عندما نعرف أن لنا عدوًّا نتقي شرَّه ليلًا ونهارًا، نحذر من مكائده ونستعد لمواجهته، فكيف بعدوٍّ قد أخرج أبَوَينا من الجنة، وأقسم أمام الله أن يُضلّنا أجمعين، إلا عباد الله المخلَصين؟!
وقد حذّرنا الله تعالى منه مرارًا في كتابه العزيز، فقال:
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر: 6].
وأخبرنا أن له خطوات يتدرّج بها حتى يُوقِع الإنسان في شَرَكه، فقال:
﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة: 168].
ولكي نحبط مكره، يجب أن نكون على وعي بخطواته وآلياته في الإغواء، وهي كالتالي:
1. النَّزْغ (الشرارة الأولى)
وهو الإلقاء الأولي للفكرة الخاطئة في القلب، غالبًا على هيئة ظنٍّ سيّء أو خاطر مشوِّش.
قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [الأعراف: 200].
في قصة يوسف:
بدأ الأمر بخاطرة الغيرة التي خطرت لإخوته:
﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ [يوسف: 8].
ولهذا قال يوسف عليه السلام في نهاية القصة:
﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ [يوسف: 100].
2. الوسوسة (التزيين والمبررات)
هنا يقوم الشيطان بتزيين الفكرة الخاطئة وإعطائها المبررات.
قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ﴾ [طه: 120].
في القصة:
تطورت الغيرة إلى اقتراحات عملية:
﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾ [يوسف: 9].
انظر كيف زُيِّن لهم الفعل مع وعدٍ كاذب بالتوبة بعد الجريمة!
3. المَسّ (تحريك المشاعر)
ينتقل الأمر من مجرّد فكرة إلى عاطفة مشتعلة في القلب، فتُغلَب مشاعر الأخوّة بمشاعر الحقد والحسد.
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: 275].
في القصة:
انتقل نقاشهم من “هل نفعل” إلى “كيف نفعل”:
﴿قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [يوسف: 10].
4. الاستحواذ (السيطرة على القرار)
وهي مرحلة خطيرة يسيطر فيها الشيطان على القرار فيغيب صوت الضمير ويُجمع الرأي على التنفيذ.
قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ [المجادلة: 19].
في القصة:
قدّموا لأبيهم حججًا مقنعة ظاهريًا:
﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [يوسف: 11-12].
5. الزَّلّة (الوقوع في الذنب)
هذه هي النتيجة الحتمية إذا لم يُقطع الطريق من البداية.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ [آل عمران: 155].
في القصة:
وقعت الجريمة بالفعل:
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ [يوسف: 15].
الخلاصة:
الواجب على المؤمن أن يقطع الطريق على الشيطان من أول خطوة، فيستعيذ بالله عند أول خاطر سيّء، ويكثر من ذكر الله، ويجاهد نفسه قبل أن تتحوّل الفكرة إلى شعور ثم إلى قرار ثم إلى ذنب واقع.
الكاتب /السيد مخلص ال شبيب
https://shorturl.fm/HRxV5
https://shorturl.fm/yeF8U
https://shorturl.fm/o4GTk