قراءة فى خطبة الشتاء حِكم وأحكام

الخطيب هو عبد الله بن عبده نعمان العواضي والخطبة تدور حول أحكام الشتاء وقد تحدث الخطيب عن عيوب الشتاء فقال :
“أما بعد:
أيها المسلمون، لقد أقبل علينا فصل الشتاء يحمل معه شدة البرد، وكثرة المرض، وصعوبة الحركة، وقلة الإنتاج وهذه مضار لكن مع المضار منافع للبشرية لا تتحقق إلا في فصل الشتاء، ولا تتم إلا في ظل البرد”
والعيوب والفوائد أى شر وخير الشتاء هو من ضمن الابتلاء بالشر والخير وفيه قال تعالى:
” ونبلوكم بالشر والخير فتنة”
ونقل عن ابن القيم كلام عن كون تنوع المناخ فى المكان الواحد فى الفصول الأربع يحقق مصالح مختلفة فقال :
” قال ابن القيم: “تأمل أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول وما فيها من المصالح والحكم؛ إذ لو كان الزمان كله فصلاً واحداً لفاتت مصالح الفصول الباقية فيه، فلو كان صيفاً كله لفاتت منافع مصالح الشتاء، ولو كان شتاء لفاتت مصالح الصيف، وكذلك لو كان ربيعاً كله، أو خريفاً كله، ففي الشتاء تغور الحرارة في الأجواف وبطون الأرض والجبال، فتتولد مواد الثمار وغيرها، وتبرد الظواهر، ويستكثف فيه الهواء، فيحصل السحاب والمطر، والثلج والبرد الذي به حياة الأرض وأهلها، واشتداد أبدان الحيوان وقوتها، وتزايد القوى الطبيعية، واستخلاف ما حللته حرارة الصيف من الأبدان، وفي الربيع تتحرك الطبائع، وتظهر المواد المتولدة في الشتاء، فيظهر النبات ويتنور الشجر بالزهر، ويتحرك الحيوان للتناسل”
وما نقله الرجل عن ابن القيم ليس كله صحيحا ككلامه عن أزهار الشجر وتناسل الحيوان فالإثمار والتناسل يتحقق فى كل الفصول تقريبا فهناك نباتات صيفية وشتوية وخريفية وربيعية والحيوانات إن اقتصر بعضها على فصول معينة فى التناسب فبقيتها تتكاثر فى أى وقت
وحدثنا كلاما أخر لا علاقة له بالعلم فقال :
“عباد الله، في فصل الشتاء يسخن جوف الإنسان، ويبرد في الصيف؛ لأنه في الشتاء يكون بارداً، فيبرد ظاهر البدن، فتهرب الحرارة إلى باطن البدن؛ لأن الضد يهرب من الضد؛ ولهذا يسخن جوف الأرض في الشتاء؛ لسخونة الظواهر، فتهرب البرودة إلى الأجواف”
فبرودة الجوف وحرارته ترجع إما إلى أنواع الطعام وإما إلى المرض فهناك المواد الحريفة والمالحة والسكرية ترفع من حرارة الكثير من اجواف الناس فالبرودة والسخونة فى الجوف لا تعود للجو

ثم قال :
“ومن حكم الله أن نبات وفواكه الشتاء لو أكلت في الصيف أو العكس لربما أضرت بالبدن وسببّت له الأذى، فسبحان الخالق الحكيم”
واعتبر العواضى أن الشتاء موسم لزيادة الطاعة فقال :
“معشر المسلمين، إن محبي العبادة المكثرين منها يفرحون بقدوم الشتاء؛ لأنه موسم للازدياد من الطاعة ليلاً ونهاراً، وموعد للراحة في التمتع بطول ملازمتها
قال ابن مسعود:” مرحباً بالشتاء، تنزل فيه البركة، ويطول الليل للقيام، ويقصر النهار للصيام
وحينما حضرت الوفاة معاذاً بكى، وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب على حِلَق الذِّكْر
إن زمن الليل في فصل الشتاء يمتد ويبارك فيه؛ فهو بذلك فرصة لتطويل صلاة الليل، مع أخذ الجسم حظه الكافي من النوم، وللروح بعد ذلك أن تحلِّق في آفاق القيام ما شاءت قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}”
وهذا الكلام خاطىء فكل الأيام مجال ممتد لزيادة الطاعات فلم يحدد الله فى قيام الليل صيفا ولا شتاء ولا ربيعا ولا خريفا فقال :
” قم الليل إلا قليلا”

وتحدث عن كون الشتاء مجال للصيام بسبب قصر النهار فقال :
“والشتاء فصل ملائم لعبادة الصيام؛ لأن نهار الشتاء بارد لا يحس الإنسان فيه بشدة الظمأ، وألم الجوع، وضنك التعب، ولأن النهار في الشتاء أيضاً يمضي سريعاً؛ لقصر زمانه فيه
وهذا كله يعين المسلم الحريص على الصيام أن يكثر منه، ويداوم عليه؛ لتحصيله الأجر بلا تعب ولا مشقة كبيرين
ولذلك جاء في الحديث: الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة
قال بعض العلماء: ” إنما وصفها بالبرد؛ لأن الغنيمة إنما أصلها من أرض العدو ولا تنال ذلك إلا بمباشرة الحرب والاصطلاء بحرها، يقول: فهذه غنيمة ليس فيها لقاء حرب ولا قتال””
وهذا الكلام لا أساس له من الصحة فالصوم عقوبة على العديد من الذنوب ومن ثم ليس هو شىء مستحب وإنما فرضه الله شهرا يدور فى كل الفصول فى مختلف البلاد كما أنه منقص للأجور ف أجره عشر حسنات بينما من أكل مرتين فى النهار وشرب عدة مرات كثلاث مرات كان ثوابه خمسين حسنة كما قال تعالى :
” من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها”

ومن ثم فالصوم ليس مثيب للمسلم وإنما منزل لثوابه
وتحدث عن أمراض الشتاء وكثرتها أو تكرارها فقال :
“أيها المسلمون، إذا جاء فصل الشتاء كثرت فيه أمراض الزكام و الحمى والصداع، وغير ذلك
ولكن الإسلام يعلمنا ما يخفف عنا وقع هذه الأمراض وآثارها، فيعلمنا التفاؤل عند المكاره؛ لأن المكاره قد تحمل معها المحاب والمسار قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
فما يحمله الشتاء من العناء-ويختلف ذلك باختلاف الأماكن شدةً وخفةً- في طياته منافعُ للأرواح وللأبدان، فكم زُرعتْ في الشتاء من خيرات، وجُنيت من حسنات، ومُحيت من سيئات، لدى من جدّ وسعى وتفكر
وكم عوفيت من أبدان بتلك الأمراض، وربما صحت الأجسام بالعلل”
ونثل عن ابن القيم كلاما أخر عن الحمى فقال :
“يقول ابن القيم : ” الحمى فيها من المنافع للأبدان مالا يعلمه إلا الله، وفيها من إذابة الفضلات وإنضاج المواد الفجة وإخراجها ما لا يصل إليه دواء غيرها، وكثير من الأمراض إذا عُرض لصاحبها الحمى استبشر بها الطبيب وأما انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض فأمر لا يحس به إلا من فيه حياة؛ فصحة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها، وقد أحصيت فوائد الأمراض فزادت على مائة فائدة””
والمنقول عن ابن القيم هو فى الحمى عموما فى أى وقت وهو كلام من غير مختص فى الطب حيث يعدد لنا فوائد الحمى منع أن أى مرض هو ضرر على الإنسان
وتحدث عن فائدة الأمراض فى النفس حيث أنها تذكر بقدرة الله وضعف الإنسان فقال :
“فالمرض يذكِّر الإنسان ضعفه وعجزه؛ فيلجأ إلى القوي القادر ليذهب عنه سقمه وألمه، فيعرف الإنسان حينذاك أنه عبد لمعبود حق، وأنه مفتقر إليه معتمد عليه، وانقضاء حوائجه، وتفريج كرباته، وتحصيل راحته وسعادته لا يكون إلا عن طريق التجائه إلى مولاه، وسعيه في سبيل مرضاته
فلو بقي الإنسان قوياً بلا ضعف، قادراً لا يطرأ عليه العجز، صحيحاً لا يزوره المرض لطغى وبغى وتجبر وتكبر، فجاء المرض ليعرِّفه حقيقة نفسه، وحق ربه عليه”
وتحدث عن واجب المسلم تجاه الأمراض فقال:
“وعلمنا الإسلام -عند تلك الأمراض- أن نواجهها بالصبر والاحتساب، فمن صبر ورضي خف ألمه، وسهل سقمه، وقوي أمله بما ادخره الله له؛ جزاء تسليمه لقضائه وقدره، فحين ذلك ينسى الوجع بسبب الموعود المنتظر بل قد يجد بعض الراضين المؤمنين لذات في عنفوان الآلام والأسقام لا يجدونها أيام العافية، والعامل النفسي له أثره على ما يَرِد إلى البدن من مسار أو مضار
قال النبي(ص): (ما يصيب المسلمَ من نصَب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)
وقال (ص): (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وماله ونفسه حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة) “
وكل الحديث السابق عن الأمراض وحتى ألآتى غير مرتبط بالشتاء لأن الأمراض تتواجد فى كل الفصول والأحاديث السابقة يصح معناها إذا كانت تعنى صبر الإنسان عليها وتداويه وشكره لله على الشفاء
وحدثنا عن الوقاية من الأمراض المعدية فقال :
عباد الله، والإسلام يعلّمنا -كذلك- الحِميَةَ والابتعاد عن مظان الداء، وأسباب البلاء،
قال رسول الله(ص): (فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد)
وهذا الحديث قاعدة في الوقاية عن مخالطة أصحاب الأمراض المعدية، مع الاعتقاد بأن كل شيء يجري بقضاء الله وقدره”
وحدثنا عن أساليب دفع البرد فقال :
“ويعلمنا الإسلام أيضاً فعل الأسباب الممكنة في دفع ضرر شدة البرد كالاستدفاء والاحتماء والاستشفاء
فقد أنعم الله على الإنسان بما يقيه البردَ من ملابس وفرش وأغطية وأردية معدة لذلك، إضافة إلى البيوت والمساكن التي يتحصن بها، ويأوي إليها وفي عصرنا الحاضر بلغت هذه النعمة مبلغاً كبيراً في جودتها وتوفرها وتمام الانتفاع بها لدفع أذى الشتاء
يقول الله تعالى-ممتناً على عباده-: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} “
ومن السابق نجد الله خلق لنا ملابس للوقاية من الحر كما خلق ملابس للوقاية من البرد وملابس للوقاية من جراح الحرب
وحدثنا عن أن البرد يذكر من عنده وسائل الاستدفاء من وقود وملابس وسواهما باخوانه الذين لا يجدون منها إلا القليل وأن واجبه هو مساعدتهم فقال:
“إخواني الكرام، إن صيام رمضان يذكر الصائم آلام الجائعين، وحاجة الفقراء والمساكين، ومجيء الشتاء-كذلك- يذكرنا بما أنعم الله علينا من وسائل الدفء والحماية من إيذاء البرد وفي ظل ذلك علينا أن نتذكر إخواناً لنا يعانون شراسة البرد وتبعاته، وآلامه ومضراته، هجم عليهم البرد بخيله ورجِله فخلف من بينهم بلايا وضحايا، حينما لم تكن لهم بيوت واقية، وملابس كافية، وأطعمة الخاصة التي تعطيهم طاقة وحرارة تحجز عنهم بعض سهام البرد الحادة، بل لقد وجدت حالات مأساوية لبعض الأسر الفقيرة التي مات بعض أطفالها أيام شدة البرد
أخي المسلم المليء، إذا كان لديك ملابس شتوية تقيك البرد من أخمص قدميك إلى هامة رأسك، فتذكر أن هناك أجساماً مُسلمَة لباسها الصيفي الرقيق هو لباسها في الشتاء البارد، وإذا كان عندك فرش وثيرة وأغطية كثيفة كثيرة فتذكر من ليس معه من ذلك شيء، أوْ له شيء منه ولكن لا يكفيه وأسرته، فتصدق مما أعطاك الله؛ إن الله يجزي المتصدقين”
وحدثنا عن كون أهلكت بريح الشتاء وهو كلام ليس عليه دليل لأن كلمة الريح مبهمة وهناك ريح ساخنة كما أن هناك ريح باردة وكلاهما له أثاره السيئة فقال:
“إخوةَ الإسلام، إن في أيام الشتاء عبراً وعظات لمن أراد أن يتعظ ويعتبر؛ فريح الشتاء تذكر الإنسان أن الله عذّب قوماً بها، وهم قوم عاد؛ نصراً لنبيه هود عليه السلام، ومن معه من المؤمنين قال تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ}”
وتحدث عن حرب الأحزاب مبينا أن الله حاربهم بريح الشتاء وهو كلام كالسابق ليس فيه نص وفيها قال :
“وردّ الله بها كيد الأحزاب التي تحزّبت لغزو المدينة؛ نصراً لرسول الله محمد (ص)، ومن معه من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً}
وقال: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب 25] وفي هاتين الريحين -الريح التي أهلكت عاداً، والريح التي ردت كيد الأحزاب- يقول النبي (ص): (نُصرت بالصَبا وأُهلكتْ عاد بالدَّبور) “
والاستدلال بالحديث السابق خاطىء فالصبا والدبور ليستا ريح خاصة بشتاء أو صيغ وإنما احداهما مشرقية والأخرى مغربية بمعنى واحدة تأـى من جهة الشرق وواحدة من جهة الغرب
وتحدق عن الريح عموما فقال :
“عباد الله، إن الريح جندي من جنود الله مسخرة بأمره لما يشاءه سبحانه وتعالى، فقد ترسل بالرحمة، وقد ترسل بالعذاب؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى أو سمع هبوب الريح عُرفت الكراهية في وجهه؛ خشية أن تكون عذاباً أُرسل إلى أمته، وهذا من رحمته ورأفته (ص) بأمته كما وصفه الله تعالى بقوله: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}
فلأجل هذا يستحب للمسلم أن يسأل الله خيرها ويستعيذ به من شرها، ولا يجوز له سبها أو لعنها، فقد كان النبي(ص) إذا عصفت الريح قال: (اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشرما فيها، وشر ما أرسلت به)
وروى البخاري في الأدب المفرد وأحمد في مسنده وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذت الناس الريح في طريق مكة وعمر حاج فاشتدت فقال عمر: لمن حوله ما الريح؟ فلم يرجعوا بشيء، فاستحثثت راحلتي فأدركته فقلت: بلغني أنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول الله(ص) يقول: (الريح من رَوْح الله-أي: من رحمته بعباده- تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب؛ فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، وتعوذوا من شرها)
وعن ابن عباس أن رجلا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها – فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنها؛ فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه) “
وكل ما سبق من الكلام عن الريح ليس فيه ذكر للريح الشتوية وإنما هو كلام عام لا يصلح للكلام فى موضوع الشتاء إلا إذا كان الشتاء مذكورا فيه بعينه
وحدثنا عن وجود برد فى النار فقال :
“معشر المسلمين، إن برد الشتاء يذكرنا ببرد جهنم، نسأل الله أن يقينا عذابه يوم يبعث عباده، نعم، هناك برد في جهنم، ولكنه برد عذاب لا برد نعيم على أهل الحرارة واللهيب قال الله تعالى-عن أهل الجنة-: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً} ، بخلاف أهل النار فإنهم يرون الشمس والزمهرير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير) “
والحديث متناقض لم يقله النبى(ص) فكيف يكون حر الصيف بسبب فيح وهو حر جهنم ومع هذا يوجد فيها زمهرير ؟
والحديث مناقض لقوله تعالى :
” قل نار جهنم اشد حرا لو كانوا يعلمون”
ونقل عن ابن رجب كلاما فى تصديق الحديث الباطل فقال :
“قال ابن رجب : ” وقد جعل الله تعالى ما في الدنيا من شدة الحر والبرد مذكراً بحر جهنم وبردها، ودليلاً عليها؛ ولهذا تستحب الاستعاذة منها عند وجود ذلك”
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}: ” الغساق: الزمهرير البارد، الذي يُحرق من برده”
والتفسير المذكور تفسير خاطىء فالغساق هو نفسه الحميم والغساق ليس بردا وإنما شرابا لقوله تعالى :
” لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا”

وتحدث عن أن من تأذى من الماء البارد عليه باستعمال الماء الساخن فقال :
“عباد الله، إن الصلاة مناجاة لله تعالى ووقوف بين يديه ومخاطبة له، فتحتاج إلى طهارة ونقاء، والماء أفضل وسائل الطهارة وأنقاها، وفي أوقات شدة برد الشتاء قد يشق استعمال الماء غير المسخن للوضوء أو الاغتسال، فمن استطاع تحمّل مشقة الوضوء أو الغسل الكاملين في شدة البرد ثم انتصر على نفسه وهواه فخرج للصلاة في بيوت الله تعالى فقد عمل عملاً عظيماً يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، ويجلب له الحسنات
قال رسول الله(ص): (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط) “
والحديث باطل فالدرجات اثنين فقط فكيف ترتفع أكثر مما حددها الله بقوله :
” فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة”

ثم قال :
وإذا كان أجر الذاهبين للصلوات في الظلمات كبيراً كما قال النبي(ص): (بشر المشّائين في الظُلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)
فلا يمتنع فضل الله وكرمه عن أن ينال المشائين إلى بيوت الله في شدة البرد التاركين للدفء والفراش الوثير، والله تعالى أكرم وأعلم”
والخطأ أن المشائين فى الظلم للمساجد لهم نور وحدهم يوم القيامة وهو ما يخالف أن المسلمين كلهم لهم نور يوم القيامة وفى هذا قال تعالى “يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات “.
وآتانا العواضى بكلام غريب عن استعمال التراب كبديل للماء فقال :
” وأما من لم يستطع-بصدق- تحمل هذه المشقة في الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر فقد خفف الله تعالى عنه حيث شرع له استعمال التراب بدل الماء، فقام التيمم مقام الوضوء والغسل
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب)؟! فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل شيئا
والتيمم طهارة حكمية تعبدية ليس الغرض منها تغبير الوجه والكفين، بل المقصود امتثال أمر الله في هذا التيسير والتخفيف؛ ولذلك لم تكن لكل الجسم مكان الغسل، ولا لكل الأعضاء مكان الوضوء، بل هي ضربة واحدة على الصعيد الطيب ومسح للوجه والكفين مرة واحدة، كما جاء في الآية السابقة و في الأحاديث النبوية الشريفة أيضاً
عباد الله، ومن تيسير الله تعالى لدفع مشقة البرد في التطهر: جواز المسح على ما يغطي القدمين من خفاف وجوارب وما يقوم مقامهما كالشرابات بدلاً عن غسل القدمين في الوضوء، وهذا التخفيف عن الأمة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله ومن فعله، قال الحسن البصري رحمه الله: ” حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين”
وحدث إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث قال: رأيت جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل؟ فقال: رأيت النبي(ص) صنع مثل هذا، فقال إبراهيم: فكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن جريراً كان من آخر من أسلم (ومعنى قول إبراهيم هذا: الدلالة على أن جواز المسح على الخفين باق ولم ينسخ بآية الوضوء في المائدة والتي فيها وجوب غسل الرجلين؛ لأن جريراً رضي الله عنه أسلم بعد نزولها، ورأى النبي(ص) يمسح عليهما
غير أن المسح على الخفين له شروط حتى يكون مسحاً صحيحاً، فأول هذه الشروط: أن يكون الخفان أو ما يقوم مقامهما طاهرين غير نجسين، والثاني: أن يدخل المتوضئ خفيه على طهارة، بمعنى: أن يتوضأ ثم يلبس بعد الوضوء، والثالث: أن يكون المسح من الحدث الأصغر لا الأكبر، فإذا حصل الحدث الأكبر فلا بد من نزعهما حتى يصيب الماء القدمين، والشرط الرابع: أن يبقى المسح على المدة المحددة شرعاً، وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، وتبدأ المدة من أول مسح على القول الراجح من أقوال الفقهاء
وهذا الشروط استنبطت من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة في كتب السنة
ومما يصح مسحه للمتوضئ: العمامة الساترة، بدل نزعها والمسح على الرأس، فقد روى ابن حبان وأبو داود وغيرهما عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله(ص) مسح على ناصيته وعلى العمامة، ثم مسح على خفيه”
وكل ما سبق من أحاديث لم يقل منه النبى(ص) شىء ولا الصحابة المؤمنون ولا فعلوا شىء منه نظرا لأن منطوق الآية حدد استخدام التراب بعدم وجود الماء فقال :
“فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً”
وهو داخل فى باب أخر وهو باب ومنه الذى يجد أذى يمرضه ومن ثم فالحل إما تسخين المياه وإما استخدام التراب وقاية من المرض واستخدام التراب لا يجوز فى مكان به وقود يسخن الماء كما قال تعالى
” وما جعل عليكم فى الدين من حرج”
وتحدث عن السدل فى الصلاة وهى تغطية الفم والأنف فذكر تحريمه فقال :
“أيها المسلمون، ومن الأحكام الفقهية المحتاج إليها في الشتاء وفي غيره: أن بعض المصلين يدخل الصلاة وهو ملثمٌ أنفه وفاه، وهذا خطأ ينبغي التنبيه عليه، فقد نهى رسول الله(ص) عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه
وحكمة ذلك بعد التعبد: أن في فعله تشبهاً بالمجوس عند نيرانهم التي يعبدونها، ونحن مأمورون بمخالفة الكفار؛ ولأن هذا الفعل ليس من الزينة المأمور بأخذها عند الصلاة، كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
إلا أنه يجوز التلثم لحاجة كمرض أو رائحة كريهة، فلا يكره عند ذلك”
وهو كلام لا أساس للقول به وكان المفروض اباحته كما أباح التيمم بالتراب ولكنه هنا حرمه مع أن السبب واحد وهو الاضطرار بسبب الوقاية من المرض وهو داخل تحت باب الحرج
وتحدث عن أمراض الشتاء كالزكام ووجوب تحملها كما تحدث عن فوائد العطاس فقال :
“إخواني الأفاضل، مما يكثر حصوله أيام البرد: كثرة الزكام، وهو مرض كغيره من الأمراض التي ينبغي الحرص على البعد عن أسبابها، فإذا حصل فالمشروع للمسلم الصبر فيه واحتساب الأجر عند الله تعالى عليه، والممنوع سبه وإظهار السخط والجزع من حصوله وهذا المرض-يا عباد الله- يولّد كثرةَ العطاس، والعطاس قد يظن بعض الناس أن لا فائدة منه، وهذا ليس بصحيح؛ فالعطاس نعمة من الله تعالى على الإنسان؛ لأنه يحمل على النشاط وخفة الروح، ويُخرج من الجسم مواد محتقنة وفضلات مؤذية يضر بقاؤها البدن
ولهذا شرع الله للعاطس أن يقول: الحمد لله؛ لأنه حصلت له نعمة وبعض معبري الرؤى يؤولون رؤيا العطاس بتفريج الكربات
ولما كان العطاس بهذه المثابة كان مما يحبه الله تعالى، قال النبي(ص): (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب)
وحينما كان العطاس نعمة على الإنسان فلا يصح له أن يجعله نقمة على غيره، فعلى العاطس أن يتأدب بآداب العطاس كتغطية الفم والأنف باليد أو المنديل أو الثياب؛ حتى لا يؤذي الآخرين بخروج شيء من أنفه أو فمه، وينقل إليهم العدوى
ومن أدب العاطس: أن لا يرفع صوته أثناء عطاسه؛ لأن في ذلك إيذاء وتهييجاً للآخرين على الزكام
فقد روى الحاكم والترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة: أن النبي(ص) كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه، وغض بها صوته”
وحب الله للعطاس وكراهيته للتثاؤب قول باطل لأنه هو من خلقهما وهما ليس بكافرين ولا هما كفر حتى يكرهما
وأما تغطية الفم والأنف عند العطاس فهو أمر واجب لعدم نشر المرض
ولم يتعرض الخطيب لموضوع الصلاة فى المطر كما لم يتعرض برحلة الشتاء والصيف فى القرآن رغم أنهما أشهر من كل ما ذكره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *