ومن هنا فأن الأئمة من أهل البيت هم الأبواب الى رحمة الله الواسعة وهم الحبل الرابط مابين الأرض والسماء وهم حجج الله على أرضه وهم أقرب الخلق إلى الى الله سبحانه وتعالى، لأنهم أفضل وأخير الله طاعة الى رب السماوات الأرض وهم أفضل الخلق في العمل بأحكامه واوامره ، فلهم الجاه الوجيه عند الله سبحانه وفي الزيارة الرجبيّة الواردة عن الناحية المقدّسة « اَنَا سٰائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فيمٰا اِلَيْكُمُ ، التَّفْويضُ ، وَعَلَيْكُمُ التَّعْويضُ فَبِكُمْ يُجْبَرُ الْمَهيضُ ، وَيُشْفَى الْمَريضُ ، وَمٰا تَزْدٰادُ الْأَرْحٰامُ وَمٰا تَغيضُ ».
وفي الزيارة الجامعة الكبيرة « مُسْتَجيرٌ بِكُمْ ، زٰآئِرٌ لَكُمْ لٰۤائِذٌ عٰآئِذٌ بِقُبُورِكُمْ ، مُسْتَشْفِعٌ اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ بِكُمْ ، وَمُتَقَرِّبٌ بِكُمْ اِلَيْهِ ، وَمُقَدِّمُكُمْ اَمٰامَ طَلِبَتي وحَوٰآئِجي » ولهذا كان الأخلاص في العبودية لله جل وعلا هو السمة المميزة للأئمة وهذا لايختلف عليه أثنين ويشهد به العدو والصديق وحتى المخالفين. ولهذا اعتقاد الشيعة بأعلمية الأمام جعفر الصادق(ع)وهو ليس أعتقاد تقليدي مألوف بل هو اعتقاد مبني على أسس علمية و موضوعية رصينة فالإمام الصادق هو ليس فقيه كبقية الفقهاء تعلم الطرق الفقهية والعلمية بالطرق التقليدية والمعروفين من قبل الجميع بل هو امتداد للسلسلة النبوية الشريفة المباركة وهو أمام مفترض الطاعة ومنصوص عليه من قبل الرسول الأعظم محمد(ص)وبأمر من الله. وهو معصوم يؤدي عن الرسول الأمانة التي أوكلت إليه بعد وفاته، وهو وارث علم الأنبياء والمرسلين. وعليه لا نستغرب تلك الغزارة العلمية التي لدى هذا الإمام الجليل وتوسعه في ميادين الفكر والعلم والمعرفة, كما نعجب أكثر العجب من لا يعتقد بإمامته والتي هي منصب إلهي وليس من قبل أي بشر, ولهذا نعتقد بأنه مسدد من الله وهو حجة الله على أرضه. وهذه المدرسة كانت لاتعطي الدروس في الفقه والتفسير والحديث فحسب, بل الى العلوم الطبيعية منها الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات وغيرها. واصل الصادق [ع] قيادة مدرسته حتى نهاية حياته الشريفة، ثم آلت القيادة الى ولده الإمام موسى بن جعفر [ع]، فواصل إلقاء الدروس ونشر الفكر المحمدي على تلامذته، وقد عدّ الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه (حياة الإمام موسى بن جعفر [ع]) أكثر من ثلاثمائة طالب أخذ عنه العلم.
” بقي الأمر على هذا الحال في الشطر الأول من إمامته [ع]، وخاصة أيام الخليفة المنصور الذي أظهر له جانب المهادنة كما أسلفنا في بداية البحث، بيد أنه في عهد التالين من الخلفاء وخاصة هارون الرشيد، انحسر نشاط الإمام [ع] من جراء المضايقات التي فرضتها السلطة الحاكمة والاعتقالات المتكررة للإمام.
أودع تراث الإمام موسى بن جعفر [ع] طلبته في كتبهم التي صنفوها وفي المباحث التي كتبوها، ثم نقلوها لغيرهم، وهي مودعة الآن في كتب الشيعة الكبرى، وهي المعين الذي يستقي منه طلبة العلوم الدينية والفكرية معارفهم “(1).
علم الامام موسى الكاظم
المسألة الأولى : « عن علي بن يقطين قال : سأل المهدي أبا الحسن عليه السلام عن الخمر هل هي محرّمة في كتاب الله عزّ وجلّ ، فإن الناس إنّما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها ؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام : بل هي محرمة في كتاب الله عزّ وجلّ يا أمير المؤمنين ، فقال له : في أيّ موضع هي محرّمة في كتاب الله جلّ اسمه يا أبا الحسن ؟ فقال : قول الله عزّ وجلّ : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالآثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. فأمّا قوله : ما ظهر منها ، يعني الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهليّة. وأمّا قوله عزّ وجلّ : وما بطن ، يعني ما نكح من الآباء لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلّى الله عليه وآله إذا كان للرجل زوجة ومات عنها ، تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمّه. فحرم الله عزّ وجلّ ذلك. وأمّا الإثم فإنّها الخمرة بعينها ، وقد قال الله عزّ وجلّ في موضع آخر : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ. فأمّا الإثم في كتاب الله فهي الخمرة والميسر ، وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى.
قال فقال المهدي : يا علي بن يقطين هذه والله فتوى هاشميّة. قال قلت له : صدقت والله يا أمير المؤمنين ، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت قال : فوالله ما صبر المهدي أن قال لي : صدقت يا رافضي »(2).
المسألة الثانية : « فقال لأبي الحسن موسى عليه السلام : إنّي أريد أن أسألك عن شيء ، قال : هات. فقال : ما تقول في التظليل للمحرم ؟ قال : لا يصلح ، قال : فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه ؟ قال : نعم. قال : فما فرق بين هذا وذلك ؟ قال أبو الحسن موسى عليه السلام : ما تقول في الطامث تقضي الصلاة ؟ قال : لا ، قال : تقضي الصوم ؟ قال : نعم ، قال : ولم ؟ قال : إن هذا كذا جاء. قال أبو الحسن عليه السلام : وكذلك هذا ! قال المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئاً ! قال : يا أمير المؤمنين رماني بحجّة »(3).
صفات الله
رصد الامام “عليه السلام” الانحرافات التي كانت تثار في الوسط الإسلاميّ حول عقيدة التوحيد، حيث كانت هناك حركة منحرفة تتحدَّث عن الله “عزوجل” و صفاته: هل هو جسم كبقيَّة الأجسام؟، أو هو جسم لا كالأجسام؟، أي أنّه جسم من نوع آخر لا نعقله، وليس كالأجسام الّتي يعرفها النّاس في الموجودات الماديّة؟
قد عالجها، بأكثر من أسلوب وفكرة، اذ بين الامام “عليه السلام” قائلا:” إنَّ الله أعلى وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك” (4). يبدو ان الامام “عليه السلام” يريد أن يبين أنَّنا لن نستطيع أن نعرف الله في صفاته إلا من خلاله، لأنّه لا يعرف الله حقَّ معرفته إلا هو، فهو الّذي أحاط بذاته، ولم يحط بذاته أحد، لأنَّ الله “عزوجل” هو المطلق الّذي لا حدود لأيّة صفة من صفاته، ولهذا، فإنَّ المحدود، مهما كانت عظمته، لا يستطيع أن يفهم حقيقة الله.
في الوقت نفسه، إنَّ الإمام (عليه السلام)يؤكد لنا، إذا أردتم أن تعرفوا الله في صفاته، فاعرفوه بما وصف به نفسه، فإنّ ما وصف به نفسه هو الّذي يمكن لنا أن نطلّ من خلاله على الحقيقة الكامنة في صفات الله، أمّا أنتم، فقد تصفون الله من خلال ما تتخيَّلونه وتنظرونه “(5).
صفات الشيعي الموالي لمدرسة أهل البيت “عليهم السلام”
من هو الشّيعيّ الّذي يمثّل النّموذج الّذي يحبّه الله ورسوله وأهل بيته؟ من هو يا ترى الشيعي الذي يحمل روح سلمان وروح المقداد وعمار بن ياسر وحجر بن عدي الكندي؟ في حديث عن الامام موسى بن جعفر الكاظم “عليه السلام” وهو يوجِّه كلامه إلى الشّيعة..!! قال: “ليس من شيعتنا من لا تتحدَّث المُخدَّرات بورعه في خدورهنّ، وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجلٍ فيهم من خلق الله أورع منه “(6)، أي اراد ان يؤكد لنا الامام “عليه السلام” ان من يريد ان يصل إلى مرتبةٍ من الورع عن الحرام في قوله وفعله وعلاقاته ومواقفه، فينتشر أمره بين النّاس، حتى إنَّ المخدَّرات المحجَّبات اللاتي لا يتحركن في المجتمع، تصلهنَّ أخبار ورعه، بحيث يتحدَّثن عن ورعه. ثم اكد مره اخرى لو كان عندنا عشرة آلاف رجل، وفيهم شيعيّ، فلا بدَّ من أن يكون هذا الشّيعيّ أورع من هؤلاء كلِّهم.
ومن هنا، نعرف أنَّ التشيّع ليس كلمةً، وليس عاطفةً، وليس مجرّد دمعة. ولكنَّ التشيّع هو كما قال الإمام الباقر “عليه السلام” : “فوالله، ما شيعتنا إلا من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتّواضع والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله… وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء”(7)، (8).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ من مقال بعنوان (في رحاب الامام الكاظم – عليه السلام). موقع العتبة الكاظمية والمقدسة. الرابط : https://www.aljawadain.org/imam-kadhem.php
2 ـ في الكافي : ٦ / ٤۰6.
3 ـ في الإحتجاج : ۲ / ۳٤٦، ومناقب آل أبي طالب : ۳ / ٤۲۹.مقتبس من كتاب : [ الإمام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد ] / الصفحة : ۱۳۲ ـ ۱36.
4 ـ للمزيد من التفاصيل ينظر . الكليني ، الكافي ، تحقيق، علي اكبر الغفاري، (طهران: المطبعة الحيدرية ، 1363ش)، ج1، ص .102
5 ـ مأخوذة من مقال بعنوان موقف الإمام موسى بن جعفر الكاظم “عليه السلام” من الانحرافات الفكريّة) .باب نفحات إسلامية. 2019-03-13. موقع العتبة الحسينية المقدسة. الرابط : https://imamhussain.org/islamic/24600#_ednref4
6 ـ حسين البروجردي، جامع أحاديث الشيعة ،( قم: مطبعة العلمية،1399ه)، ج ١٤ ،ص ٢٦٩
7 ـ الكافي ، المصدر السابق، ، ج 2، ص 74.أشياء” [9] .
8 ـ للمزيد والاطلاع على التفاصيل راجع مقال بعنوان موقف الإمام موسى بن جعفر الكاظم “عليه السلام” من الانحرافات الفكريّة) .باب نفحات إسلامية. 2019-03-13. موقع العتبة الحسينية المقدسة. الرابط : https://imamhussain.org/islamic/24600#_ednref4