قراءة فى خطبة علاج القلق والأرق
الكتاب هو خطبة أو محاضرة ألقاها محمد صالح المنجد وموضوع الخطبة هو علاج القلق والأرق وقد استهل الحديث بالكلام عن نعمة النوم فقال:
“أما بعد
فإن النوم وراحة البال نعمة من الله، وكثير من الناس لا يعرف قيمتها إلا إذا فقدها، فإذا أصابه الأرق، ودب فيه القلق، عرف معنى تلك النعمة، {ومن آياته منامكم}
الله يتوفى الأنفس في هذا المنام، وجعل الليل سكنا لنا، وعندما تدلهم الخطوب، وتقتحم الكروب، يطير النوم وتزول الراحة، ونرى اليوم مع إطلالة هذه الأزمة على العالم، عبارات الخوف والقلق تتصاعد، المستقبل مظلم وضبابي، فينعكس ذلك على النفوس، فيقول: كيف يكون مستقبلي ومستقبل أولادي، إن هذا الانزعاج والتوتر والترقب والتحفز والتخوف يولد هذا الأرق وفقدان الراحة، وعدم اطمئنان البال،”
المنجد هنا جعل القلق من المستقبل هو السبب الرئيسى للأرق خاصة عند الكفار فقال:
“هذه الهواجس التي لا تنقطع وتؤدي فيما تؤدي إليه من أعراض في سرعة نبض وارتفاع ضغط وسكر، حتى أصبح بعضهم صديقا دائما للمشروبات المنبهة والأدوية المسكنة، والإنسان في طبعه الهلع والجزع، وخصوصا عندما يكون كافرا، فما الذي يريحه؟ فإذا كانت الدنيا التي هي منتهى إرادته، وغاية سعيه قد حل فيها ما حل من النقص والخراب، عند ذلك لا عجب أن يقال أن نسبة المصابين في الولايات المتحدة بالأرق تزداد من 9% إلى 35%، وعند المسنين أكثر، و 40% من البالغين عندهم يستعملون المنومات بانتظام، وكل شخص من بين أربعة يعاني من القلق النفسي، واستعصاء النوم وتقطعه وخفته، ونسبة الأرق قد بلغت 27% من هم عندهم اضطرابات في النوم نتيجة لهذه الأزمة، وانعكس ذلك على اللجوء للمشعوذين أيضا، فقد زاد الذي يلجؤون للمشعوذين طلبا لمعرفة ما في المستقبل بدرجة كبيرة في هذه الأيام، وتقول عالمة نفسية لديهم: لم أشهد يوما طوال ممارستي هذه المهنة منذ عشرين عاما، ما يشبه ذلك، إن مستوى القلق يحطم كل الأرقام القياسية”
وقد بين المنجد أن الأرق يحدث بحق ويحدث بباطل وبين أن المسلم يقلق من أجل أنه لم يسرع بعمل الحق وفى هذا قال :
“والأرق الذي فيه اضطراب النوم، وهروبه من الإنسان قد يكون لأمور أحيانا محمودة، فيأرق الإنسان أو يقلق خشية من واجب أخل به، عن عقبة بن الحارث قال: صليت وراء النبي (ص)بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته!!
فقال: ((ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته)) رواه البخاري
هذا حق الله، وقد يقلق المسلم خشية أن يكون وقع في أمر لا يجوز له، فروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي (ص)وجد تحت جنبه تمرة من الليل فأكلها فلم ينم تلك الليلة
فقال بعض نسائه: يا رسول الله، أرقت البارحة
قال: ((إني وجدت تحت جنبي تمرة فأكلتها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة فخشيت أن تكون منه)) حديث حسن”
وبين أن المسلم قد يقلق بسبب ظنه أنه أذنب أو قصر ثم حكى لنا التالى:
“هذا القلق الشرعي المحمود الذي يعتلي المؤمن أحيانا، وكذلك قلق من تأنيب ضمير لتقصير في حق الله، أو حق عباده، وهذه الزوجة البارة تقول لزوجها: والله لا أذوق غمضا حتى ترضى
وقد تخوف ثابت بن قيس رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}
قال: أتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا
فأخبر رسول الله (ص)فقال له: ((أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة))
{والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}
هؤلاء الذين يسارعون في الخيرات”
ما فات المنجد فى الكلام هنا هو أن حياة المسلم فى مجتمع كافر تجعله أكثر قلقا لأنه رغم انه يقول الحق ويطيع الحق فإن هذا الحق يجعله عرضة لأذى الكفار ومن ثم طالب الله المؤمنين فى تلك المجتمعات أن يكذبوا وينطقوا بالكفر أمام الكفار إن خافوا من تعذيب الكفار أو محاولتهم قتل المؤمنين فقال :
“وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان”
وقد بين الله أن المسلم إذا ارتكب جريمة فى ذلك المجتمع مترقب أى متوتر ومن ثم وصف الله موسى(ص)بالخروج من المدينة مترقبا لحدوث الشر به فقال :
“وأصبح فى المدينة خائفا يترقب “
وقال:
“فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهدين سواء السبيل”
ومن ثم قد يكون سبيل المسلم فى المجتمع للخروج من القلق والأرق إلى الاطمئنان والسعة هو الهجرة لمجتمع مسلم كما قال تعالى :
“ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغما كثيرا وسعة”
وأما فى المجتمع المسلم فالمسلم لا يقلق من شىء لأنه يكون فى حالة ذكر أى طاعة لأحكام الله كما قال تعالى :
” ألا بذكر الله تطمئن القلوب”
وبين أن المنافق أو الكافر لا يقلق من ذنوبه أى معاصيه لأنه يظنها حسنات فقال :
“اللامبالاة أحيانا تكون من صفة المنافقين، والمحاسبة والقلق خشية التقصير في حق الله من صفات المؤمنين، قال الحسن رحمه الله: المؤمن أحسن الناس عملا وأشد الناس خوفا؛ فالمؤمن لا يزداد صلاحا وبرا وعبادة إلا ازداد خوفا، يقول: لا أنجو
والمنافق يقول: سواد الناس كثير وسيغفر لي، ولا بأس علي، يسيء العمل ويتمنى على الله تعالى أي الأماني
ينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة، لأنهم قالوا {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين}
فهم المؤمن دائما مرضاة الله تعالى، وهو يخشى {اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}
يواصل على الأعمال الصالحة وهو يخشى ((إن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها))
ولذلك فهو يراقب المصير، ويرجو حسن الخاتمة، يحسن الظن بربه
وقد يصيب الداعية إلى الله من القلق، نتيجة صدود الناس، {فلعلك باخع نفسك على آثارهم}أي: مهلك نفسك حزنا عليهم، {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}
وحتى مشاعر الأبوة تكون متأثرة بما يصيب الأولاد، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها)) رواه مسلم
ولذلك فإن الاهتمام بأمرهم من الإيمان، ولكن الزيادة في القلق يخشى على ذريته من بعده، {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا} “
وعاد المنجد للحديث عن المستقبل ولكنه لم يفطن إلى أن الآية السابقة نظمت العمل من أجل صغار الإنسان عندما يكون لدى الوالد مالا فائضا وهو أم يقسم المال الزائد على حاجته وحاجة الأسرة على حسب أكبر أولادع فإن كان علمه وأوجد اه وزوجه فهو يحسب ما أنفق عليه كل سنة ويقسم المال الذى معه على كل ابن أو ابنة خلال السنوات القادمة بحيث يضع لكل واحد ما يكفيه حتى يصل لسن أخيه الأكبر وتختلف بالقطع المبالغ بسبب اختلافات السن وهو يكتب له وصية بهذا المال كعدالة أمر الله بها وقال عن نفس الأمر :
“الخوف من المستقبل، هؤلاء الأولاد صغار، أبوهم شيخ كبير، هل سيأكل أحدهم حقهم من بعده، كيف سيعيشون؟ عباد الله، لا بد أن يكون للمؤمن ميزان، فأما قلقه من أجل الدين، والعبادة وخشية التقصير في حق الله أو الإخلال في واجب، أو خشية الوقوع في محرم فلا بد منه
والقلق على الدين، دخلا غارا لا يسكنه لابث، فاستوحش الصديق من خوف الحوادث، [وقال: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا] فقال الرسول: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!))”
الرواية لا تصح لمخالفتها القصة فى كتاب الله فى الأقوال وهى :
“إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها”
وتحدث الرجل عن التخطيط للمستقبل وهو تخطيط جماعى من المسلمين وليس تخطيطا فرديا كما فى الرواية التى لا يمكن أن تكون صحيحة لأنه تنفى التعاون بين المسلمين وتجعل الحاكم هو الوحيد المهتم بالأمر وهى:
“فهذا في الحقيقة من الإيمان، وكذلك القلق بشأن الرعية، قال عمر رضي الله عنه قبل موته بثلاثة أيام: (لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا) رواه البخاري
هذا من أجل مصلحة المسلمين، وإنما ينزل الإيمان وتنزل الطمأنينة والسكينة من الله، على مثل هؤلاء، ولذلك صار النعاس في الصلاة من النفاق، والنعاس في القتال من الإيمان، {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه}
ونام الصحابة في راحة مهمة قبل القتال، وكانت ذقن أحدهم تسقط في صدره، وألقى الله النوم على أهل الكهف، لما خرجوا قلقين من أجل الفرار بدينهم، {فضربنا على آذانهم} وهكذا يسكن الله تعالى قلوب عباده الصالحين، الذين يقلقون من أجل دينه، ومن أجل عبادته”
ما قاله المنجد خطأ ظاهر فالنهاس ليس دوما دليل على النفاق أو الكفر فما قصه حدث فى مواضع معينة ولم يحدث مثلا النعاس فى كل المواقع وإنما هى غزوة أحد ومن ثم لا يصلح النعاس كدليل على الإيمان فى الحرب لأنه قد يكون أكبر جرم من الناعس تارك سلاحه ومكانه الذى يدافع عنه
وتحدث المنجد عن القلق المحرم فقال:
“وأما القلق المذموم، قلق من أجل الدنيا، أرق من معصية، يريدها ويطاردها لتتحقق له، فيخشى أن تفوته، أرق خشية فوات رزق المولود، حتى أصبحوا يطالبون زوجاتهم بإسقاط الحمل، وبعضهم لما قامت بعض الدراسات والاستبانات عن أسباب القلق، قال المظهر الشخصي، هذا في بداية وطليعة أسباب القلق لديه
وأقدمت أم بريطانية على الانتحار بعدما فشلت في العثور على دواء يضع حدا لتساقط الشعر، مخلفة وراءها ثلاثة أولاد عن عمر يبلغ 43 عاما
وأخرى قررت مفارقة الحياة بسبب مرض جلدي في وجهها
وهذا لا تتصل به عشيقته، وهذه لا يتصل بها خليلها بالحرام، فأين قلق هؤلاء وأرقهم من قلق أولئك القوم”
وتحدث الرجل ع كون الأرق يصيب المسلم والكافر فقال :
“عباد الله، أن هذه القضية تصيب البر والفاجر والمسلم والكافر، ولكن المسلم إذا أصابته شدة فإن عنده من الإيمان ما يسكنها، توحيد الله أولا، كلما عظم التوحيد عظم الأمن النفسي، لأن الله قال: {أولئك لهم الأمن} فنتيجة لهذا ينامون مطمئنين، ويلقي الله عليهم السكينة
الارتباط بين دعوات المكروب والتوحيد واضح للغاية، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت))
كلمات التوحيد تزيل الكربات، قال -عليه الصلاة والسلام- لأسماء بنت عميس: ((ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب: الله ربي لا أشرك به شيئا))رواه أبو داود وهو حديث صحيح
وما الذي سكن يونس في بطن الحوت في ظلمة البحر وظلمة الحوت، ((دعوة أخي ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت {له إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب له))رواه الترمذي وهو حديث صحيح
((يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث))”
وما قاله الرجل عن الدعاء ليس سليما فالدعاء ليس سبب إزالى للقلق وإنما هى طاعة حكم الله فى كل موضوع وهو ما عبر الله عنها بذكر الله فقال:
” ألا بذكر الله تطمئن القلوب”
وسمى الله ذلك الإيمان فقال كما حدثنا المنجد:
“قال تعالى: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} فأهل الإيمان أهدى الناس قلوبا، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات”
وحدثنا المنجد عن أن حياة الكفار لا يمكن أن تكون بدون قلق لكون معظمها معصية لله فقال :
“ملايين من البشر يتعذبون اليوم، ويحاولون اللهاث وراء مؤلفات وكتب ومقالات (دع القلق وابدأ الحياة) لكن صاحب هذا الكتاب قد مات منتحرا
لا يمكن أن يبقى المشرك هانئ البال، فلا تراه إلا صاحب انزعاج، عباد الله إن ثقتنا بربنا وحسن ظننا به، ولجوؤنا إليه، وتوكلنا عليه، يبعد القلق ويزيل الاضطراب
قال ابن القيم: من وطن قلبه عند ربه سكن واستراح ومن أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق لا تدخل محبة الله فى قلب فيه حب الدنيا الا كما يدخل الجمل فى سم الابرة الفوائد
إن قوة القلب وعدم انزعاجه وعدم استرساله جريا وراء الخيالات والأوهام الفاسدة، إنما يكون بإيمان يملئه، واعتماد على الله وتوكل عليه”
وحدثنا عن قضاء الله فقال:
“إن مما يزيل القلق والاضطراب ويبعث على التفاؤل، الإيمان بقضاء الله وقدره، ذلك الركن العظيم، من أركان الإيمان، عندما تتأمل يا مسلم، يا عبد الله، في قول الله {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير}
أنها عند الله مكتوبة قبل أن تخلق، أنها عند الله مسطورة قبل أن توجد، أنها عند الله مثبتة قبل أن تكون في الواقع،
لماذا كتبت المقادير قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؟ لماذا؟ لماذا لم تكن مكتوبة وليدة لحظتها، قال -عز وجل-: {لكيلا تاسوا على ما فاتكم} ما دام أنه مكتوب، من زمان، من قديم، ففيما الأساة؟ هذا شيء قد فرغ منه؟ ففيما الحزن؟ {لكيلا تاسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} فإذا وقع الحادث، مصيبة، وفاة، خسارة، وفقدان وظيفة، مرض، كله قد كتبه الله، كله قد قضاه، كله قد فرغ منه وانتهى، جفت الأقلام، وطويت الصحف، جف القلم على ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإذا أصابك القلق على رزق، فلتعلم أن الله هو الرزاق، وعنده الرزق، {فابتغوا عند الله الرزق} وليس عند غيره، ورزق الله لا يجلبه حرص حريصا، ولا يرده كراهية كاره، ولكن يؤخذ بالأسباب الشرعية، ومقادير الخلائق قد قدرت سابقا، {وفي السماء رزقكم وما توعدون} {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} “
والحديث عن الايمان بالقدر هنا حديث خاطىء فنحن نؤمن بقدرة الله على عمل أى شىء هذا هو الإيمان بالقدر ولكن الله لا يعرفنا ماذا قدر لكل واحد منا ولا من غيرنا ومن ثم فنحن نطيعه أو نعصاه على حسب إرادة كل واحد ” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”
فلا أحد يعرف رزقه ولا عدد أيام حياته ولا أمراضه ولا موت أقاربه ولا أى شىء فالقدر مجهول
وحدثنا عن استخدام الشيطان الفقر والخوف منه كسلاح ضد الإنسان والمقصود ليس إبليس قطعا وإنما هوى النفس فقال :
الشيطان يستخدم خوف الفقر سلاحا يزعج به المؤمن، {الشيطان يعدكم الفقر} ويثبط عن الصدقة، {ويامركم بالفحشاء} البخل، {والله يعدكم مغفرة منه وفضلا} بالعوض {والله واسع عليم}”
والمسلم سيرته وهى طبيعته أنه لا يهتم لأمر الدنيا إلا بالمقدار الذى أمره الله به وهو الحلال وفى هذا قال المنجد:
“ولا ينبغي لمسلم أن تكون الدنيا هي أكبر همه، والقلق الذي يصيب الناس الآن في الأزمة المالية وفي غيره نتيجة حقيقة وطبيعية ومتوقعة لمسألة حيلولة الدنيا في قلبه على رأس الأولويات، ولذلك قال: لا تجعل الدنيا أكبر همنا، لو لم تكن الدنيا أكبر الهم لنقص القلق، لنزل المستوى من الأرق، ولذلك إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله، تحمل الله عنه حوائجه كلها، وإذا أصبح وأمسى همه الدنيا وما فيها، جعل الله فقره بين عينيه، وحمله من الهموم والغموم والأنكاد، ووكله لنفسه
{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}
ما مضى فات، والمؤمل غيب، يا ابن آدم إنما أنت ثلاث أيام، أمس وقد ولت، وغدك ولم يأتي، ويومك فاتق الله فيه،
لا تستعجل الحوادث وهمومها وغمومها، حتى تعيش فيها فلك من الله عون،
سهرت أعين ونامت عيون *** في شؤون تكون أو لا تكون
إن ربا كفاك بالأمس ما كان *** سيكفيك في غد ما يكون
فبعض الناس يظل قلقا واجما مفكرا أرقا، في مستقبله، ماذا سيحدث، هل سأفقد الوظيفة، هل سأبقى بلا عمل، هل سينقطع الراتب، هل سينقطع الدخل، هل سيقل، وهل وهل وهل حتى يموت كمدا ربما
فلا بد أن يثق العبد بربه، وأنه لن يضيعه، ((أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها))والقناعة جميلة، ((قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه))
ولو أصابك أرق ماذا تعمل؟
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من تعار من الليل -أي استيقظ من نومه- فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله
ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته)) رواه البخاري”
كما سبق القول الدعاء ليس مستجابا كله من الله سواء بخير أو بشر وحدثنا عن ابن الخطيب فقال :
“التوحيد مرة أخرى، التوحيد يرافق المؤمن، ليست القضية فقط نصائح أطباء، كان لسان الدين ابن الخطيب من كبار الأطباء، وألف كتابه الوصول لحفظ الصحة في الفصول – الفصول الأربعة-: والعجب مني مع تأليفي لهذا الكتاب الذي لم يؤلف مثله في الطب ومع ذلك لا أقدر على داء الأرق الذي بي
حتى كان يقال له: ذو العمرين، لأن الناس ينامون وهو ساهر، ومؤلفاته غالبها بالليل”
وعاد المنجد للحديث عن الأدعية كأنها وحدها من تعالج القلق والأرق بينما هى فى الحقيقة لا تعالج شيئا إلا إذا اتفق مع القدر المكتوب بينما هو قال الله ذكر وهو طاعة الله هو علاج القلق وفى الأدعية قال المنجد:
“المؤمن يلجأ إلى الله في حاجته وينزلها به، ويذكره فيطمئن قلبه، {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله} يعني يزول قلقها واضطرابها وتحظرها أفرحاها ولذتها، {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}
وفي المقابل {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}
عباد الله {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} هو شعار المسلم، وهو دثاره، ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله، وعجبا لمن ابتلي بالغم كيف ينسى: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”
إن القلق لمن آمن وهو يدعو ((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي)) رواه مسلم في أذكار ما قبل النوم
لا يخلو أن تصيب الإنسان وحشة أو قلق أو نوع من الأرق
يقول الوليد بن الوليد: يا رسول الله إني أجد وحشة؟
فقال: ((إذا أخذت مضجعك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون)) رواه أحمد وهو حديث صحيح
فإن قال قائل: لا أحفظها، فاستغني عنها يا عبد الله بالمعوذتين، ((فما تعوذ متعوذ بمثلها قط))
{قل أعوذ برب الفلق*من شر ما خلق} عامة، ثم استعاذ من أشياء خطيرة خاصة، الليل وما فيه من الطوارق، والمفاجآت الخطيرة، {ومن شر غاسق إذا وقب} السحرة والساحرات، {ومن شر النفاثات في العقد} الحاسد، وعين الكائد، {ومن شر حاسد إذا حسد}
وفي سورة الناس: يستعيذ برب الناس، من شر الثقلين، تلك من شر ما خلق، عقارب أفاعي خسائر، وهذه من شر الثقلين، {قل أعوذ برب الناس*ملك الناس*إله الناس*من شر الوسواس الخناس*الذي يوسوس في صدور الناس*من الجنة والناس}
وقل أعوذ برب الفلق أفضل، وهي بعد سورة الصمد
تأمل في الأذكار التي تقال قبل النوم وما فيها من العلاقة بين السكون والهدوء والطمأنينة والراحة، وما تسببه هذه الأدعية من الآثار العظيمة الإيجابية على النفس
((اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجات ظهري إليك – استندت أويت إلى ركن شديد- وألجئت رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت) رواه البخاري
هذا التفويض يوجب سكون القلب والرضى، وهذا الوضوء الذي يؤدي إلى إزالة التوتر، فرذاذ الماء على الوجه والأطراف استرخاء، والعبد يقول مضجعا على الجنب الأيمن: ((باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها-وبقيت حيا بعد قيامي من النوم- فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))
فيها موعظة، تذكر بالاستعداد للموت، والإنسان إذا تذكر الموت هان عليه كل شيء،
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة فكيف آسى على شيء إذا ذهب
{ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}
{هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين}
{فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}
هذه السكينة هي التي تخفف عن العباد، هذه السكينة هي التي تطمئن أهل الجهاد، هذه السكينة هي الزاد إلى يوم المعاد، هذه السكينة التي تريحك من القلق النفسي، والاضطراب العصبي، كان -عليه الصلاة والسلام- يفزع إلى الصلاة
من فزع فقام يصلي، ويضم يديه إلى صدره قائم بين يدي ربه يناجيه، والله ينصب وجه لوجه عبده في الصلاة، ما لم يلتفت، وهو يعلم علم اليقين بأن ربه -سبحانه وتعالى- لا يتخلى عن عبده إذا لجئ إليه
الإنسان له طبيعة، {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا}
وقد بلغ بهم الأمر الآن إلى أن أقاموا في مخيمات، لأن البنوك سحبت بيوتهم في هذه الأزمة المالية، صار لديهم مخيمات وطوابير على أبواب الجمعيات الخيرية، وأعداد العاطلين عن العمل تزداد، والاستغناء عن هؤلاء العمال، والمسألة في تصاعد، {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين* الذين هم على صلاتهم دائمون * والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم * والذين يصدقون بيوم الدين * والذين هم من عذاب ربهم مشفقون}
صدقة تنجي
مصاب بالسرطان عجز الأطباء عنه، إذهب واقضي بقية ساعاتك وأيامك عند أهلك، لحظ وهو يوصل في الطريق أمام محل للحوم أن هناك فقيرة تنتظر، حتى إذا اشترى الناس ما يريدون، أعطاها اللحام والقصاب والجزار بقايا العظام، وما فيها من النزر اليسير من اللحم، فقال للجزار: تعطي هذه كل يوم كيلوين من اللحم على حسابي، هو يودع الدنيا، فما مرت مدة إلا ورجعت إليه صحته، حتى حار الأطباء، عباد الله خفقان القلب ورعشة اليدين وآلام الصدر، وبرودة الأطراف واضطرابات المعدة والوسواس القهري، وهذا الأرق وكثرة التفكير وكثرة التركيز وكثرة الضغوط النفسية لا يمكن أن تواجه بمجرد الحبوب، قضية الحبوب هذه قد تفيد مؤقتا، وقد تضر على المدى الطويل، بل ثبت ضرر كثرة تعاطيها، ينصحون بأشياء نعم، تنظيم النوم، والتقليل من شرب المنبهات، والأطعمة الدسمة قبل النوم، ونحو ذلك من المعالجات النفسية للقلق، لكن سيبقى العلاج الأول، وسيبقى الحل الأنجع هو ما دلنا عليه الشرع
حتى في بعض الأطعمة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن))
وكانت عائشة تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك رواه البخاري وهي حساء اللحم مع شيء من الدقيق”
الحديث هنا عن علاج المرضى بأمراض وليس عن المؤرقين فالأرق كما سبق القول علاجه طاعة أحكام الله وهى ذكر الله