المقدمة:
تشهد غزة وفلسطين منذ عقود صراعًا دامياً بين المشروع الصهيوني والشعوب المتمسكة بحقها في الأرض والهوية والمقدسات. هذا الصراع المستمر ليس مجرد قضية سياسية، بل له جذور في النصوص القرآنية والروايات الإسلامية، التي تحدثت عن إفسادين لبني إسرائيل في الأرض، وبعث عباد لله أولي بأس شديد ينهون هذا الفساد. من هنا تنطلق هذه القراءة في سورة الإسراء وبعض الروايات الشيعية، لنسلّط الضوء على هذه النبوءة الربانية، وربطها بأحداث واقعنا.
—
المبحث الأول: الإفسادان في سورة الإسراء
قال الله تعالى:
> ﴿وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ فِي ٱلْكِتَٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا (٤) فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادٗا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدٗا مَّفْعُولٗا﴾
(الإسراء: 4-5)
توضح الآيات أن بني إسرائيل سيقومون بإفسادين كبيرين في الأرض، يعقبهما وعد إلهي بالعقاب، من خلال بعث “عباد لله” يتمتعون بالقوة والصلابة، يجوسون خلال ديارهم ويذلونهم.
—
المبحث الثاني: تفسير الروايات وأهل قم
يروي أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) ما نصّه:
> “كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسًا إذ قرأ هذه الآية، فقلنا له: من هؤلاء؟ فقال (ع): هم والله أهل قم، هم والله أهل قم، هم والله أهل قم.”
يتبين من هذا التفسير أن العباد الذين يبعثهم الله لوقف الإفساد الأول هم أهل قم، وهم وفق الرؤية الشيعية مركز المشروع الإسلامي المقاوم في هذا الزمان، ما يشير إلى أن الإيرانيين هم نواة هذا البعث الإلهي.
—
المبحث الثالث: واقعنا والإفساد الأول
من خلال مقارنة الواقع بما ورد في النصوص، يمكن القول – والله أعلم – أن الإفساد الأول هو ما نعيشه اليوم:
احتلال اليهود لأرض فلسطين.
تدنيس المقدسات وتهويد القدس.
حصار غزة والعدوان عليها.
الدعم الدولي الشامل لدولة الاحتلال.
تحالف عالمي يُغذّي كيان الاحتلال بالأموال والسلاح والتأييد.
في المقابل، يظهر محور المقاومة المكوّن من:
الإيرانيين (مركزهم قم، كما في الرواية).
العراقيين، اللبنانيين (حزب الله)، اليمنيين، الفلسطينيون، الذين يشكّلون جبهة واحدة ضد هذا الكيان.
—
المبحث الرابع: الإفساد الثاني وظهور السفياني
تشير الروايات والقرآن إلى أن بني إسرائيل، بعد الهزيمة الأولى، سيتجمعون مرة أخرى، ويُمدّون بالدعم من العالم واليهود المنتشرين خارجه، ليظهر الإفساد الثاني بشكل أكبر وأخطر.
في هذه المرحلة، يظهر السفياني، وهو شخصية مذكورة في روايات آخر الزمان، عدو للإمام المهدي (عج)، ويتزعم جبهة الشر.
وهذا ما يُفهم من قوله تعالى:
> ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَـٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلنَـٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا﴾
(الإسراء: 6)
—
المبحث الخامس: وعد الآخرة ودخول المسجد بقيادة الإمام المهدي (عج)
قال تعالى:
> ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلۡآخِرَةِ لِيَسُۡـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرٗا﴾
(الإسراء: 7)
الدخول الثاني للمسجد الأقصى يكون من نفس الأمة التي دخلته أول مرة، ما يدل على أنها أمة باقية (وليست أمة بختنصر أو زمن عمر بن الخطاب، الذين انتهى وجودهم).
وهذه الأمة هي نفس “عباد الله أولي بأس شديد”، الذين يبقون حتى يظهر فيهم الإمام المهدي (عج)، ويقودهم لتحرير الأرض المقدسة نهائيًا.
—
الخاتمة
بناءً على هذه القراءة القرآنية والروائية، يمكن أن نفهم أن:
الإفساد الأول لليهود هو الواقع الحالي في فلسطين.
العباد الذين يردعونه هم أهل قم ومحور المقاومة.
بعد فترة، يتقوّى اليهود بدعم عالمي ويظهر السفياني في الإفساد الثاني.
ثم يظهر الإمام المهدي (عج) ويقود الأمة نفسها التي خاضت المعركة الأولى، ليحرر المسجد الأقصى ويُطهّر الأرض من دنس بني إسرائيل إلى غير رجعة.
والله أعلم، وهو أصدق القائلين.