لقد جاءت شخصية الأمام أبي عبد الله الحسين(ع) تجسيد للرسالة المحمدية في الفكر والسلوك والعمل وكانت سيرة مثالية في الحياة وفي الإيمان وبعد النظر، واندفاع عظيم في العقيدة والمبدأ، وعدم مداهنة والقبول بالباطل. وكان يمثل موقع الريادة في الفكر الإسلامي المحمدي الأصيل وبكل معانيه السامية، وكان عارفاً بانه يحمل بأعباء الرسالة المحمدية ومجدداً لمسيرة الدين الإسلامي الحنيف. عارفاً بما يجب العمل به والتكليف الشرعي المنوط به في ضوء أيمانه الراسخ وعقيدته الثابتة، وقد أمتاز الأمام الحسين روحي له الفداء بصفات ومزايا لا تجدها عند كل الثوار عبر الزمان ومن الأولين والأخرين وفي أي نهضة قامت عبر التاريخ فهي نهضة أتصفت بإنسانيتها السامية والعظيمة بكل معانيها الراقية وهي نهضة أتسمت بالإخلاص والدفاع عن العقيدة والمبادئ، وكانت الإخلاص هو السمة المميزة والعلامة لتلك النهضة والاندفاع البطولي للمعسكر الحسيني دفاعاً عن أمامهم وعن دينهم والرسالة التي يحملها قائدهم وسيدهم الأمام الحسين(ع)وكان هذا الإخلاص لا تشوبه أي شائبة أو شبهة بل كان خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى وكان بحق من قال هو معسكر السلام والحق والخير والتحرر من كل قيود الظلم والباطل والطغيان والذي يقوده معسكر الشر والباطل والظلام بقيادة يزيد وبنو أمية الأشرار وهم الشجرة الملعونة في كتاب الله الحكيم القرآن الكريم. والذي بقت هذه الشجرة الملعونة عبر التاريخ والى حد وقتنا الحاضر ولحد قيام الساعة وظهور قائم آل محمد(عجل الله فرجه الشريف) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
” الإمام الحسين (عليه السلام)، كان ولا زال شعار مدرسة، وتيار كفاح، وجهاد رسالي وسياسي فريد في تاريخ الإسلام، ولهذا كان ولا يزال دوره كبيراً، وأثره عظيماً، فهو قوّة دافعة محرّكة في أحداث التاريخ الإسلامي، وخصوصاً الجهادي منه، على مدى أجيال وقرون عديدة، ولم تزل نهضته وآثار ثورته ومبادئه تتفاعل وتؤثّر في ضمير الأُمّة ووعيها. فالإمام الحسين (عليه السلام) من العظماء الذين حقّقوا المعجزات على مسرح الحياة، وبقي صداه يسمع التاريخ وعلى مرّ العصور، لأنّه (عليه السلام) قاد المسيرة الإنسانية نحو أهدافها وآمالها، وحقّق أهداف الرسالة التي تسلَّم زمام تنفيذها. لذلك كانت نهضته (عليه السلام)، تحمل النور والهدى للبشرية جمعاء، تتفاعل ثورته (عليه السلام) مع أرواح الناس، فتمتزج بعواطفهم ومشاعرهم، وسوف تبقى نديّة عطرة، تتخلّد في صفحات تاريخ العظماء والمصلحين، تتدفّق بالعزّة والكرامة، والشموخ والرفعة، والعلوّ والمنزلة، فهي بحقّ ثورة عملاقة، يشعّ سنى نورها أرجاء التاريخ وستبقى أبداً تشعّ في سماء الأيّام “(1).
ونريد أن نوضح في البداية إن الحسين لم يبايع يزيد ولم يقر لأنه كان أمام زمانه و لا يجوز مبايعة مثل هذا الفاجر اللعين ولهذا كلنا نعرف مقولاته الخالدة في هذا المجال والتي لو بايع ذلك اللعين يزيد لأصبحت مثلبة يتلطخ به هو وأهل البيت ولا يجوز بل ويحرم فعل مثل هذا الأمر الخطير، لهذا قام بها الفعل العظيم بسفك دمه الشريف وهو عارف بذلك من طلب الإصلاح في أمة جده وتصحيح مسيرة الإسلام والذي أرادوا بنو أمية أن يبقى بالاسم فقط وإفراغه من كل معانيه العظيمة والخالدة والتي سوف نتطرق إليها لاحقاً والذي كان هذا الدور العظيم منوط بهذه الشخصية الخالدة منذ ولادته والتي قال لها نبينا الأكرم محمد(ص) ((أن لك درجة في الجنة لن تنالها إلا باستشهادك))(2).
ولكن لنعرض المقولات التي قالها الحسين في هذا المجال والتي توضح عظمة الدور الذي قام في النهوض بالإسلام من كبوته وتصحيح مساره ومدى صلابة وأيمان الحسين بالدور والمهمة العظيمة التي قام بها.
يقول الأمام الحسين(ع) في وصيته إلى أخيه محمد بن الحنفية، دعا الحسين عليه السلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد: { …. إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِـراً، وَلا بَطِراً، وَلا مُفْسِداً، وَلا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلاحِ في أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيدُ أنْ آمُرَ بِالمَعْروفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ }(3).
كان خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء لأجل الإصلاح وحفظ الإسلام ، وإبقائه كما صرّح بذلك. فالحسين عليه السلام ثار ضدّ الكفر والظلم والفساد والطغيان ، وأعطى للأُمّة الإسلاميّة دروس التضحية والفداء ، وإباء الظلم والجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ .
ولهذا النص في كلمة أبي عبد الله الحسين أبعاد وأمور مهمة ينبغي التوقف عندها وتأملها بصورة دقيقة وروية لأنها تمثل المنطلقات المهمة لنهضة الحسين والتي هي تكون المرتكزات المهمة لكل حركة تحرر ونهضة تريد القضاء على الظلم والطغيان واستعباد الناس والتحرر من كل أشكال العبودية ورفض الطغيان وبكل أشكاله.
والذي سنناقشه في جزئنا القادم إن شاء الله أن كان في العمر بقية. لأن هذه الخطب وكلمات الأمام الحسين(ع) تحتاج لوقفات عدة لتحليل كلماته وخطاباته منذ انطلاق مسيرته من مدينة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى كربلاء، لأنه كانت كلمات كلها تشع بالإنسانية وكرة الجور والظلم والطغيان وهو يعرف جيداً لا مناص من الرجوع إلى الدين الإسلامي الصحيح القويم أي الرسالة المحمدية التي رسمها جده الرسول الأعظم محمد(ص)حيث ثار على الجاهلية الأولى، والتي أراد بنو أمية الرجوع إليها، والذي يعني هو التضحية بنفسه والعطاء بالدم والأرواح هو ومن معه والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.