ولهذا كان في نص الأمام الحسين(ع) بقوله { … وَأَسِيرَ بِسيرَةِ جَدِّي وَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق }فهو كان يسير بسيرة الحق ولم يكن خروجه والنهضة التي قام بها هو لأمر شخصي سواء بالنسبة للإمام الحسين وأبيه الأمام علي(ع)، وكما لا يخفي على الجميع فأن معارضة أمير المؤمنين ليست كانت لأمر شخصي، وكان أن الحق يدور معه حيثما دار لأمير المؤمنين وكذلك للإمام الحسين(عليهما السلام)، وأبي عبد الله هو يعلم علم اليقين في أي سيرة يكون الحق، ومن هنا جاء هذا التأكيد في النص الذي قاله، وأنه لا يعترف بأي سيرة غير سيرة جده النبي محمد(ص) ووصيه، ولهذا كان يريد تصحيح الانحراف العقائدي الذي حصل في الرسالة المحمدية وفي المسلمين عموماً، وبعد وفاة الرسول الأعظم محمد(ص)، والحسين كان يعرف تكليفه الشرعي وأن كل ما يجري كان بتخطيط من الله سبحانه وتعالى والذي كان يقول { إنّ الله شاء أن يرى النساء سبايا ، وشاء أن يراني قتيلاً }(1)ثم يعود يقول وحيث يخاطب ربّه في ساحة الحرب: { اللهم إن كنت حبست عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا، ويقول أيضاً: هوّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله }(2).
ومن هنا كان الأمام الحسين(ع) محط عناية الله سبحانه وتعالى منذ لحظة خروجه الى الدنيا في عالم الوجود، وإن كان من يهز مهد الحسين(عليه السلام) فهو ميكائيل سيد الملائكة(3)، وهو في كنف الرسول الأعظم نشأ، وفي حضن وحجر فاطمة سيدة نساء تربى وتوسد، وتحت عين أمير المؤمنين ترعرع، فهو الأمام المعصوم وهو أبن المعصومين وأبو المعصومين ومنه نشأت الذرية الطاهرة لأهل البيت، وهو خامس أصحاب الكساء والذي أذهب عنهم الرجس، وهو خامس الأقمار في يوم المباهلة الذين لو أقسم الله بهم على جبل أزاله من مكانه في يوم المباهلة، وهو رمز الإيثار في سورة الدهر، وهو وهو…
وهو وبالمعنى الصحيح هو وارث الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وسيد الوصيين علي…وكان وجودة في أرض الطف وأرض كربلاء المقدسة والتي هي قطعة من الجنة والتي أختارها الله جل وعلا لتكون محط رحال الأمام الحسين وآل بيته واصحابه المنتجبين والتي مر بها أغلب النبيين والمرسلين لأنها وكما قلنا قطعة من الجنة ولهذا كان وجوده هو اختزال وجود النبي محمد(ص)، والأمام علي(ع)، وسيدة نساء العالمين الزهراء (ع)، وهو وجود سيد شباب أهل الجنة، وبالتالي هو وجود القرآن والشريعة المحمدية، بل يكون وجود لكافة الرسل والأنبياء. ومع ذلك فقد كانت مشيئة الله أن يحجب ويحبس عنه النصر في كربلاء، وما بذلك إلا لأن للنصر خطاب وللشهادة خطاب. ولهذا حبس النصر كان ظرفياً ليجعل بعد ذلك انتصار الحسين على مدى التاريخ وليكون كما يقال (انتصار الدم على السيف)وانتصار(المظلوم على الظالم) وليتعلم بعدها كل الثوار هذا الانتصار ليقول بعدها غاندي(تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر).
ولهذا كان خطاب أبي عبد الله واضحاً بقوله { أيُّها الناسُ، إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم قال : مَن رأى سُلطاناً جائراً مُستَحلاًّ لِحَرام الله ، ناكثاً عهده ، مخالفاً لِسُنَّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أنْ يُدخِله مَدخَله…}(4)، ويقول روحي له الفداء في خطاب آخر{يَأْبَي اللَهُ ذَلِكَ لَنَا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ، وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ، مِنْ أَنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِئَـامِ عَلَى مَصَـارِعِ الْكِرَام }(5).
ولهذا خطب الأمام الحسين في احدى خطبه وقال { لا وَالله ، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل ، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد }(6)، وفي روايات إقرار العبيد وهنا يؤكد على الروح الأبية والعنفوان التي يملكها أبي الأحرار وهي نفوس أبيه تأبى أن تذعن الى اللئام وتداهن الباطل ولتحق الحق بل كان هو الحق بعينه وقرآن الحق الذي يسير في الأرض.
ومن خلال خطب الأمام الحسين أراد أن يؤكد أنه ليس بطالبٍ للحكم كما يتقول به بعض الكتاب من التابعين للأهواء الأموية والعباسية والنواصب ولهذا ” بل يريد أنْ يُصلح ذلك الانحراف العقائدي الذي حصل للمسلمين على مدى خمسين عاماً تقريباً، والحسين (عليه السلام) في هذا على حق وصواب؛ لأنَّ مبدأه ومعتقداته من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنبي منها، كما ورد في الحديث الشريف ((حسين مني وأنا من حسين))، وإنَّ مَنْ كانت هذه منزلته ينبغي بل يجب أنْ تكون أقواله وأفعاله كلها مطابقة للواقع من تعاليم الشريعة المقدسة وفيها طاعة الله ورضاه “(7).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ