سم الله الرحمن الرحيم
في عالم الإنسانية هناك سنّة الهية وهي الاختلاف والتفاضل بين الناس وهذا الاختلاف قسمٌ منه تكويني ليس للإنسان دخل فيه، كالصنف من ذكر و أنثى و تقاسيم الوجه و الطول –مثلاً-، وقسمٌ منه اختياري، كأفعال الإنسان التي يتدخل هو في التحكم بها فيوجهها إلى الخير أو الشر، و بها يتكاملُ الإنسانُ أو يتسافل، و يرتفع في الدرجات أو ينزل. و من هنا، فهناك من وصل إلى مقامات رفيعة في سمو الدرجات و من نزل إلى اسفل الدركات .
و نحن إذا نظرنا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فإننا نراه قمة إنسانية شاهقة، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير، في كلا الجنبتين-التكوينية والاختيارية- فقد تسامى في صفاته إلى منزلة قال عنها الامام الحسن(ع) كما في مجمع الزوائد بإسناد حسن: (عن أبي الطفيل قال خطبنا الحسن بن علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه وذكر أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه خاتم الأوصياء و وصى الأنبياء وأمين الصديقين و الشهداء ثم قال يا أيها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون..).
فأمير المؤمنين مع هذا السمو تميز بفرائد كثيرة ونحن بهذا الموضوع نسلط الضوء على بعضها:
1- مكان ولادته: أمر جليل و حدث عظيم لم يسبقه إليه أحد، ولن يحدث لغيره الى يوم القيامة , وهو ان جعل الله مجيئه الى الدنيا وولادته في المسجد الحرام في جوف الكعبة الشريفة :
قال الحاكم في مستدركه: (..تواترت الاخبار ان فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ).
وهو الذي صعد على منكب النبي(ص) وحطم الاصنام من فوقها:
جاء في السيرة الحلبية: (وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي كرم الله وجهه اصعد على منكبي واهدم الصنم فقال يا رسول الله بل اصعد أنت فإني أكرمك أن أعلوك فقال إنك لا تستطيع حمل ثقل النبوة فاصعد أنت فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فصعد علي كرم الله وجهه على كاهله ثم نهض به قال علي فلما نهض بي فصعدت فوق ظهر الكعبة وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وخيل لي حين نهض بي أني لو شئت لنلت أفق السماء… وفي رواية لما ألقى الأصنام لم يبق الا صنم خزاعة موتدا بأوتاد من الحديد …).
ثُمَّ إنَّ علياً(ع) الذي ولد في الكعبة و أبعد عنها رجس الشرك، ضُرب وهو في محرابه بمسجد الكوفة متجهاً إليها في العبادة فكان مبدؤه في بيت الله ومنتهاه في بيت الله ايضا.
وكأن الله سبحانه أراد بولادته في قلب الكعبة أن يذكر المسلم وهو يتجه إليها كل يوم خمس مرات على الأقل أن يتخذ خطَّ أمير المؤمنين وليدِها منهجاً ومذهباً في سيره إلى الله سبحانه، ولا يتجاوز خطه إلى غيره فيضل.
2- تربيته: فقد تولى تربيته النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله), وهما من نور واحد:
ففي مستدرك الحاكم: (وكان أبو طالب قد أسلم ابنه علياً عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه و آله لتربيته، وذلك أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله للعباس عمه و كان من أيسر بني هاشم، يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال فانطلق بنا لنخفف عنه من عياله فانطلقا حتى أتيا أبا طالب … فأخذ رسول الله عليا فضمه إليه وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه، فلم يزل علي رضي الله عنه مع رسول الله حتى ابتعثه الله نبياً، وحتى زوجه من ابنته فاطمة على جميعهم الصلاة والسلام).
و لا عجب أن يكون أمير المؤمنين(ع) أعجوبة الدهر وهو ربيب النبي(ص) بل إنهما من شجرة واحدة قبل الخلق: ففي مستدرك الحاكم (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي يا علي الناس من شجر شتى و أنا و أنت من شجرة واحدة، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله: وجنات من أعناب و زرع و نخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد) هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه .
وقد نقل ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق: (عن سلمان قال سمعت حِبّي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاً يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه، فلم نَزَلْ في شيء واحدٍ حتى افترقنا في صلب عبد المطلب فجزء أنا وجزء علي)
وقد أشار أمير المؤمنين إلى عناية النبي( صلى الله عليه وآله) له من صغره في إحدى خطبه كما جاء في نهج البلاغة: (وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله ) بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة .
وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ، ويكنفني إلى فراشه ، و يمسني جسده ويشمني عَرْفه وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله ) من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره. ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحِراء، فأراه و لا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله ) وخديجة وأنا ثالثهما .
أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله ) ، فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال هذا الشيطان أيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي، ولكنك وزير وإنك لعلى خير ..).
3- مؤاخاة النبي (ص ) له:
ففي سنن الترمذي(آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فجاء عليٌ تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أخي في الدنيا والآخرة ” هذا حديث حسن غريب)
4- كونه آخر الناس عهداً به (ص)، وهو من تولى تغسيله ودفنه:
نقل الحاكم في مستدركه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم. عدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة وهو يقول: جاء علي؟ جاء علي؟، مراراً، فقالت فاطمة رضي الله عنها كأنك بعثته في حاجة. قالت فجاء بعد. قالت أم سلمة فظننت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا ثم الباب و كنت من أدناهم إلى الباب فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يسارُّه و يناجيه ثم قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه ذلك فكان علي أقرب الناس عهداً) هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) واعترف بصحته الذهبي إذ أورده في التلخيص .
و في التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة للسخاوي :
( وغسله علي رضي الله عنه في قميصه الذي مات فيه من بئر بقباء يقال لها الغرس كان يشرب منها بوصية منه وكانت على يده خرقة يغسله بها من تحت القميص والعباس وابناه الفضل و قثم يقلبونه مع علي وأسامة وشقران مولياه يصبان الماء.. ودخل قبره الأربعة الذين غسلوه ثم هيل عليه التراب.
وفي السيرة الحلبية: (وعند ابن ماجة : أنه ( ص ) قال : لعلي ( كرم الله وجهه ) إذا أنا مت فغسلني بسبع قرب من بئري بئر غرس) .
و في سيرة ابن هشام: (فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله يوم الثلاثاء . . ان علي والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس . . هم الذين ولوا غسله ، وان أوس بن خولي أحد بني عوف من الخزرج قال لعلي أنشدك بالله يا علي وحظنا من رسول الله . . . وحضر غسل رسول الله فأسنده علي إلى صدره وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه . .)
5-أنه لم يسجد لصنم قط: ولذا انفرد بقول كرم الله وجهه بعد ذكر اسمه ولم تقل لغيره وهذه متواترة لاتحتاج الى دليل .
6- أنه(ع) الميزان والفيصل بين الإيمان والنفاق فحبه إيمان وبغضه نفاق:
ففي صحيح مسلم: (عن زر قال، قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ أن لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق)
7- أن الحقَّ معه والقرآن معه:
فطبيعة الناس يُعرف عدلها بإتباعها القرآن و دورانها مع الحق. أما علي عليه السلام فالقرآن معه و هو مع القرآن ، و الحقُّ معه و هو مع الحق، و ليس هذا فقط، بل الحق يدور معه. وهذا يعني أن أمير المؤمنين عليه السلام منفرد وغير مشمول بقاعدة اعرف الحق تعرف أهله، بل أينما وُجد أميرُ المؤمنين وُجد الحق والقرآن معه.
ذكر الحاكم في المستدرك والذهبي في التلخيص هذا الحديث مذعنين بصحته. قال النبي ( ص ) : (علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يتفرقا حتى يردا على الحوض )
وروى الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) قال : استأذن أبو ثابت مولى علي على أم سلمة رضي الله عنها فقالت : مرحبا بك يا أبا ثابت ، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها ؟ قال : تبع علي بن أبي طالب . قالت : وفقت والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض) .
8- عدم طهارة مولد مبغضه:
ففي أسنى المطالب عن عبادة بن الصامت كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا و أنه لغير رشده .
قال الحافظ الجزري في ( أسنى المطالب ) بعد ذكر هذا الحديث : وهذا مشهور من قديم وإلى اليوم أنه ما يبغض علياً رضي الله عنه إلا ولد الزنا .
قال ابن منظور في لسان العرب وهو يشرح كلمة بور: وهو يبتار علمه أي يختبره ويمتحنه ، ومنه الحديث : كنا نبور أولادنا بحب علي ، عليه السلام .
رحم الله الشاعر الذي أشار لذلك بقوله:
أميرَ المؤمنين أراك لما * ذكرتك عند ذي حسب صغى لي
و إن كررت ذكرك عند نغل * تكدر صفوه وبغى قتالي
فها أنا قد خبرت بك البرايا * فأنت محك أولاد الحلال
9- أنه أحب الخلق إلى الله تعالى، كما جاء في حديث الطائر المشوي:
في المستدرك: (عن انس بن مالك رضي الله عنه قال كنت أخدم رسول الله (صلى الله عليه وآله ) فقُدم لرسول الله (صلى الله عليه وآله ) فرخ مشوي فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير. قال فقلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار فجاء علي رضي الله عنه فقلت ان رسول الله (صلى الله عليه وآله ) على حاجة، ثم جاء فقلت ان رسول الله(صلى الله عليه وآله ) على حاجة، ثم جاء فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ): افتح فدخل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) ما حبسك عليَّ؟
فقال إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس يزعم أانك على حاجة. فقال ما حملك على ما صنعت؟ فقلت يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ): إن الرجل قد يحب قومه . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
10- أنه أول من يجثو للحساب، و هو أول مقاتل في سبيل الله في هذه الامة:
ففي صحيح البخاري: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ( أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة). وقال قيس بن عباد: وفيهم أنزلت (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال هم الذين تبارزوا يوم بدر حمزة و علي وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة.
11- الفريد الذي نودي باسمه لافتى الا علي
ففي تاريخ الطبري وغيره (..لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية أبصر رسول الله (صلى الله عليه وآله ) جماعة من مشركي قريش فقال لعلي احمل عليهم فحمل عليهم ففرق جمعهم … فقال جبريل يا رسول الله إن هذه للمواساة فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) إنه منى و أنا منه فقال جبريل وأنا منكما قال فسمعوا صوتا لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي.
12- المطبِّق الوحيد لآية النجوى :
وهي آية في كتاب الله لم يعمل بها و يطبقها من الأمة إلا أمير المؤمنين، وقد نسخت الآية بعد لوم الصحابة :
ففي مستدرك الحاكم: (..قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد و لا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) الآية. قال: كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فناجيت النبي صلى الله عليه وآله فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه وآله قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها أحد فنزلت (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) الآية. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
13- آية في الزهد: فقد كان عليه السلام مع امارته وملكه، فريداً في زهده.
قال العقاد في كتابه عبقرية الإمام علي: فلم يُعرف أحد من الخلفاء أزهد منه في لذة دنيا، أو سيب دولة. وكان وهو أمير للمؤمنين يأكل الشعير ، و تطحنه امرأته بيديها، وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير فيقول: لا أحب أن يدخل بطني ما لا أعلم . قال عمر بن عبد العزيز وهو من أسرة أمية التي تبغض علياً، و تخلق له السيئات ، وتخفي ما توافر له من الحسنات : أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.
14- مُقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين: كان عليه السلام الوحيدَ الذي عُهد إليه بقتال الفئات المنحرفة، في مجمع الزوائد: وعن علي قال عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وفى رواية أُمرت بقتال الناكثين فذكره . رواه البزار والطبراني في الأوسط وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثقه ابن حبان .
15- أنه الوحيد الذي اجتمعت عليه نظريتا الخلافة، فالشيعة تقول بالنص، والسنة تقول بالشورى، وحينما بويع تحقق النص فيه وكذلك الشورى، حيث هرعت إليه الأمة لتبايعة حتى وصفها في خطبته الشقشقية: (..فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي، ينثالون علي من كل جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلما نهضت بالامر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون..).
ولم تكن بيعته كبيعة أبي بكر التي عبر عنها عمر في حديثه أنها فلتة وقى الله المسلمون شرَّها، كما في صحيح البخاري، و لا كخلافة عمر حيث جاءت بأمر من أبي بكر وفرضه على الامة، و لا كخلافة عثمان، حيث كانت بطريقة لا هي شورى و لا هي نص، حصرت بستة أشخاص ولا هي كسلطة معاوية و إلى اليوم بالغلبة والقهر والتوريث.
16- أنه الخليفة على مملكة مترامية الأطراف، و لكننا نراه أمام جيشه يقاتل العدو مع أنه تجاوز الستين و بنبل و أخلاق رفيعة .
ففي تاريخ الطبري: (قال قال أبو عبد الرحمن السلمي كنا مع علي بصفين فكنا قد وكلنا بفرسه رجلين يحفظانه ويمنعانه من أن يحمل فكان إذا حانت منهما غفلة يحمل فلا يرجع حتى يخضب سيفه..)
و شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب ” جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب ” (و النسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان ) قال : وعن ابن عباس رضي الله عنهما – وقد سأله رجل : أكان علي مباشر القتال يوم صفين ؟ – فقال : والله ما رأيت رجلا أطرح لنفسه في متلف من علي، ولقد كنت أراه يخرج حاسر الرأس بيده السيف إلى الرجل الدارع فيقتله .
قال : خرج يوما رجل من أصحاب معاوية يقال له كرز ابن الصباح الحميري فوقف بين الصفين وقال : من يبارز ؟ فخرج إليه رجل من أصحاب علي فقتله ثم قال : من يبارز ؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الأول ثم قال : من يبارز ؟ فخرج إليه الثالث فقتله وألقاه على الآخرين وقال : من يبارز ؟ فأحجم الناس عنه فخرج إليه علي رضي الله عنه على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، فشقَّ الصفوف فلما اتصل منها نزل عن البغلة وسعى إليه فقتله وقال : من يبارز ؟
فخرج إليه رجل فقتله فخرج ثان فقتله ووضعه على الأول ثم قال : من يبارز ؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الآخرين وقال : من يبارز ؟ فخرج إليه آخر فقتله ووضعه على الثلاثة وقال : أيها الناس إن الله يقول : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ) وإن لم تبدوا بهذا لما بدأنا ثم رجع إلى مكانه .
17- علمه: لا خلاف بين الجميع أن علم الامام تجاوز عصره، و أنه أعلم الصحابة. والنصوص الصحيحة في كتب الفريقين أثبتت ذلك، ولكني اشير هنا إلى أمر وهو أن الامام عليه السلام امتاز علمه ليس بالحكم فقط بل بالموضوع أيضا والعلل و الأسباب. و للمثال:
ماجاء في وسائل الشيعة: (مر أمير المؤمنين ( ع ) بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة ..فقال له بعض القصابين : يا أمير المؤمنين ما الطحال والكبد الا سواء!!، فقال : كذبت يا لكع. ايتني بتورين من ماء أنبئك بخلاف ما بينهما فأتى بكبد وطحال وتورين من ماء فقال : شقوا الكبد من وسطه والطحال من وسطه ثم أمر فمرسا في الماء جميعا فابيضت الكبد ولم ينقص منها شئ ولم يبيض الطحال وخرج ما فيه كله وصار دما كله ( وبقي جلد وعروق) فقال له : هذا خلاف ما بينهما هذا لحم وهذا دم .
ولم يكن علمه خاصاً، بذلك ففي الرياضيات مثلا رووا عنه أموراً عجيبة نذكر واحدة منها كما في كتاب إحقاق الحق:
و روي أن رجلا من اليهود سأله ( أي علياً) حين وضع قدمه على الركاب عن عدد يكون له نصف وثلث وربع وخمس وسدس و سبع وثمن وتسع وعشر كلها صحيح ؟ قال علي رضي الله عنه البديهة فورا : اضرب أيام إسبوعك في أيام سنتك (7(360x، فما حصل فهو مقصودك فأسلم اليهودي وتسمى هذه المسألة المسألة الركابية.
18- لم يرد في الصحابة من الفضائل ما ورد فيه
روى الحاكم بإسناده عن أحمد بن حنبل ، قال : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفضائل أكثر مما جاء لعلي بن أبي طالب عليه السلام. ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، وابن حجر ، في تهذيب التهذيب وقال الأخير : وكذا قال النسائي
19- سدُّ الأبواب إلا بابه: نقل ابن حجر في فتح الباري : ( عن زيد بن أرقم قال كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سدوا هذه الأبواب إلا باب علي، فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته.
أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات).
20- عدم السماح لأحد من الأمة أن يدخل المسجد وهو جنب إلا هو:
ففي مجمع الزوائد: عن خارجة بن سعد عن أبيه سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليٍ: لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك . رواه البزار، وخارجة لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات.
21- أنه الوحيد الذي عبده البعض و أبغضه آخرون، و أحبه الناجون فكان نبأً عظيم هم فيه مختلفون.
22- قوته الجسدية ويكفينا التذكير بقلع باب خيبر وقلع الصخرة العظيمة عن البئر في مسيره الى صفين.
23- أن زواجه كان بأمر الله:
في مجمع الزوائد: (خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة رضي الله عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي لك يا علي . رواه الطبراني ورجاله ثقات . وعن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من على) . رواه الطبراني ورجاله ثقات .
وعن حجر بن عنبس وكان قد أدرك الجاهلية قال: خطب على رحمة الله عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال هي لك يا علي لست بدجال .
والمتأمل في قوله صلى الله عليه و آله (لست بدجال) بعد أن خطبها الشيخان يتضح له امرٌ لا يحتاج الى تأمل و إن حاول البعض ان يصرف المعنى ويبرر . راجع الحديث والتبرير في مجمع الزوائد.
24- أنه عنوان صحف المؤمنين:
لكل كتاب عنوان ينبئ عن محتواه وعنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حب علي(ع):
في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: (عن الزهري قال سمعت أنس بن مالك يقول والله الذي لا إله إلا هو سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب).
25- أنه سابق الأمَّة إلى رسول الله صلى الله عليه و آله:
روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السبق ثلاثة السابق إلى موسى يوشع بن نون والسابق إلى عيسى صاحب ياسين والسابق إلى محمد صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه . رواه الطبراني وفيه حسين بن حسن الأشقر وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور ، وبقية رجاله حديثهم حسن أو صحيح .مجمع الزوائد
26- أن أباه كافل الرسول و أمه كذلك و ابن عمه رسول الله و زوجته بنت رسول الله سيدة نساء العالمين و ولداه سبطا الرسول وهما سيدا شباب أهل الجنة وهو خير منهما كما في الحديث وعمه حمزة أسد الله و رسوله و أخوه جعفر الطيار بجناحيه في الجنة والأئمة من ذريته ومنهم مهدي هذه الأمة فمن له سهم كسهمه؟؟.
27- جمعه بين الأضداد: لو لاحظت نصائحه وكلماته في الزهد بالدنيا ودقته في ذلك ورقائق كلامه و أنت لا تعرفه خُيِّل إليك أنه إنسان قضى حياته زاهداً لا يملك شيئاً، بيد أنا نراه قائد دولة مترامية الأطراف تجبى إليه خيراتها ولم تؤثر به.
و لو نظرت إلى كلامه في مناجاته وخشوعه وحنينه ووصاياه في الأيتام و رقته على الفقراء خُيِّل اليك أنه لم يمسك سيفا و لم يرم رمحا، بيد أننا نراه البطل الخشن في ذات الله، الذي يسقي أعداء الله ريب المنون بضرباته الفريدة، و لمثل ذلك أشار صفي الدين الحلي بقوله :
جمعت في صفاتك الأضداد * فلهذا عزت لك الأنداد
زاهد حاكم حليم شجاع * ناسك فاتك فقير جواد
شيم ما جمعن في بشر قط * و لا حاز مثلهن العباد
خُلُقٌ يخجل النسيم من اللطف * و بأس يذوب منه الجماد
جلَّ معناك أن يحيط به الشعر * وتحصي صفاته النقاد
28- استغناؤه عن الكلِّ واحتياج الكل إليه: فبما حباه الله من إمكانات مادية ومعنوية نجد أنَّ الأمة كلَّها كانت بحاجة إليه بينما لم يحتج هو إليها، فنحن نرى حتى من تقمص الخلافة قبله كان يرجع إليه حتى قال عمر مراراً: لولا علي لهلك عمر.
29- أمينُ رسول الله على أماناته:
لم يجعل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم نائباً عنه في مكة بعد الهجرة إلا عليّاً عليه السلام، لينام في فراشه، و ليرد الودائع التي كانت عند رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم رغم صغر سنه:
ففي تاريخ الطبري ( فأما علي بن أبي طالب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بمكة أحد عنده شيءٌ يخشى عليه إلا وضعه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعرف من صدقه وأمانته
30- باع نفسه برضوان الله وغيره باعها للجنة
قال تعالى :”ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد روى ” نزلت في امير المؤمنين وهي تقر انه باع نفسه ليس للجنة بل لرضى الله بيد انا نرى ان القران حينما يذكر سائر المؤمنين يقول ان ثمنهم الجنة قال تعالى : “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون”.
الثعلبي ” مفسر أهل السنة المعروف في تفسيرهقال أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما أراد الهجرة إلى المدينة خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه وأداء الودائع التي كانت عنده وأمره ليلة خروجه من الدار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه وقال له : اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ونم على فراشي وإنه لا يصل منهم إليك مكروه إن شاء الله تعالى . ففعل ذلك علي ، فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة ، فاختار كلاهما الحياة فأوحى الله تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة انزلا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه . فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يا علي يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة ، فأنزل الله على رسوله وهو متوجه إلى المدينة .
جعلنا الله من اتباعه في القول والقلب والفعل ورزقنا شفاعته يوم الدين والحمد لله رب العالمين