الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) والخيارات الصعبة

نتناول في هذه السطور قضية محورية في حياة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، تلك الشخصية التي ظلمها الكثير من المسلمين، من الشيعة والسنة، وظلمها التاريخ كذلك، خاصة في موقفه من معاهدة الصلح مع معاوية، الذي غالبًا ما يُساء فهمه.

فقد واجه الإمام الحسن (عليه السلام) خيارات صعبة ومصيرية في لحظة مفصلية من تاريخ الأمة الإسلامية، وكان عليه أن يتخذ قرارًا له أثر سياسي واجتماعي عميق. ونستعرض هذه الخيارات كما يلي:

الخيار الأول: القتال مع قلة الناصر

كان بإمكان الإمام الحسن (عليه السلام) أن يختار القتال مع أصحابه الخُلّص وأهل بيته، بشرط توفّر العُدّة والعَدد الكافي، وأن يكون أصحابه سالمين من الأعذار كالعمى والمرض والعجز، ومهيّئين لمواجهة العدو بشجاعة وثبات.

وقد حدّد القرآن الكريم معيارًا عدديًا للمواجهة، فقال تعالى:

> “يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا…”
(الأنفال: 65)

فإذا نقص عدد المجاهدين عن هذه النسبة، كأن يكونوا 20 وعدد العدو 300، فلا يجب القتال، بل يكونون معذورين شرعًا في الكف عن المواجهة.

الخيار الثاني: الحكم في حال الضعف العددي

ثم خفّف الله تعالى عن المؤمنين حين يكونون في حالة ضعف، فخفض معيار النسبة إلى (1:2)، كما في قوله تعالى:

> “الآن خفّف الله عنكم، وعلم أن فيكم ضعفًا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين…”
(الأنفال: 66)

وبناءً عليه، فإن الإمام الحسن (عليه السلام) وأصحابه لم يكونوا مطالبين شرعًا بالقتال إذا زاد عدد العدو عن هذه النسبة، خاصة إذا غلب على الظن أن القتال سيؤدي إلى هزيمتهم المحققة، أو مفسدة أعظم للأمة.

الخيار الثالث: الصلح كضرورة واقعية وشرعية

في ظل غياب التكافؤ العسكري والمعنوي، لم يبقَ للإمام الحسن (عليه السلام) إلا خيار الصلح، وهو خيار مشروع في الشريعة الإسلامية، حين تُفقد القدرة على المواجهة المسلحة، أو تكون المصلحة في تجنّبها.

وقد شُرع الصلح في الإسلام كما حصل في صلح الحديبية، رغم ما فيه من مظاهر الإجحاف الظاهري بالمسلمين، إلا أن الله سبحانه وتعالى وصفه بقوله:

> “إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا”
(الفتح: 1)

وهكذا، لم يكن صلح الإمام الحسن (عليه السلام) ذلًا، بل خيارًا شرعيًا عقلانيًا، تم بناءً على شروط واضحة ألزم بها معاوية، الذي وافق عليها، لكنه نقضها لاحقًا.

فبعد عقد الصلح، دخل معاوية الكوفة وخطب قائلاً:

> “ألا وإنّي كنت منيتُ الحسن وأعطيته أشياء، وجميعُها تحت قدمي، لا أفي له بشيء منها.”

قد يُقال: إذا كان الإمام الحسن (عليه السلام) قد صالح بسبب قلة الناصر، فلماذا اختار الإمام الحسين (عليه السلام) القتال مع قلة من أهل بيته وأصحابه؟

والجواب: الإمام الحسين (عليه السلام) لم يبدأ القتال، بل كان هدفه الانصراف من الكوفة إلى المدينة أو اليمن، لكنه مُنع من ذلك. فعندما كتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد يخبره برغبة الحسين في العودة، قال ابن زياد:

> “الآن قد علقت مخالبنا به، يرجو النجاة؟… لا حين مناص.”

ثم أمره بأن يعرض على الحسين البيعة ليزيد، فإن رفض، قاتله.

فقال الإمام الحسين (عليه السلام) في كلمته الشهيرة:

> “ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة…”

ولم يكن موقف الإمام الحسين كصلح الإمام الحسن، لأن الحسين (عليه السلام) لم يُعطَ خيار الصلح أصلاً، بل خُيّر بين الذل والقتل، فاختار الشهادة.

الخلاصة:

إنّ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن ضعفًا ولا هزيمة، بل قرارًا نابعًا من فقه الواقع، ومن الشرع والعقل والحرص على مستقبل الأمة. وقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء أمام ظرف مختلف تمامًا، حيث سُدّت في وجهه جميع الطرق السلمية، وفرض عليه القتال فرضًا.

وهكذا، تتكامل مواقف الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) في قراءة واعية لسنن التغيير، وموازين القوة، وحفظ كرامة الإسلام.
مخلص ال شبيب

3 thoughts on “الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) والخيارات الصعبة

  1. Connie2249 11 أغسطس، 2025 at 4:33 مساءً

    https://shorturl.fm/3rx8Q

    رد
  2. * * * $3,222 payment available! Confirm your transaction here: https://www.neurocirugiapediatrica.com.ar/index.php?1lhdms * * * hs=7e8b0b77befee65b611e8e27330203ee* ххх* 3 أكتوبر، 2025 at 9:54 مساءً

    iqlic8

    رد
  3. * * * $3,222 payment available * * * hs=7e8b0b77befee65b611e8e27330203ee* ххх* 3 أكتوبر، 2025 at 9:54 مساءً

    iqlic8

    رد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *