رصاص طائش

   بعد إنطلاق الدعاية الانتخابية وإعلان قوائم الكتل السياسية وأسماء المرشحين، وظهور قراءات أولية عن جحم الكتل السياسية وتأثيرها في الشارع، جاءت ردود فعل لبعض الكتل السياسية بشكل مغاير وأعلنت إنسحابها من السباق الإنتخابي علها ثير الغبار قبل موعد التصويت، وتحدث لغطا سياسيا وجماهيريا ربما يؤدي الى تأجيل الانتخابات الى موعد آخر.

   نظرة في بيانات الإنسحاب نجد أن بعض هذه الكيانات السياسية وأن كانت تملك تاريخا طويلا في العمل السياسي، إلا إنها عجزت عن تجديد دمائها ولم تتمكن من تغيير خطابها الذي يناغم طموح الناخب ورغبة الشارع، وبالتالي شاخت وفقدت التأثير الجماهيري، فجاء قانون الانتخابات الجديد ليقضي على آخر طموح لها في الوصول الى السلطة، وبالتالي جاء الانسحاب من أجل حفظ ماء الوجه، وإلقاء اللوم على العملية الديمقراطية، دون تقديم بديل قانوني سوى محاولة تعطيل الإنتخابات.

   قراءة متأنية للمشهد السياسي في العراق، نجد أن بعض الشخصيات السياسية التي كانت مؤثرة فيه، وتمتلك التأثير في القرار الحكومي ولها علاقات دولية، قد فقدت كل إمكانياتها وتأثيرها وأصبحت رقما على الهامش.. فكثير من رؤوساء بعض الكتل السياسية قد غابوا عن المشهد بعد إنتخابات عام 2018، وحزموا حقائبهم مغادرين العراق بعيدا عن أجوائه اللاهبة، يقطنون في شقق كبيرة وبيوت فارهة ويتنعمون بأجواء لندن عسى وأن ضبابها يمنع رؤيتهم هناك وهم يتجولون في شوارعها.

   أما بعد أحداث تشرين؛ وحدوث تغيير في المفاهيم السياسية لدى شريحة كبيرة من أجيال ما بعد 2003، فإن كثيرا من شيوخ السياسة من مختلف المكونات السياسية العراقية، قد أصبحوا أشجارا يابسة لا تعطي ثمرا ولا أحد يستظل بها، وما ظهر من وجوه جديدة في الفترة السابقة، أكثر فاعلية سياسية وتأثيرا جماهيريا قد أزاح تلك الوجوه من المشهد السياسي، لذلك نرى أنها سارعت لإعلان إنسحابها وتوديعها للعمل السياسي، أما إنتظارا لدور إقليمي بدعمها، أو تحقيق غايتها المنشودة بتأخير وتعطيل الأنتخابات.

   فيما إن بعض الشخصيات أعلنت إنسحابها كشخص، مع بقاء كتلها السياسية عاملة سواء على المستوى النيابي أو الحكومي، وربما هذا الإنسحاب الاعلامي يندرج في برنامجها الإنتخابي، فما زال مرشحوا هذه الكتل مستمرون بالتحشيد الجماهيري، والتحضير لموعد الإنتخابات، فالذين يؤمنون بالديمقراطية عليهم أن يعترفوا بمخرجاتها، سواء كانت في صالحهم أو ضدهم، فالناخب هو من يقرر أي الكتل يريد وأي المرشحين ينتخب.

  لا بد أن يفهم الجميع أن إجراء الإنتخابات المبكرة هو مطلب شعبي وسياسي وقبله مرجعي، ويجب أن يكون موعدها محترما لدى الجميع، لأن نتائجها تمثل مرحلة جديدة في تاريخ العراق السياسي، وأن محاولة التشويش عليها أو تأجيلها، ماهي إلا رصاصات طائشة سترتد على من يطلقها، وستقتله قبل غيره.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *