التَنْمِيَةُ الوطنيَّة

في النصفِ الثاني من القرنِ المنصرم، وتحديدا في عام 1956م، عَرْفت هيئة الأمم المتحدة التَنْمِيَة، بوصفها العمليات التي بمقتضاها تُوجه الجهود لكل من الأهاليِّ والحكُومة بتحسينِ أحوال المُجتمعات المحليَّة الاِقتصاديَّة والاِجتماعيَّة والثقافيَّة من أجلِ مساعدتها على الاندماجِ في حياةِ الأمم، والمُساهمة في تقدمها. ويرى المتخصصون أنَّ من بين مخرجاتِ عملية التَنْمِيَة هو الزيادةِ المحسوسة في الإنتاجِ والخدمات على نحوٍ شامل ومتكامل. وقد وجد بأنَّ نجاح خطط التَنْمِيَة الوطنيَّة في أيِّ بلدٍ مرهون بقدرةِ القيادات الإداريَّة على إيجادِ البيئَة المُناسبة لتحقيقِ أهداف التَنْمِيَة ومقاصدها من خلالِ اِعتماد الإدارات المعنيَّة بالأمرِ مجموعة عوامل موضوعيَّة، في مقدمتها التخطيط العلمي المنظم الذي يرتكز على كمٍ ونوع هائل من المعلوماتِ المستمدة من حزمةِ دراسات معمقة وشاملة لجميعِ نواحيّ الحياة، الأمر الذي يملي على القياداتِ الاداريَّة الشروع في إنشاءِ قواعد البيانات المُصممة بأفضلِ الأساليب التقنيَّة الحديثة المُعتمدة؛ لأجلِ تيسير إمكانية وصول الكوادر الوطنيَّة إلى المعلومات، أو البيانات المخزّنة، والتي يمكن توظيفها في مهمةِ التعبير بواقعيةٍ عن نوايا القيادات الإداريَّة في تعظيمِ موارد بناء الدخل عبر التخطيط لإقامة مشروعاتٍ من شأنِها التوسع في اِستغلالِ ما متاح من المواردِ العامة؛ لأجلِ إضافتها إلى الثروةِ الوطنيَّة. ويضاف إلى ذلك السياسات التي تتبنى القضايا الحساسة والمهمة التي تلامس حياة الناس واحتياجاتهم الحياتيَّة، وبخاصة ما يتعلق منها بما يقتضي من الخدماتِ البلديَّة والاِجتماعيَّة التي تعد مخرجاتها المعيار الرئيس المعتمد في عمليةِ تقويم خط الفقر.
ولأنَّ التَنْمِيَةَ بحسبِ أصحاب الشأن والاِختصاص متعلّقة بشرطِ التطوّر في المُجتمع الذي تحصل فيه عمليّتُها، فضلًا عن نوع الممكنات الماديَّة الواقعيَّة التي يفرضها واقع التطوّر، فلابد من تعويل الجهات المعنيَة في إعدادِ مسودات هذه الخطة على إشراكِ إدارات جميع قِطاعات البلاد الإنتاجيَّة والخدميَّة والترفيهيَّة – الحكومية والخاصة والمختلطة – من أجلِ تحفيزها على المُشاركةِ بفاعليةٍ في مهمةِ خلق الأجواء المُناسبة التي تستلزم تنفيذ مشروعات خطة التَنْمِيَة الوطنيَّة بنجاح، والذي يفرض على تلك الإدارات السعي الجاد لتطويرِ مواردها البشريَّة والماديَّة والفنيَّة والتقنيَّة عبر مجموعة من الألياتِ والإجراءات والتدابير التي من شأنِها المعاونة في عمليةِ تطوير الموارد والقُدرات، إذ لا قيمة لوفرةِ الموارد الطبيعيَّة وكثرة الأموال من دونِ قوى بشريَّة اكتسبت التدريب الذي يؤهّلها للمُشاركة الجادة والفاعلة في تنفيذِ مشروعات خطة التَنْمِيَة الوطنيَّة. وهو الأمر الذي يجعل القياداتِ الإداريَّة في حاجةٍ إلى تأكيدِ نهج العمل في مسارِ تمكين الموارد البشريَّة، وتحديث الموجودات المادية، تعبيرًا عن سلامةِ توجهاتها الرامية إلى تحديدِ متطلبات الخطط التشغيليَّة المرتبطة بحركةِ المُجتمع، وتعكس في الوقت نفسه إصرارها على جعلِ مثل ذلك التوجه فعلاً ممكنً التحقيق بفضلِ وفرة عوامل نجاحه.
في أمانِ الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *