بسم الله الرحمن الفرحيم
قال تعالى”أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ..”غافر 8
يولد الانسان طفلا فارغ الذهن فيكتسب الافكار و العادات و المعتقدات من خلال البيئة والمحيط الذي يعيش به فتدخل عقله ووجدانه من دون تفكير فيدخل فيه الصحيح والسقيم على حد سواء وكل حسب موقعه و بيئته, فيتقبل الجميع افكار بيئاتهم والكل يعتقد صوابها مع هذا الكم الهائل من الاختلاف.
وبنظرة تأمل بسيطة يصل الانسان المستقيم لبطلان هذا المنهج العشوائي ,فلابد ان يقوم الانسان بعد نضوج عقلة بمراجعة سلة العقل وتمحيص جميع مافيها بدقة عقلية بعيدة عن تدخل العاطفة والميول الى ما شب عليه.
ديكارت الفيلسوف الفرنسي الذي حرك هو ونظرائه العقل الاوربي فوصلوا الى ما هم عليه الآن يقول مظمونا “إن العقل البشرى يشبه سلة التفاح بها تفاح سليم وتفاح فاسد ومن الضرورى أن نلقى جانباً كل ما فى عقولنا من أفكار ونقوم بفحصها ثم نقبل الصحيح منها ونرفض الخاطئ”.
وهذا بالضبط ما دعت اليه الشريعة الاسلامية وامرتنا باتباع الامور بعلم ودراية لا بتقليد وإملاء عفوي و للمثال على ذلك: قال تعالى”{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا{
فلابد ان تكون حركاتنا مبنية على اساس العلم والمعرفة ولا تكون عفوية ونتشبث بها من دون تمحيص ولا يريد من الانسان ان يثق بنفسه ويخطئ الاخرين بل يركز على نقد الذات واصلاحها على صعيد التفكير العقلي كما وردعن الامام علي)ع) “اتهموا عقولكم فانه بالثقة بها يكون الخطأ”. وعلى المستوى الوجداني والنفسي عن النبي(ص) ” اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك”. والعدوا يحتاج ان نقاومه ولا ننقاد اليه فيهلكنا.
1- النقد الديني والمذهبي:
امرنا القران الكريم وذكر ذلك العلماء وجوب اخذ العقائد بالدليل والبرهان لا بالتقليد فلا يكفي كوني ولدت بمجتمع مسلم شيعي مثلا ادعي اني على الحق من دون تمحيص وبحث عن الحقيقة لا بحث مبني على اغماض عن دليل الاطراف الاخرى والتركيز على الادلة المؤيدة, بل بحث يجرد الانسان نفسه من كل شي ويراقبها بدقة حتى لا تؤثر على تفكيرة ويبحث عن الدليل و البرهان و يتبعه فاذا خالفه فيكون يوم القيامة محاسبا, ولهذا يجب على الجميع ان يلقوا ما في اذهانهم من عقائد دخلت عليها جزافا ومن ثم يدقق ويبحث ليرمي ماكان غير مبرهن عليه و يؤمن بما يملك فيه الدليل العقلي الحقيقي الغير متأثر بالأرث الفكري القديم, والاثار المحيطة.
وتجدر الاشارة الى امر وهو ليس هناك دين او مذهب يملك الحق المطلق بكل تفاصيله حتى الدين الاسلامي الذي نؤمن باحقيته لصقت به امورا وحرفت اخرى فينبغي ان ندقق بكل الامور العقائدية قبل القبول بها والدليل على ذلك هو الاختلاف الكبير في العقيدة بين المسلمين وبين الشيعة انفسهم في بعض المفردات.
2- نقد الاعراف والعادات الاجتماعية:
هناك عادات اجتماعية وليدة للبيئة تدخل بمرور الزمن من الناس انفسهم لا تخضع على العموم لميزان ديني او عقلي ولم تخضع لدراسة تبين نفع هذه العادة او ضررها فيدخل احيانا ما هو جيد واحيانا ما هو سيئ يضر بالمجتمع او يتقاطع مع العدل او الدين فلا يجوز للانسان ان يخضع لها جميعا بل يمحصها وينبذ ما كان سيئا ويرفع لواء المعارضة والتغيير جهده بالقول والفعل والا فان الله محاسبنا على ذلك ولا يشفع لنا انتشار ذلك في المجتمع. عن الامام الكاظم(عليه السلام) قال لفضل بن يونس “أبلغ خيرا وقل خيرا ولا تكن إمعة قلت: وما الإمَعة؟ قال: لا تقل أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس, إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا أيها الناس إنما هما نجدان نجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير”.
3- الخصومات:
كثير من الناس تطغى عليه الأنانية في الخصومة ويحاول جهده ان يدافع عن نفسه وتصرفه حقا كان او باطلا فيحاول ان يرمي اللوم على الاخرين وينزه نفسه اما الحق الذي يريده الله سبحانه وكذا العقل ان يبدء بنفسه ويحاسبها اولا قبل الاخرين ويلومها مثلا يقول “لو اني تصرفت بهذا الشكل الاحسن لما كانت ردة فعل الطرف الاخر بهذا الطريقة ولكن تصرفي اثاره فانا السبب بذلك ويذكر ذلك ويقر به ويعتذر”.
ولو فعل الجميع ذلك لكان ثمرة هذا الفعل المحمود عقلا وشرعا نزع فتيل الازمات واطفاء نار العداوات وعدم التصادم بل إنتشار المحبة والسلام.
4-التزمت بالاراء والجزم بصحتها
تحدث كثيرا في ميادين الحياة حوادث وامورا تكون القناعات والمواقف اتجاهها مختلفة فلا ينبغي ان يكون الانسان جازما بعقله ويسفه الاراء و العقول الاخرى فكما ان لك عقلا فلاخرين عقولا فيجب عليك ان تحترمها وتنظر لوجهة نظرهم بتامل واحترام لا بنظرة المخطئ وتصب تفكيرك بكيفية ابانة خطأهم, فان جل الامور الاجتماعية والسياسية وغيرها لم تكن كالرياضيات نتيجتها حق مطلق وما عدى ذلك باطل بل يوجد فيها ايجاب وسلب حتى الخمر فيه جوانب ايجابية كما قرر القران الكريم ولكن شره اكثر من نفعه فانت تنظر احيانا من زاوية الايجاب وتعظمه والاخر ينظر من زاوية السلب ويعظمه فتتسع الهوة وتتضارب الاراء, فينبغي ان نخفض من حدة الموقف ونحترم وجهات النظر ونحاول ان ننقد انفسنا وننظر للوجهة الاخرى في الموضوع بتامل وانصاف, حتى نصل الى نتيجة واقعية و اقل تزمتا. ختاما اذكر بعض النصوص التي تأمرنا بالنقد الذاتي:
قال تعالى{وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}
ومما روي عن المعصومين(ع)
1- “الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبَعَ نفسه هواها، ثمّ تمنّى على الله”
2- “اياك أن تكون على الناس طاعنا ولنفسك مداهنا، فتعظم عليك الحوبة، وتحرم المثوبة”.
3-“حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر”.
4-“ليس منّا لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فان عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه”.
5-“ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متَّبع، وإعجاب المرء بنفسه”.
6-“من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر , ومن أبصر فهم، ومن فهم علم”.
7- “ابن آدم: إنّك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك”. |