهى تدور حول بر الوالدين وفى المقدمة قال:
“بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أمر بإحسان الصلاة ورعاية القرابات وعظم حقوق الآباء والأمهات وقرن رضاه برضى الوالدين وجعل برهما سبب السعادة في الدارين سبحانه له الحمد على ما أمر ونهى وحض ووصى وخلق وسوى أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه وأومن به وأتوكل عليه من يهده الله فلا مظل له ومن يظلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصي الله ورسوله فقد ظل ظلال مبينا وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله أرسله بكل خير ودعى عليه أفضل الصلاة والسلام إلى كل بر اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وعلى كل من إهتدى بهديه واستن بسنته وسار على نهجه ودعى بدعوته إلى يوم الدين
أما بعد
إن من شأن الإنسان الترابط بين أصوله وفروعه وهذا من مظاهر المدنية في هذا النوع من مخلوقات الله سبحانه وتعالى وقد أمر الله سبحانه وتعالى بمراعاة هذه الناحية لإن أمر الله عز وجل ينسجم مع الفطرة ولا يصطدم ويأتلف مع الطبع ولا يختلف فقد جاءت آيات الكتاب العزيز حاضة على مراعاة حق الوالدين وقد جعل الله سبحانه وتعالى برهما من طاعته بل قرن برهما بعبادته وفي هذا ما يدل على عظم حقهما في ميزان الإسلام “
الخطأ هو وجود ما يسمونه الفطرة بمعنى وجود علم فى نفس الوليد مركوز وهو ما يتنافى مع ولادته صفحة بيضاء لا يعلم أى شىء لا عن كفر ولا عن إسلام ولا عن غير ذلك وفى هذا قال تعالى :
” والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا”
ثم ذكر بعض الآيات عن بر الوالدين وشرح ما فيهم فقال:
“يقول الله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) في هذه الآية الكريمة يعلمنا الله سبحانه وتعالى كيف نتعامل مع الآباء والأمهات فقد وصى الله تعالى فيها أولا بأن يعبد الله تعالى ولا يشرك به ثم ثنى بعد ذلك بتعليمنا أداء حق الوالدين وبين سبحانه وتعالى أن من حقهما أن لا يتضجر أحد مما يصدر منهما في حالة الكبر لأن الكبر مظنة صدور بعض الإيذاء منهما لولده غير أن الولد مأمور بأن يتحمل ذلك من غير أن يتأفف ومحمول بأن يخضع لهما جناح الذل من الرحمة وأن يدعو الله سبحانه وتعالى بأن يرحمهما كما ربياه صغيرا فهما قد تحملا أذاه في حالة صغره وكانا يحنوان عليه فكم من ليلة سهراها وكم من مشقة تكبداها لأجل هذا الطفل الصغير الذي أصبح رجلا كبيرا بفضل الله ثم ببرهما ورعايتهما له وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يوجد في نفوس الآباء والأمهات من الحنو في نفوس الأبناء والبنات مالا يوجد في أي نفس أخرى ولذلك يفدي الأب والأم ولدهما بنفسهما وبما يملكان من مال يجوعان ليشبع ويعريان ليكتسي ويتحملان كل مشقة ليرتاح فهما جديران بأن يقابل إحسانهما بالإحسان وقد قرن الله سبحانه وتعالى شكرهما بشكره في قوله (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير)”
مقولة الخليلى عن أن الله أوجد في نفوس الآباء والأمهات من الحنو على الأبناء والبنات مالا يوجد في أي نفس أخرى مقولة خاطئة فكم من أب وأم قسو على الأبناء قساوة غريبة والعكس أيضا وهو قساوة الأبناء على الآباء والأمهات كقساوة أبناء يعقوب(ص) على أبيهم بتضييع أخيهم يوسف(ص) وكقساوة الابن الكافر على والديه المسلمين حتى قال لهما “أف لكما” فالمسألة ليست شىء بالفطرة كما يزعمون فالمسألة اختيار يختاره الإنسان فهو يختار بين هذا وذلك وهل هناك قساوة من الآباء أكثر من إهلاك أولادهم بإضلالهم عن دين الله كما قال تعالى:
“وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم”
وهل هناك قساوة مثل دفت البنات أحياء كما قال سبحانه عن بعضص الآباء والأمهات:
“وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب ألا ساء ما يحكمون”
ومن ثم لا وجود للفطرة المزعومة من حنان الأبوين ولا لأى فطرة أخرى فالأفعال يختارها الإنسان
ثم قال الخليلى:
“ويقول سبحانه وتعالى موضحا ما يجب على الولد من حق لوالديه ولو كانا على الشرك (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون)ذلك لأن فتية من الذين أمنوا لصنوف من الأذى من آبائهم وأمهاتهم الذين بقوا على الكفر رجاء أن ينثنوا عن عقيدتهم وأن يعودوا إلى جاهليتهم وكان أولك الفتية مع ما يكابدون صابرين على هذا الأذى فأنزل الله سبحانه وتعالى ما يسلي قلوبهم ويوصيهم بحق آبائهم وأمهاتهم وإن كانوا على الكفر ذلك لأن شركهم لا يمنعهم حقوقهم وإنما يجب بجانب ذلك أن لا يطاعا في معصية الله سبحانه ومن ذلك عز من قائل (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) “
والفقرة السابقة تناقض حكاية الفطرة فالآباء كفروا ويريدون ان يكفر أولادهم مثلهم والآيات نزلت فى كيفية معاملة الأبناء لهم ثم ضرب الخليلى مثلين فقال:
“وضرب الله سبحانه وتعالى مثلين للناس مثلا للذين يوفون حقوق الله سبحانه وتعالى وحقوق الآباء والأمهات ومثلا للذين يكونون بعكس ذلك فهم لا يبالون بحقوق الله ولا بحقوق الآباء والأمهات وبين مصير كل واحدة من الطائفتين في قوله (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين) فلينظر الإنسان ما الذي يرتضيه من هذين المصيرين هل يرتضي أن يكون من الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من الجن والأنس فصاروا يوم القيامة من الخاسرين أو يرتضي أن يكون من الذين يتقبل الله عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون وقد جاءت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضة على مراعاة حقوق الأبوين ومحذرة من التقصير في حقهما قال رسول صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يدخل الجنة عاق لوالديه ولا مدمن خمر) وعندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكبر الكبائر قال(الإشراك بالله وعقوق الوالدين) ويقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام( أربعة نفر حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها العاق لوالديه وآكل الربا وآكل مال اليتيم ظلما) فهؤلاء حق على الله أن لا يدخلهم الجنة وأن لا يذيقهم نعيمها إلا تابوا وأحسنوا الصلة بالله تعالى بآبائهم وأمهاتهم وأدوا حقوق الله سبحانه التي فرضها في أموالهم وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام ( أحي والداك ) قال له نعم ,قال له (ففيهما فجاهد)”
المثالان اللذين ضربهما الخليلى هما دليل على عدم وجود فطرة الحنو من قبل الأبوين ومن قبل الأبناء وإنما كبقية أفعال الإنسان هما اختيار من الإنسان فالبعض يختار الحنان والرحمة والبعض يختار القساوة والعقوق
ثم حدثنا عن البر والعقوق فقال:
” وجاء في الأحاديث ما يدل على أن من أحسن الصلة بوالديه كان من جزاء الله سبحانه وتعالى له أن يهبه ولدا صالحا يبره كما بر بوالديه وأن من أساء السيرة في بوالديه فجزاءه كذلك أن يهبه الله تعالى ولدا يبتليه به يسيء معاملته كما أساء معاملة والديه فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا الصلة بآبائكم وأمهاتكم صلوهم في هذه الحيات الدنيا بحسن المعاملة وصلوهم بعد مماتهم بالإستغفار والدعاء وبالإحسان إلى الذين يحبونهم من الناس وبما تحبون أن يحسن به إليكم أولادكم بعد مماتكم من الصدقات أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فأستغفروا الله يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم”
الخطأ أن من أساء معاملة والديه أو أحدهما يقيض الله ابن أو ابناء يسيئون معاملته فى كبره وهو كلام ليس صحيحا فى كثير من الأحيان فأحيانا يكون الولد بارا بوالده المسيىء لأبويه وأحيانا يكون عاقا على حسب كفر أو إسلام الولد وأبناء يعقوب (ص) كانوا فى شبابهم مثالا سيئا عندما أساءوا ليعقوب (ص) فوصفوه بالضلال فى قولهم” إن أبانا لفى ضلال مبين” وعملوا على أن يفقدوه ابن له ومع هذا قيض الله لهم أبناء صالحين
ثم استهل الخطبة الثانية كما استهل الأولى فقال:
“الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره وأومن به ولا أكفره وأعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين”
ثم تحدث عن فضل الأم وآلام ولادتها وحملها فقال:
أما بعد فيا عباد الله إن الله سبحانه وتعالى قد جمع الوالدين في التوصية بهما خيرا ثم بعد ذلك نبه على ما قدمته الأم من التضحيات وما كابدته من مشقات في حمل هذا الولد وفي مراعاته بعد ولادته وفي هذا ما يؤذن بأن حقها أعظم من حق الأب وقد جاء ذلك صريحا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله عز وجل يقول (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) ويقول عز من قائل((ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبين أن حق الأم أعظم من حق الأب فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له يارسول الله من من الناس أحق مني بحسن الصحبة قال له (أمك) قال له ثم من قال له ( أمك) قال له ثم من قال له (أمك) قال له ثم من قال له ( أبوك ثم الأقرب فالأقرب) فأنظروا كيف ذكر حق الأم ثلاث مرات ثم عطف بعد ذلك حق الأب على حق الأم مرة واحدة بثم الذي تقتضي المهلة والترتيب ثم ذكر حقوق الأقربين فالأقربين في هذا ما يدل دلالة واضحة على أن حق الأم أعظم الحقوق فيجب على الإنسان أن لا ينسى أبدا حق أمه وكيف ينسى حقها وبد كانت مضحيا براحتها وبكل عزيز لديها في سبيل راحة هذا الولد لقد حملته كرها ووضعته كرها وثم بعد ذلك اشتغلت بإرضاعه مدة طويلة ثم اشتغلت بعد ذلك بتربيته وسهرت عليه الليالي الكثيرة فحقيق بالإنسان أن يتذكر حقها وأن يرعى صلتها وأن يحفظ ودها وأن يتقرب إليها بما يرضيها من البر والإحسان وأن يواسيها بكل خير وأن يتحيل في الوصول إلى رضاها فالإنسان يجب عليه أن لا ينسى هذه الحقوق”
والمقولة الخاطئة هنا هو أن التوصية بالأم كانت أعظم من التوصية بالأب وهو كلام خاطىء فالله وصى بالاثنين والتوصية إنما تكون بالظروف فقد يكون الأب هو المطلوب الاعتناء به أعظم لمرضه وكبر سنه إذا كانت الأم ما تزال بعافيتها وقد تكون الأم هى المطلوب الاعتناء بها أكثر لمرضها وكبر سنها فالمسألة تتوقف على الحالة الصحية وليس على الحمل والولادة لأن فى مقابل الحمل الولادة كان الأب يعمل فى الحر والبرد والمكر والأذى ومن ثم رواية كون الأم أكثر حقوقا من الأب ليست صحيحة فالحقوق كما قال تعالى بالظروف ” يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما” فلو كان أحدهما أعظم حقا لفصل الله هذا ولكنه ساوى بين الاثنين
ثم حكى لنا حكاية من الروايات فقال:
“وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان وقد روى أن رجلا لقي عبدالله إبن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو يطوف بأمنه على ظهره حول البيت العتيق فقال له يا ابن عمر أتراني قد أديت حقها فقال له لا ولا بطلقة واحدة وقد روي أيضا مثل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عنه أفضل الصلاة والسلام رأى رجلا يطوف بأمه فقال له يا رسول الله هل أديت حقها ؟ قال له لا ولا بزفرة واحدة يعني أنه لم يؤدي حق زفرة واحدة من الزفرات التي صدرت من الأم في حال الوضع فكيف ينسى هذا الإنسان حقوق أمه وكيف ينسى حقوق أبيه الذي حلب عليه”
هذه الروايات لا تصح عن النبى (ص)فقضاء الحقوق يكون بطاعة الله وإنما وجبت الحقوق للغير عن طريق حكم الله فمن أطاع الله فقد أدى الحق وإن قال الغير أنه لم يؤدى الحق والله جعل الناس فى الغالب يؤدون الدورين فى حياتهم دور الابن والابنة ودور الأم والأب حتى يكونوا قد ابتلوا بنفس البلاء
ثم أنهى الخليلى الخطبة بالنهاية التقليدية فقال:
“فاتقوا الله ياعباد الله واستوصوا بآبائكم وأمهاتكم خيرا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين وقائد الغر المحجلين فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عزمن قائل عليما (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صلي على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وأرض اللهم عن خلفائه الراشدين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن سائر الصحابة أجمعين وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الرحمين”