آداب المعاشرة الزوجية وفق الموازين الشرعية

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .

قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :(( …وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )). النساء 19

وقال تعالى :((ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون )) 1الروم 21

ان الذي دعاني الى الكتابة في هذا الموضوع بالذات وهو أدب العشرة بين الزوجين ، هو ما قد يترتب على هذا الادب من اثار ايجابية على حياة الاسرة من استقرار وطمئنينة تكون لها نتائج ايجابية على تحصيل السعادة الاسرية وتحل الكثير من المشاكل والعقد الاجتماعي التي قد يبتلى بها المجتمع اسلامي وغير اسلامي ، لان تلك القضية من القضايا الفطرية والوجدانية التي يشترك فيها الانسان مع غيره مهما كان دينه وعرقه ، الا اننا نتحدث بشكل خاص عن هذا الموضوع في الدين الاسلامي ، لان الدين الاسلامي قد عالج هذا الموضوع ووضع لها الحلول الناجعة ، لان الله تعالى الذي شرع هذا الدين ، وهو الذي خلق هذا الانسان وهو العالم بما يصلحه ، فلو سلك الزوجان في معاملتهما هدي الله تعالى وبما جاء في كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه واله وسلم لو جدا ان الاسرة في غاية الانسجام والطمئنينه ولحصلت الاسرة على سعادة الدارين ، ومن ثم لوجدنا مجتمعا فيه كل اثار الاستقرار والفضيلة ولما احتجنا الى كل هذه المؤسسات الاجتماعية التي تعنى بهذا الجانب ولما انفقت الاسر والدول هذه الاموال الطائلة من اجل حل تلك المعضلات .

ولماذا لا تحل تلك المشاكل ؟ ، لانها لاترتكز على اطار اخلاقي بل انها تعالج المشكلة علاجا ظاهريا ميكانيكيا ، في حين ان الاسلام يعالجها داخليا ومن اصلها ومنشأ حدوثها وهي النفس ، لان الله تعالى هو خالق هذا الانسان ومبتدع فطرته وهو واضع القانون الذي يناسب تلك النفس التي خلقها بنفسه عز وجل . فمهما اجتهد علماء الاجتماع وعلماء مايسمى بعلم النفس ، فلم يستطيعوا علاج تلك النفوس اذا ما ابتليت ببعض تلك الامراض ، كيف وهؤلاء العلماء هم بحاجة الى ان يعالجوا أنفسهم وفق قانون الله تعالى بل هم انفسهم مبتلون بامراض من هذا القبيل ، وكم قيل ان فاقد الشيء لايعطيه ، ولكن هكذا هو الحال لقد نحي الدين جانبا وسلكنا هذه الطرق المبتدعة ، فكم من اسرة تعيش بهدوء وتنعم براحة بال واستقرار بعد ان حكمت شرع الله تعالى في حياتهتا الاجتماعية .

فاننا نرى اليوم كيف تعصف الامراض الاجتماعي بالمجتمعات الانسانية وهذه الامراض لاتقل خطرا عن الامراض الجسدية ان لم نقل اشد فتكا منها ، لانه كما للبدن علل فللنفس علل ، وعلل النفس اكثر بكثير من علل البدن واصعب علاجا اذا ما عرفنا ان الروح هي التي تدبر ذلك البدن لما لها من مقام السلطنة عليه فاذا كان المدبر (بكسر الباء) معلولا فكيف يكون حال المدبر (بفتح الباء) ، ولا يعالج الروح الا خالق الروح ، فلا سبنسر ولا دوركهايم ولا غيرهما يعالج تلك الامراض التي قد تستاصل مجتمعات برمتها ان هي استفحلت ، ولا نخوض بذكر واستقصاء تلك المشاكا التي قد لا تخفى عل المتتبع.

فالرجل والمراه هما عنصري السعادة ان كنا ننشدها ونبتغيها ، فلا الاموال ولا الجمال ولا المستوى العلمي ولا البيوت الضخمة ولا السيارات الفارهه توفر ذلك ، فكم نرى من عائلة تشقى مع ما ما لها من تلك المذكورات ، وكم نرى من عوائل اخرى تنعم بالاستقرار والسكينة مع عدمها .

فالله تعالى هو الذي تكفل بتوفير ذلك للاسرة ، فوضع اللبنات الاولى على هذا السلم فبدأ من اختيار الزوج والزوجة الى ان انتهى بتربية الاولاد الى بلوغهم سن التكليف ثم تبدأ دورة حياة اخرى ، وسنرى ان شاء الله تعالى من خلال بعض الايات الكريمة والروايات الشريفة في هذا البحث المتواضع ان شاء الله تعالى ، وبما ان بحثنا قرانيا وروائيا فسوف نقتصر على ذلك ولا يكون بحثنا مطولا مملا بل نريد ان نوقف الاخوة الكرام والاخوات الكريمات على بعض هذ ه النصوص لتكون اساسا لنا في مبادئ العشرة فيما بيننا ونربح على الله تعالى الجنة ان شاء الله تعالى كما وعدنا بذلك ، ومن خلالها نتوفر على راحة البال وحسن نعمة الحال ، وسيكون البحث مقصورا فقط على المعاشرة الزوجية لما لهذا الامر من اهمية في حياة الازواج .

وحسب تتبعي القاصر وجدت ان اكثر الازواج يجهلون هذا الباب الفقهي المهم التي خاضت في فصوله الشريعة المقدسة ، ولا أدعي الاطلاع القانوني في الاحكام الوضعية ولكن ايمانا مني بان الاسلام العزيز لم يسبق من قبل اي قانون بهكذا قوانين لانه دين الخالق الحكيم وقانونه التام الذي ختم به الاديان والرسالات السماوية فلا بد وان يكون ذلك . وكذلك لابد من الاشارة الى حقيقة قد تكون غائبة عن البعض الا وهي ان هذا الانسان أصله انسانا معصوما نبيا وهو ابو الانبياء وهو ادم عليه السلام حينما انزله الله تعالى الى الارض واستخلفه فيها ، وقد تعبده الله تعالى أول ما انزله بالاسلام وقانونه وان لم يكن بتلك التفاصيل ، لان دين الله تعالى واحد وهو دين الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ، وان الدين عند الله الاسلام ، ولكن الانسان شيئا فشيئا انحرف عن الفطرة وعبد غير الله تعالى ، ووضع طقوسا منحرفة وعبد الاصنام والاله الاخرى من دون الله تعالى ، وابتدع القوانين ، الا انه قد بقي منها شي على طول التاريخ ، و ما استحسنه العقل الفطري الجبلي ، فكل ما نراه في غير الدين الاسلامي موافق له فهو من ذلك الدين الاول الذي نزل به ادم عليه السلام وهو دين التوحيد ، وكذلك ارسل الله تعالى به رسله من لدن ادم عليه السلام الى الخاتم صلى الله عليه واله وسلم .

ولا بد من الاعتراف بان كل ما لدى الانسانية من خير فهو من تلك المشكاة الالهيه ، وكل ما نجده من شر فهو من تلك الانحرافات الفكرية ، فهي نسج الانسان وصناعته الفكرية ونتاج عقله المنحرف عن الفطرة بعد ما اتخذ الهه هواه ، وما زلنا الى اليوم نرى تلك الانحراف التي تقف بوجه الفطرة السليمة .

قال تعالى : (( كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه … )) . البقرة ، الاية 213.

وسنرى من خلال النصوص الفقهية وليقارن المتتبع لغيره من القوانين المدنية وليتحفنا بذلك وسنكون له من الشاكرين ، والله الموفق لذلك وعليه فليتوكل المتوكلون.

ولعلنا اسهبنا في هذه المقدمة الا انه لاباس بها و جرى بها القلم بشكل مسترسل ، فنحن سنتناول انشاء الله هذا الموضوع المهم في علاقة الزوجين مع بعضهما في مجال المعاشرة تاركين غيره من الابواب لانها ليست موضوع بحثنا الا ما كان له صلة بموضوع البحث .

[pdf-embedder url=”https://shia.com.au/asgp_ar/wp-content/uploads/2021/02/fiqh-muaashara-zawjya.pdf”]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *