شخصيات من مدينة (الثورة)

ثمة شخصياتٍ اجتماعية ودينية، يعتبرها الناس كنوزاً مدفونة، ظلمها الاعلام بعدم اظهارها كما ينبغي، وظلمها الرأي الجاهل الذي لا يفرق بين من يريد مصلحته وبين من يريد هلاكه، ولا غرابة في ذلك، فالتاريخ يُحدثنا عن كثير من مثل هذه الشخصيات، ابتداءً من الأنبياء والمرسلين، والاولياء والصالحين، والحكماء والفلاسفة والعلماء وأهل الفن وغيرهم.
اليوم قررت أن أكتب في أحد هذه الكنوز، التي تتمتع بوجودها مدينة الثورة (الصدر حالياً) في بغداد، منذ ولادتهِ فيها عام (1966م) الى يومنا هذا (2023م)، الا وهو السيد شاكر الدنيناوي؛ الذي تعرض الى هجمة غير مبررة من قبل بعض الجهلة، ليس له ذنب سوى انهُ معمم ومعتمد المرجعية الدينية، فلم يُنظر الى عملهِ لكن ولجوا بحر الحقد والحسد لنجاحهِ فهاجموه؛ اتصلت بهِ هاتفياً لإجراء حوار صحفي معه، ولمعرفتي بتواضعه وزهده وورعهِ، قلت له بأنهُ حوار صحفي مكتوب، الغرض منهُ ليس شخصك بالذات، وإنما لكف الأذى عنك وعن أمثالك من الشرفاء، الذين يخدمون الناس من دون مقابل، ولبيان أعمالك الصالحة لمن جهل ذلك، فهاجمك وأمثالك الجهلاء من دون دراية وتحقق، وقد يكاد لم يقابلك يوماً في حياته ولو بالصدفة، عندئذ وافق على اجراء الحوار، كونه يصب في مصلحة العمل الصالح لا أكثر.
بعد وصلي الى مصلى الثقلين، كان باستقبالنا مرحباً كعادتهِ مع ضيوفهِ، بعد التحية والسلام بدأت الحديث معهُ بطرح عدة أسئلة كان أولها سنة ومكان الولادة:
– ما هو الاسم الكامل واللقب؟
– السيد شاكر بن السيد قاسم بن السيد حسين الدنيناوي الموسوي، كانت ولادتي في جامع الامام موسى الكاظم (ع) في قطاع 51 في مدينة الثورة، عام 1966م على خلاف ما موجود في السجلات الحكومية من ان ولادتي عام 1970م، حيث كان بيت جدي في ايوان الجامع، وهكذا فنحن كنا نقطن هناك
– الحالة الاجتماعية؟
– متزوج ولدي عدة أبناء وبنات
– قد نعلم أنك كنت سجين سياسي ابان حكم الطاغية. هل لك ان تطلعنا عن ماهية عملك وأسباب اعتقالك؟
– كانت تربيتي إسلامية بما ورثته من اجدادي، وحين دخولي المدارس الحكومية، أكملت المرحلة الابتدائية، ثم تحولت الى دراسة المرحلة المتوسطة في متوسطة البحتري/ شارع الفلاح قطاع 41، حينها انضممتُ لحركة أنصار الحسين (ع) التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وذلك عام 1983م
– ما هو عمل هذه الحركة؟
– تثقيف وتوعية الشباب فكرياً وسياسياً، وتنظيم صفوفهم للتمهيد لثورة عراقية تحاكي الثورة الإيرانية ضد الشاه
– هل كان معكم شيوخ او طلاب حوزة علمية في هذه الحركة؟
– كلا، كان اغلبنا من طلبة الثانويات والكليات، وكان التنظيم من عدة خلايا منتشرة في كثير من المحافظات.
– كيف تم الاعتقال؟
– بعد القبض على بعض الافراد من حركتنا، بسبب الوشاية بهم عن طريق مدسوسين، وصلوا الى أسماء الباقين عن طريق الاعترافات التي اخذت تحت التعذيب، وكان اسمي من بينهم، وعندما علمت باعتقال اصحابي، غادرت الى البصرة، انوي العبور الى إيران، لكن بعد وصولي منطقة التنومة، توجست خيفة على أهلي، لان نظام صدام لا يرحم، وقد يتعرضوا بسببي الى الاعتقال والتعذيب، فقررت الرجوع الى البيت، خصوصا بعد الاتصال بأهلي، حيث أخبروني أن لم يأتهم أحد او يسألهم عني، وحين عودتي ووصولي الى البيت، داهمتنا قوة من امن صدام، وتم القاء القبض عليَّ، وذلك عام 1986م،
– كيف تمت المحاكمة؟
– بقيت أربعة اشهر تحت التعذيب القاسي، ووقعنا على ورقة اعترافات لا ندري ما كتب بها، ثم عرضوني على قاضي التحقيق وحينما سألني عن اعترافاتي وكوني ضمن خلايا حزب الدعوة، اخبرته انني وقعت على الورقة من شدة التعذيب وحلفت له اني لا علاقة لي بحزب الدعوة وبالفعل فان علاقتي بالمجلس الأعلى، فتعاطف معي لصغر ستي ولكن لم يفعل شيء؛ ثم ذهبوا بنا الى محكمة الثورة(عواد البندر) فحكم على بعضنا بالإعدام والأخر بالسجن كوننا احداث، كان نصيبي منها السجن لسبع سنوات مع مصادرة اموالي المنقولة وغير المنقولة وفق المادة 125 شبه تنظيم، ومما تجدر الإشارة له بالذكر ان الحارس المرافق لي قال لي اثناء نطق الحكم قل: تحيا الثورة يحيا العدل، فقلت له: وأين العدل؟ فصفعني وسحبني امام الفاضي الظالم.
– هل وَّكل محامي للدفاع عنكم؟
– كلا، فقط شخص واقف بقرب القاضي كان يطالب بإيقاع أقسى العقوبات بنا وهو الإعدام.
– عن طريق من كان انخراطك في العمل السياسي وخصوصاً حركة أنصار الحسين؟
– عن طريق المرحوم الشهيد عادل جلوب الكعبي (اعدام)، والشهيد سعد حسن الساعدي (اعدام) والاخ عبد الله سوادي البديري والاخ السيد إبراهيم جابر النوري واخرين
– هل من ذويكم من لقي حتفه على يد صدام وجلاوزته؟
– من الاخوال ستة هم أولاد جدي السيد سالم الدنيناوي، امام جامع الامام موسى الكاظم (ع) وهم كل من سيد هادي وسيد عباس وسيد جعفر وسيد صادق وسيد كاظم وسيد محمد، تم اعدامهم عام 1982م، وتم اعدام اخي عام 1994م وكذلك خمسة من ذوي ارحامنا.
– مَنْ مِن الشخصيات المعروفة كان معك في المعتقل؟
– كنا في سجن أبو غريب/ الخاصة، حيث كان هناك ثلة من اسرة ال الحكيم من بينهم المرجع الديني محمد سعيد الحكيم (قدس) والسيد احمد الصافي خطيب جمعة كربلاء واخرين
– متى بدأ انخراطك في الدراسة الدينية؟
– بعد خروجي من السجن عام 1990م، رفضوا عودتي لإكمال دراستي الاكاديمية، كوني كنت سجينا سياسياً، فتم تجنيدي للخدمة الإلزامية في الجيش العراقي، وبقيت لمدة أربعة سنوات ونصف السنة، ثم تسرحت وانتهت خدمتي العسكرية، بعدها مباشرة عام 1994م التحقت بحوزة النجف الاشرف، فدرست المقدمات ثم السطوح ثم دخلت البحث الخارج وها انا أكمل السنة العاشرة فيه (دورة فقهية كاملة).
– هل ستنال مرتبة الاجتهاد بعدها؟
– لقد توقف الدرس بعد دخول داعش الى العراق، والان عاودنا لإكمال دورتنا الفقهية، أما مرتبة الاجتهاد فالأمر يعود لرؤية اساتذتي
– من هم اساتذتك؟
– المرحوم السيد محمد سعيد الحكيم والسيد عللي السبزواري والشيخ باقر الايرواني والشيخ حسن الجواهري والشيخ هادي آل راضي
– عل يوجد من طلبتكم شباب تفخر بهم، تخرجوا من تحت ايديكم يشاد لهم بالبنان؟
– نعم، هم كثر، منهم الشيخ صلاح الكعبي والسيد محمد الدهناوي والشيخ علي العقابي والشيخ عبد الأمير الاسدي وغيرهم، وكلهم الأن من طلبة الحوزة العلمية في النجف الاشرف.
– الآن لنعود ونسأل عن عملكم الاجتماعي ليتضح للقارئ الكريم. ما هو نوع عملكم الاجتماعي؟
– بدأ مشوارنا بتوجيه ووعظ وارشاد الناس وتنبيههم عما يدور حولهم من أمور دينية (شرعية وعقائدية) وسياسية واجتماعية، منذ تسعينيات القرن الماضي، ثُمَّ بعد زوال حكم الطاغية واجهتنا بعض الصعوبات والفتن وقانا الله شرها، فشرعنا بفتح مصلى الثقلين عام 2006م، ليكون بوابة انطلاق نحو العمل الديني والإنساني، ثُمَّ أسسنا مدرسة الامامين الجوادين (ع) عام 2018م، ونحن على تعاون مستمر مع مؤسسة عين لرعاية الايتام، كذلك قدمنا الدعم اللوجستي لقطعات الجيش والحشد الشعبي، ابان حربنا على داعش، فتحنا مدرسة لدراسة العلوم الدينية والقران، لدينا رواتب شهرية وهبات الى عوائل الفقراء والمعوزين والمحتاجين، نساهم في تزويج الشباب، نساهم في إيجاد فرص عمل للشباب، وكل عمل صالح ينفع الناس ستجدنا فيه مساهمين بإذن الله.
– هل لي أن أسأل عن مصدر الأموال؟
– بكل تأكيد، نحن نتبع نظام الحوزة الكلاسيكي، أي بعد الاعتماد على الله سبحانهُ وتعالى فنحن نعتمد على الحقوق الشرعية التي جعلها الله واجباً على الأغنياء وحقاً للفقراء، وعلى التبرعات من المحبين للعمل الصالح، فلا علاقة لنا بأموال الحكومة والدولة من بعيد او قريب.
– نفهم من ذلك انكم في مقاطعة حتى مع الوقف الشيعي؟
– من ناحية الأموال فنعم، ليس لنا بهم أي علاقة
– هل المصلى والمدرسة مسجلة في الوقف الشيعي؟
– كلا، انها ملك خاص
– ما رأيكم بأسباب ظهور الحركات المنحرفة؟ وماذا تقولون للشباب حول وجود الحركات المنحرفة والتي تأطرت بإطار ديني؟
– عدة أسباب تقف خلف ظهور هذه الحركات، منها الجهل وعدم الاطلاع والقراءة، كذلك معاشرة أهل الضلال والانحراف وهؤلاء نعرفهم من خلال افعالهم، وايضاً ثمة شيء مهم جداً وهو وقوف جهات مغرضة داخلية وخارجية لا تريد الخير للمسلمين، فيحاولون ابعادهم عن دينهم وعقيدتهم كي يستعبدونهم وهم لا يشعرون، واما نصيحتي للشباب فعليهم بالقراءة والاطلاع واتباع اهل الصلاح واولهم القران وتتبع سيرة النبي واله، ثمَّ التمسك بتوجيهات المرجعية الدينية الرشيدة، والسفر والسياحة الدينية، التي يتم من خلالها الاطلاع على أحوال الاخرين، مع أهمية التلاقح الفكري الذي بالنتيجة يؤدي الى بناء شخصية قوية مؤمنة تساعدهم على التمييز بين الحق والباطل.
– اللقاء معكم شيق وجميل لا نتمنى لهُ نهاية، لكنها هكذا تسير كل الأمور. فماذا تقولون في اخر اللقاء؟
– الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا هدنا الله، والصلاة والسلام على سيدنا وشفيعنا رسول الله، محمد واله ومن والاه، ندعو الله العلي القدير أن يحفظ الإسلام والمسلمين، وان ينصرنا على اعدائنا أجمعين من الساعة حتى قيام يوم الدين، وان يوفقكم ويوفقنا الى ما فيه الصلاح والانجاح، انه هو السميع المجيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *